أ. د. مجدي أحمد محمد عبدالله
◄تعاني الكثير من البلدان العربية من مشاكل مزمنة ومعقدة فيما بخص المناهج الدراسية وتصميمها، وتأتي في مقدمة المشكلات المتعلقة بالمناهج الدراسية قضية عدم مواكبة الكثير من المناهج للمتغيرات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها عالمنا اليوم.
ويبدر دائماً سؤال يتداوله الآباء والتربويون يدور حول الأشياء التي يجب تدريسها للطلاب، وهل هناك متسع في المنهج الدراسي للعلوم التكنولوجية والتطويرية وللقيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية جنباً إلى جنب مع الاهتمام بالمعارف الأساسية كالقراءة والكتابة والحساب؟ وما هي الأمور والموضوعات التي يجب على المدرسة تدريسها للطلاب فيما يتعلق بالأخلاق والبيئة والمخدرات والوالدين؟ وهل من الواجب جعل دروس المواطنة أو التربية القومية إلزامية.
التركيز أم التوسع؟
وفي ظل تلك الأسئلة يدور خلاف شديد بين المختصين والمهتمين بشأن طبيعة التعليم والهدف منه بوجه عام فهناك فريق يرى أن على المدارس أن تركز على تعليم الطلاب العلوم الأساسية مثل التربية الإسلامية والقراءة والكتاب والحساب والعلوم والجغرافيا والتاريخ واللغات. أما الفريق الآخر فيرى ان من الواجب التوسع في المنهج الدراسي بحيث يشتمل على العلوم التكنولوجية والسياسية والثقافية والحضارية، إضافة إلى الفنون والمهارات.
دمج المواد والتركيز على الهدف:
وإذا ما استعرضنا أمثلة لبعض مناهجنا الدراسية نلاحظ الكثير من القصور في بعضها، فمثلاً لا توجد علاقة بين مواد اللغة العربية التي يتم تدريسها في المرحلة الابتدائية (القواعد – النشيد والمحفوظات – القراءة – الإنشاء) وتلك التي تدرس في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية شاملة النحو والصرف والأدب والنصوص والبلاغة تدرس كل مادة على حدة ومنفصلة عن الأخرى، ومن الأفضل دمج جميع هذه المواد في مادة واحدة تسمى مثلاً "اللغة العربية" ويتم فيها تعليم القواعد تطبيقياً، وليس المطلوب حفظ هذه القواعد في حصة مستقلة، وإنما المطلوب هو تطبيقها... وكذلك الأدب والنصوص والبلاغة التي يمكن تذوقها، أما إذا كانت في قواعد فيتم حفظها بجمود مثل حفظ كلمة الجناس أو التورية وحفظ بعض الأمثلة عليها عن ظهر قلب في منهج واحد لا يخرج الامتحان عنه مما يرسخ في ذهن الطالب الانفصال بين هذه المواد ويفهم أنّ النصوص مستقلة عن البلاغة والقواعد مستقلة عن المطالعة.
أما المواد العلمية كالجيولوجيا والفيزياء والكيمياء والرياضيات فتحولت إلى مواد لتحفيظ الأسماء العلمية مثل حفظ اسم الصخر الفلاني واسم الحيوان الفلاني والعنصر الكيميائي الفلاني ومن يكتب اسمه صحيحاً في الامتحان فهو الطالب الممتاز، بغض النظر عن أي تفكير أو إبداع في هذا المجال. ويدرس الطلاب الصخور النارية ولا يعلمون عنها شيئاً وكأنها شيء من الخيال بينما هي موجودة في شكل براكين جامدة في أماكن كثيرة يسهل على الطلاب الوصول إليها ودراستها على طبيعتها والخروج بملاحظات وانطباعات عملية حولها بدلاً من حفظ أسمائها في المنهج الذي يجب ألا يخرج عنه الامتحان... كما يدرسون تركيب الزهرة في الأحياء ولا يرونها وهي موجودة في فناء المدرسة.. بل ويتم تحفيظهم رسمة الزهرة وأسماء أجزائها وأغشيتها.. كل هذه المناهج تحوّلت إلى تكبيل فكر الطالب وحصر له بدل انطلاقه وابداء رأيه في المواد والأحداث التي يراها في حياته اليومية. الامتحانات تأتي محصورة في هذه المناهج، وعلى الطالب حفظ كل ما يرد فيها من أسماء ورموز ونظريات دون فهم وإدراك معانيها. وأغلب المدارس لا تهتم بحصة المختبر والحصص التطبيقية الأخرى التي تعتبر أهم وأفيد الحصص وهي تجد اهتماماً كبيراً في مدارس الدول المتقدمة، وربما كان ذلك هو السر وراء نبوغ طلابها وميلهم للجوانب التطبيقية والعملية الشيء الذي انعكس جلياً في النهضة الصناعية والتكنولوجية في تلك البلدان.
