• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحب الأول.. هل هو الحب الأخير؟

الحب الأول.. هل هو الحب الأخير؟

دراسات تؤكد أن أثره يبقى مدى الحياة

    ذكرياته محفورة في الوجدان تعزف السيمفونية الخالدة للمشاعر على أوتار الحنين. الأوّل، الذي يقول البعض، إنّ للقلب خفقة واحدة في حياته تتشابه بعدها كل الخفقات. فهل حقاً ما يشعر به الإنسان من عواطف لاحقاً، ليس سوى نسخة مُقلَّدة من مقطوعة المشاعر الأولى؟ وهل الحب الأوّل هو الأخير؟

    ما من حُب نال حظاً وافراً من تمجيد الشعراء والأدباء كالحب الأوّل، حيث قال فيه أبو تمام قديماً:

 

نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شئتَ من الهَوى

كم مَنزِلٍ في الأرض يألفُهُ الفَتى

ما الحُبُّ إلا للحَبيبِ الأوَّلِ

وحَنينُهُ أبداً لأوّلِ مَنزِلِ

         

    - الأول هو الأخير:

    ليست هناك قناعة أشد رسوخاً لدى أماني الزرد (ربة منزل، متزوجة منذ 8 أعوام)، من إيمانها بأنّ "الحبيب الأوّل هو الأخير"، حيث إنها تؤكد "أنّ الوقوع في الحب للمرة الأولى، هو بمثابة شُعور لا يُوصَف"، لافتةً إلى أنّه "أمر لا يُنسى أبداً". وتقول: "أوّل إحساس، وأول دقّة قلب، لابدّ أن يكون لهما طعمهما الخاص، حيث تبقى ذكرياتهما عنواناً لأوّل خبرة وجدانية يُعايشها الإنسان، مُعلناً خروجه من ذاته ليحاول الاندماج في حياة إنسان آخر، وهو حُب مثالي من حيث النَّقاء، وتُزيّنه البراءة والطُّهْر". وتعترف أماني بأنها كانت محفوظة، لأنها تزوجت ببطل قصة حبها الأوّل، فصار هو الأخير. ومن خلال تجربتها، زاد إيمانها بأنّ الحب الأوّل دائماً هو الحب الأخير.

    

    - لا يُنسى:

    مع الرأي السابق، يتفق أيضاً محمود مداح (مستثمر عقاري، متزوج منذ 4 أعوام) مُبيّناً "أنّ القلب مهما ذاق من الهوى، يحن دائماً إلى أول طارق على بابه". ويشير محمود إلى أن "أول حُب بالنسبة إليَّ هو آخر حب، وهو من نصيب زوجتي". ويضيف: "إن نسينا، فلن نستطيع أن ننسى حبنا الأوّل، حيث تُرافقنا ذكرياته وهمساته، ولن نستطيع أبداً أن نتحرر منه، خاصة حينما يكون صادقاً، ونابعاً، من القلب والعقل معاً".

    

    - دائرة لم تكتمل:

    "الحب الأوّل لا يُنسى مهما مَرّ الزمان لأنّه الحب الحقيقي "من وجهة نظر ماسكي جولا (موظفة، عازبة)، التي تمضي بالقول: "لذلك، يظل الحب الأوّل هو الحب الأخير، خاصة إذا لم يلتقِ الحبيبان، فيتذكر كلاهما دائماً، أنّه حُرم من شخص كان يتمنّاه بقربه، وأن هناك دائرة في حياته لم تكتمل". وتؤكد ماسكي، أنّه "حتى عندما ينطفئ نور الحب الأوّل بسبب ظروف معيّنة، فإنّه حينها يبقى ذكرى جميلة نعيشها". وتقول: "هو في رأيي من أجمل ما يمكن أن يمر به الإنسان في حياته".

    

    - مُتغيّرات:

    في المقابل، ثمّة فريق من الناس أداروا ظهورهم للرأي القائل، إنّ الحب الأوّل هو الحب الأخير، إذ إنّ هذه المقولة لا تتفق مع ما يُؤمن به تامر أبو عيد (مهندس ديكور، متزوج منذ 3 سنوات)، الذي يُقدّم حجَّته بعدم إمكان أن يكون الحب الأوّل هو الأخير، لافتاً إلى أن "مشاعر الإنسان في مقتبَل حياته، غالباً ما تكون طفولية تسيطر عليها أحلام المراهقة وغير ناضجة، وقد يكون ما يشعر به تجاه الطرف الآخر، مجرد إعجاب وانبهار يزولان بسبب ظهور أشخاص أكثر إبهاراً". ويستطرد قائلاً: "لكن، الحب الأخير يتشكل على قاعدة صلبة من المشاعر، فيصبح رصيناً وثابتاً، بعد أن ينضج على نار الخبرة والتجارب. لذا، فإنّ الحب الحقيقي لا يبقَى مقصوراً على الحبيب الأوّل".