أنواع المناهج الدراسية:
هناك نوعان من المناهج الدراسية، لا يخرج إطار الكتاب المدرسي عنهما في أيّة دول من الدول وهما:
أوّلاً: المنج الموصى به:
ويقصد بهذا النوع من المناهج ذلك المنهج الذي أوصى به من قبل أفراد من العلماء، والمنظمات التخصصية واللجان الإصلاحية والمسؤولين في الدولة، وغالباً ما يصاغ هذا المنهج على مستوى عال من العمومية، وفي أغلب الأحيان يقدم على شكل توصيات عامة عن محتوى المواد الدراسية، وقائمة أهداف، ومتطلبات مقترحة للتخرج، وهناك عدة عوامل تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل هذا النوع من المناهج، ومن أهم تلك العوامل عقيدة المجتمع واتجاهاته ومبادئه وظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ثانياً: المنهج المكتوب:
يأتى المنهج المكتوب دائماً في شكل تطبيق عملي لتوصيات وخطط المتخصصين في مجال تخطيط المناهج وراسمي السياسات التعليمية، ويتم من خلاله نقل النظريات والخطط إلى مرحلة التطبيق العملي، الذي ينبني عليه عمل المدرس في الفصل.
تصميم المنهج الدراسي:
بعد اكتمال الخطط النظرية والتطبيقية الخاصة بالمنهج الدراسي يتم تصميم المنهج وفقاً للتصميمات المتعارفة والتي لا يخرج منها إطار الكتاب، ومن أهم أنواع التصاميم المعروفة:
1- التصميم المتمركز على الطالب.
2- التصميم المتمركز على حل المشكلات.
3- التصميم المتمركز على المادة الدراسية.
تنفيذ المنهج الدراسي:
تنفيذ المنهج المدرسي عملية تعد في غاية الخطورة وإذا كان الكتاب المدرسي هو المنهج المكتوب، فإن تنفيذ هذا المنهج كما رسم له يبدو صعباً للغاية، إذن أنّ المعلمين يختلفون في فهمهم وفي تخطيطهم وفي كيفية صنعهم للقرارات، ويختلف أسلوب التطبيق من معلم إلى آخر، وهو لا يخرج عن أحد الأطر الخمسة التالية:
1- بسياق حالة معيّنة.
2- بعدد من نظريات التطبيق.
3- بأوضاع وضغوط اجتماعية.
4- بالذات.
5- بالخبرة.
ولهذا فإن إعداد المدرس مهنياً وتربوياً يلعب دوراً مهماً في قدرته على التعامل مع المنهج المكتوب، وكذلك تنفيذه بالصورة المطلوبة. ويتطلب تنفيذ المعلم للكتاب حسب ما رسم له إعداداً جيِّداً. وعادة تكون قرارات المدرس ناتجة عن عوامل متفاعلة منها: معرفة المدرس بالمادة، ومرئياته عن الطلاب، والمنهج المكتوب، والضغوط الإدارية، والاعتبارات الاجتماعية والأسرية، وضغوط أولياء الأمور.
الدراسة بين الحقيقة والوهم – رؤية تفسيرية:
من الثابت أنّ العملية التعليمية تضم ثلاث أقطاب رئيسية وهي – المدرس، الطالب، المنهج – وهي حلقة واحدة مترابطة لو تأثر أي جزء منها لا تنتظم العملية التعليمية وتحتوي هذه الحلقة المدرسة كوعاء يحميها ويوفر المناخ الملائم لأداء هذه العملية.
لذا وحتى نتمكن من التعرف على أحوال المدرسين يجب أن نضع أنفسنا وبحيادية مكانهم ونتفهم كافة المحددات التي أفرزت الموقف الراهن.
المدرس كقدوة ومكانة أدبية:
أصبح المدرس في نهايات السلم الاجتماعي بل وفقد الكثير من هيبته واحترامه الواجب توافرهما حتى يؤدي دوره التربوي الرائد بل وتحول إلى سمسار معلومات عن كيفية النجاح بأعلى الدرجات وبعيداً كل البعد عن الفهم وذلك لعدة أسباب أرى أن من أهمها:
· سلب السلطات من يد المدرس:
منع العقاب في مراحل التعليم وترك العنان للصغار للتجرأ على المدرس فكيف يكون التصرف أن لم يؤد الطالب واجباته، بل ما هو التصرف أن شوشر على زملاؤه وعلى المدرس في سن لا يمكن ردعها بدون العقاب البدني.
· مستوى الدخل الرسمي ومستوى الدخل من الدروس الخصوصية:
مستوى دخل المُدرس الرسمي متدني جدّاً ولا يكاد يوفر له متطلبات الحياة الأساسية فما بالنا بأنّه مطالب أن يكون بالمظهر اللائق كقدوة أمام الطلبة.
الدروس الخصوصية هذا السرطان الذي تم زرعه بإتقان في جسد العملية التعليمية وأفرزته عوامل عديدة لا يتسع المجال لذكرها جميعاً ولكن لننظر إلى الأمر من وجهة نظر المدرس وهي ليست بالضرورة رؤية صائبة، فالوضع أشبه بجيش سيدنا طالوط في بني إسرائيل عندما بلغ العطش منهم مبلغه وأمرهم ألا يشربوا من نهر جاري تحت أقدامهم فشربوا جميعاً إلا قليلاً منهم. فكيف بمدرس راتبه محدود في مواجهة مطالب الحياة المختلفة، هذا ليس عذراً ولكنه ليس رفاهية.