    

    - الاحتفاء بالبدايات:

    "ليس شرطاً أن يكون الحب الأوّل هو الحب الأخير"، من وجهة نظر عبداللطيف رحالي (موظف، عازب)، الذي يصمت قليلاً قبل أن يقول: "المشاعر غير قابلة للترقيم، بحيث نقوم بترتيبها إلى حب أوّل وحب أخير. فكل علاقة عاطفية تطرق أبوابنا، إن لم تكن عميقة فإنها ستختفي مع مرور الوقت، وهذا بفضل نعمة النسيان التي خَصَّنا بها الله كبشر". ويضيف: "الإنسان جُبِل دائماً على الاحتفاء ببدايات الأشياء، إذ نفتقدها ونمارس حنيننا الدائم إليها، حتى إن لم تكن عميقة. وهذا هو السر الذي يجعلنا نقول واهمين، إنّ الحب الأوّل هو الأخير". "الحب الصادق هو الحب الأخير أيّاً كان رقمه"، يقول عبداللطيف، لافتاً إلى "أنّ الحب الحقيقي، هو وحده الذي يستحق أن نطلق عليه اسم الحب الأوّل والأخير معاً، لأن قبله لم يكن حباً وبعده لن يكون".

     

    - محطات:

    من جهتها، لا تُؤمن جُنينة محواشي (موظفة، عازبة) بأنّ الحب الأوّل هو الحب الأخير. موضحةً، أنّه "في مسيرة الإنسان ثمّة محطات مختلفة، وفي كل مرحلة من مراحل عمره يَنظُر إلى الأمور بشكل مختلف، من وحي عمره وتجاربه التي يتعرض لها. بالتالي، فإنّ في إمكانه أن يحب أكثر من مرّة". تعود جنينة لتقف عند النقطة الأولى، لافتة إلى أن "هناك حقيقة لا نستطيع إلا أن نعترف بها، وهي أن ذكريات الحب الأوّل، بحلوها ومرّها تظل خالدة فينا، حتى إن لم تؤثر في خياراتنا العاطفية، فهي تظل مجرّد ذكرى وحسب"..

    

    - معيار للمقارنة:

    أما بالنسبة إلى آلاء خليل (متزوجة منذ 4 أعوام)، فإنّ "من الصعب أن نؤطر مشاعر الحب في نظريات ثابتة، كأن نقول مثلاً: إنّ الحب الأوّل هو الأخير، إذ إنّ كل إنسان تحكمه تجربته وظروفه وميوله. فقد يكون الحب الأخير أغلى وأروع وأكبر قدرة على البقاء في داخلنا، وفي ظروف أخرى قد يظل الحب الأوّل بصورته المثالية، معياراً للمقارَنة، خاصةً عندما لا نجد شخصاً آخر يُنسينا إيّاه، ونظل نتذكره عند كل تجربة عاطفية فاشلة نخوضها بعده، فيكسب الجولة لصالحه". وتشير آلاء، إلى أن "كل هذه الأمور تخضع لنصيبنا في الحياة من الحب، واختلاف قدرة الفرد على النسيان".

    

    - تجارب غير ناضجة:

    كذلك، يَعتبر وائل غندور (موظف، متزوج منذ عامين)، أن "لدى كل إنسان تجربته الخاصة في الحب"، مشيراً إلى أن "هناك مَن سيظل حبه الأوّل أحلى ما عاش، وهناك مَن حصد الندم والمرارة بسبب حبه الأوّل، وهناك مَن يعيش اللحظة بلحظتها، يحب أكثر من مرة ويعيش أكثر من تجربة بالإحساس والدرجة نفسهما في الحب". ويرى وائل، أنّ مقولة "الحب الأوّل.. هو الحب الأخير" عندما تُطرح على أرض الواقع، فإنها تجافي كثيراً الحقيقة، موضحاً أنّه "إذا نظرنا حولنا، فإننا نجد تجارب الحب الأوّل عند معظم الناس، قد اتَّسمت بالفشل وخلّفت وراءها كثيراً من الجراح والآلام، لأنها كانت غير ناضجة، ولا تقوم على أي حسابات واقعية. لذا، يُفضّل الكثيرون نسيانها".

    

    - نُضج:

    لكن، ماذا يقول أخصائيو النفس في مقولة "الحب الأوّل هو الحب الأخير"؟ وما هو التفسير لهذا القول الشائع؟ في هذا الإطار، تقول الأخصائية في علم النفس الدكتورة مها عبدالحليم: "إنّ الحب الأوّل يكتسب تَوهّجه عند كثير من الناس، غالباً بسبب الظروف السلسة التي يتم فيها، حيث يكون في بواكير العمر وفي مرحلة الحكم على الأشياء بظاهرها، ويكون حينها الصوت العالي للقلب وحده، فلا تعقيدات ولا مكان للحسابات العقلية. ويلعب الخيال العاطفي دوراً كبيراً في هذه التجربة، ويحاول فيها الفرد إسقاط أحلامه على شخص يعتقد فيه الكمال، حيث يُخيّل إلى طرفي العلاقة، أنّ الحب أقوى من أي فروق. لذا، يبدو نقيّاً ومثالياً يُرضي القلب تماماً ويملأ كل مساحاته". وتشير د. عبدالحليم، إلى أن "هذه الحالة هي حالة قصوى من المشاعر لا تتكرر أبداً، إذ تظل عالقة بالذهن مهما تعددت التجارب في ما بعد، وذلك لأنها أوّل تجربة يمر الإنسان بها، منتقلاً من مرحلة اللاّنضج إلى النضج. لذا، فهي لا تُنسى". وتضيف: "لكن، عندما ينضج الإنسان، يبدأ العقل في العمل، ويدخل في صراع مع القلب في عملية مُعقَّدة، يتحكم فيها الوعي واللاّوعي، من أجل إحداث التوازن العاطفي، حيث يكتشف الفرد ضرورة أن ترتبط عاطفة الحب بالعقل، وأنّه لا يوجد ما يُسمّى الحب من أجل الحب. لأن لكل شيء في الحياة هدفاً". وتشير إلى أنّ "أسمَى أهداف الحب هو الزواج، حيث يشعر فيه الإنسان بمزيد من المسؤوليات. بالتالي، بعدم الراحة، خاصة إذا فشلت تجاربه العاطفية، فيبدأ في المقارنة، ويَحنّ إلى أيام عشقه الأولى، تلك التي كانت بلا ضغوط، فمن هنا يَعتبر حُبّه الأوّل هو الحب الأخير في حياته".

    

    - لا شيء مُؤكَّداً:

    من ناحيتها، تؤكد الأدبية الإماراتية باسمة يونس، أنها لن تتفق أو تعترض على رأي أيٍّ من الفريقين، من الذين يقولون إنّ الحب الأوّل هو الحب الأخير، أو أولئك الذي يرون خلاف ذلك، مُبررةً موقفها بالقول: "في الحب، لست أرى شيئاً مُؤكَّداً أو قاعدة تجعل منه منهجاً. فالحب بشكل خاص حالة قائمة بذاتها في كل مرة. فقد يكون الحب الأوّل لدى البعض هو الحب الوحيد والأبَدي، بينما يكون لدى آخرين حباً أخيراً أو حباً غير مُتوَقّع، وهو الحقيقة التي لم يتوقعها المحب نفسه". وتتابع مُحذرة من الفرضيات الثابتة: "أحياناً، تكون الحكمة، أو القول المأثور، سبباً في خطايا الآخرين، وأحياناً يجلبان البؤس بدلاً من منحهم السعادة المنشودة. ومن الحكمة ألا يقتدي الناس بالحِكم والأقوال المأثورة في كل الأحوال والظروف، لأن الأيام تتغير والأزمان تتبدل. وقد أثبت الزمان أنّه لا يستقر على حال، وهو ما جعل الأفكار والأمثال في حاجة إلى إعادة نظر في معظمها، حتى لو ظهرت بأفضل حال". وتضيف يونس قائلة: "ربما أكون قد كتبت كثيراً عن الحب، لأنّه العاطفة التي يُميّزها كونها مَحطّ شَغَف الجميع. فلو بدأتَ حديثاً بكلمة حب، سوف تجد الجميع آذاناً مصغية إليك، ولو حكيت قصصاً عن العشاق والمحبّين، سيكون لك جمهور مستمع يرغب في معرفة ما حدث لهم، لأنّ الكل مُحب". لكن يونس تعود لتستدرك موضحة: "إذا اتفقنا مع أبي تمام في مقولته لا مكان لحب بعد الحب الأوّل، سوف نقضي على متعة الحياة، وسوف نعيش في حالة قاسية من الألم والعذاب، لأن بعض الحب الأوّل ينتهي نهاية مؤلمة، وبعضه يغيب اضطرارياً، والبعض الثالث يتحول مع الأيام إلى كُره لسبب من الأسباب، وغيره قد يتحول إلى عشق أكبر، فيزيد ويحرق صاحبه أو يقتله وهو على قيد الحياة". وتواصل: "أيضاً، لو اتفقنا مع الرأي الثاني الذي لا يؤمن بذلك، فقد يتحول معنى الحب إلى لهو ويفقد بهذا قيمته الأصلية، ألا وهي أن يجمع القلوب ويقرّبها ويملأ النفوس والأرواح بمعانٍ كثيرة جميلة، تحوّل الحياة إلى بستان وفردوس على الأرض، وقد يصبح كل مَن أحبّ مرّة، أن ينظر إلى الحب على أنّه لا يكفيه، وأنّه يمكن أن يحب مرة ثانية وثالثة كي يصل إلى متعته الحقيقيّة". وتقول: "من هنا، وكما ذكرت، لا أتفق مع أيٍّ منهما، بل أؤمن بأنّ الظروف هي التي تُشكّل نوعية الحب الذي نحياه، وبأنّ علينا أن نتأقلم مع ما نعيشه، ولا ننتظر أو نتوقع أشياء قد تبدو أجمل، لكنها ربما لن تأتي أو لن تكون كذلك".