· طبيعة وبيئة العمل:
من الثابت أنّه حتى تؤدي عملك بإتقان فعليك أن تحبه ولكن لنر طبيعة عمل المدرس مع مناهج صماء تلقينية طويلة – ترتبط بوقت قصير لإنهائها – سواء فهم الطلبة أم لم يفهموا.
كيف للمدرس أن يتفاعل مع الطلبة بل والمطلوب أن يقيم أداء كل طالب فيما يعرف بالتقويم المستمر وهو يقف أمام من 70 إلى 80 طالب في الفصل الدراسي في سن يغلب عليه الحركة والتمرد كيف له أن يسيطر على هذه الأعداد في حصة مدتها الفعلية من 35-40 دقيقة في أحسن الأحوال وأنى له أن يعرف مستوى كل طالب وسط هذه الجموع.
موجز الأمر أنّ المناخ المحيط بالعملية التعليمية ككل لا يوفر للمدرس الحد الأدنى لأداء واجبه بكفاءة بل يحبطه ويزج بذوي النفوس الضعيفة لكي يختاروا الطريق السهلة وهي الدروس الخصوصية.
الدروس الخصوصية:
الإدمان الذي لا يمكن التخلص منه إلا باصلاح متكامل للعملية التعليمية وبالتوازي وليس بأن نأخذ كل عنصر على حدة (المنهج – المدرسة وتقليل كثافة الطلبة – توعية المدرسين وإعادة تأهيلهم للطرق التربوية الحديثة).
لكننا نحتاج لوقفة مع النفس فلنعترف أنّه لا يمكن وقف هذا الطوفان بجرة قلم أو بقانون فنتبع المنهج الرباني في التعامل مع قضية كالرقيق أو الخمر:
أوّلاً: تجفيف المنابع:
تجريم التدريس في المنازل ووضعها في مصاف الضبطيات القضائية وتشديد العقوبة للمدرس والطالب وولي الأمر بالغرامة لولي الأمر ووقف المدرس وحرمان الطالب من الامتحان – تشديد العقوبة لأقصى درجة – لأنّ الأمر أشبه بالسرطان ومطلوب استأصاله "وقد يقسو المرء حيناً على من يرحم" "وقسا ليزدجروا".
ثانياً: إيجاد مصارف شرعية:
لا شكّ أن مستوى التدريس في المدارس بالوضع الحالي متدني بل ومتدني جدّاً لذا تكون الدعوة لرفع الدولة يدها عن مجموعات التقوية تماماً وتقوم بتفعيل دور المؤسسات الأهلية والأندية ومراكز الشباب والجمعيات الأهلية ولنعد لدور المسجد كمؤسسة محورية فقد كان المسجد في أزهى العصور الإسلامية هو المدرسة والمستشفى ودار القضاء وهو الأمر الذي بدأ بالفطرة في العديد من المناطق الشعبية وألحق بالمساجد فصول للتقوية، بل ولن أبالغ أن أنادي بفتح المدارس للمدرسين وفاعلي الخير وغيرهم لاستقبال الطلبة في الفترة المسائية سواء بمقابل أو بدون مقابل لتفعيل دور المدرسة كخلية نابضة في المجتمع.
النتيجة هي إيجاد مكان شرعي لإكمال دور المدرسة بأقل تكلفة لحين إصلاح أحوال العملية التعليمية.
ثالثاً: تصحيح أوضاع المدرسين:
نحن لا نتعامل مع ملائكة معصومين ولكن المدرسين بشر لهم متطلبات واحتياجات وأيضاً أطماع وأهواء فيجب إصلاح أوضاعهم بأي وسيلة لأن بقاء الحال من المحال فكيف لمدرس لا يجد ما يلبي احتياجاته وأبناءه ويقاوم إغراء المادة السهلة بين يديه.
رابعاً: التوعية من خلال نبض الواقع:
التوعية بالوسائل البديلة وبأنّ الدين يحرم هذه الأوضاع المقلوبة التي تفسد أهم مقومات رقى الأُمّة والتوعية ليست فقط للمدرسين بل للطلبة وأولياء الأمور والأهم للسلطة وواضعي المناهج والسياسات التعليمية العامة.
خامساً: البحث عن وسائل مبتكرة لحل المشكلة:
من خلال المختصين وأولياء الأمور وغيرهم ودعوة كافة الأطراف للمشاركة وإعادة تأهيل وتصميم المدارس القائمة وتقليل الكثافات بالفصول الدراسية مما يفتح الباب أمام جهود التطوير الأخرى أن تؤتى ثمارها في ظل أعداد متوازية للطلبة بالفصل لا تزيد عن 40 طالب بالفصل.►
المصدر: كتاب أزمة الشباب ومشاكله بين الواقع والطموح.. رؤية سيكولوجية معاصرة
ارسال التعليق