    وتلفت إلى أنّ "الزواج التقليدي سوف يجلب حباً حين تستقر الفتاة في بيتها، وتكتشف أنّ الحب الصادق هو الذي يأتي بعد ارتباط صحيح، ومن دون الدخول في مجازفات غير محمودة العواقب. أما الزواج بعد حُب، فإنّ حدث فهو بدوره سوف يتحول إلى زواج تقليدي على مَرّ الأيام، لأنّ الحب سوف يتوزع بين مسؤوليات وواجبات متنوعة، ولن يتوقف عند حدود اللحظات السعيدة ومتعة الانتظار ولهفة اللقاء وغيرها". وتضيف: "في كلتا الحالتين، يقع عبء الحب نفسه على طرفي العلاقة، فهما قادران على التواصل مع حياتهما بالشكل الذي يصنع حباً ويبقيه ويحافظ عليه، أو العكس". وتلخّص الأدبية باسمة يونس رأيها في الموضوع، مؤكدةً "أنّ الحب الأول خير إن استمر وخير إن ذهب، والحب الأخير خير إن جاء، وخير إن كان هو الحب الذي يستقر في القلوب ولا يترك لها المجال للملل. وفي نهاية الأمر الحب الصادق والواقعي هو الذي يملأ الروح والقلب، فينسى المحب إن كان حباً أولَّ أو أخيراً، لأنّه ينسى كل ما جاء قبله، ولا يفكر في أي حُب قد يأتي بعده".

    وبعد قرون عديدة وفي العصر الحديث، اتَّفق الكاتب المصري إحسان عبدالقدوس مع أبي تمّام على الفكرة ذاتها، حيث ذكر "أنّ في حياة كل منا وهماً جميلاً يُسمّى الحب الأوّل". وقال: "لا تُصدّق.. فإنّ حبّك الأول هو حبك الأخير!!". كما عَنْوَن الكاتب المغربي ذو الأصول الفرنسية، الطاهر بن جلون، رواية قصصية كاملة باسم "الحب الأوّل هو الحب الأخير دائماً". ولم تتوقف آراء المتأمّلين والمهتمين بشؤون الحب حول هذه المسألة، فأخضعوا الحب الأوّل للدراسة العلمية، حيث أكدت معظم الدراسات النفسية التي أجريت في الغرب، تأثير الحب الأوّل في حياة الإنسان، كاشفةً أن أصعب ما يُواجهه المرء طوال حياته، هو ذكريات هذا الحب والوعود التي قطعها على نفسه، من دون أن يُدرك معناها. حتى إنّ بعض الباحثين من جامعات عالمية مرموقة، أكدوا الأثر العميق للحب الأوّل في العلاقات اللاحقة، إذ قال باحثون في "جامعة إيسكس" الإنجليزية، إنّ ذكريات الحب الأوّل يمكن أن تُعرِّض العلاقات العاطفية المستقبلية للخطر. وأفادت صحيفة "دايلي ميل" البريطانية، أنّ الدراسة التي اعدّها معهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية في الجامعة، التي يقوم بتنقيحها الدكتور مالكولم برينن، تشير إلى أنّ الناس الذين يقيمون علاقة ما، لن يتوصلوا إلى التزام وارتباط دائمَيْن، في حال كانوا يسترجعون ذكريات الشغف والحب التي ترافقت مع علاقة حب سابقة. وقال برينن: "من المثير للدهشة، أنّ سر السعادة طويلة الأمد في علاقة ما، هو نسيان العلاقة الأولى". وأضاف: "إذا ترك المرء ذكريات علاقة الحب الأولى تسيطر عليه، ستكون العلاقات في المستقبل من دون أدنى شك مضجرة ومخيّبة للآمال".

ارسال التعليق

Top