• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

خصوصية الزمن في رمضان

خصوصية الزمن في رمضان

   يا ربّ، إنك خلقت الزمن كله، فليس زمن أولى بك من زمن، تماماً كما خلقت كلّ شيء في الوجود، فليس هناك شيء – في ذاته – أقرب إليك من شيء.. ولكنّك جعلتَ لشهر رمضان خصوصية من بين الشهور، انطلاقاً من إرادتك وحكمتك عندما أعطيت معناه شيئاً من معنى وحيك، عندما أنزلت فيه القرآن الذي هو النور المعنوي الذي يدخل إلى عروق الزمن فيمنحه نوراً وحياةً وخيراً وبركةً، وفتحت فيه أكثر من نافذةٍ للإيمان، وحشدت فيه الكثير الكثير من مواقع رضاك في ما أردت لعبادك أن يطيعوك فيه، وذلك من خلال فريضة الصيام الذي يفتح في الجسد أكثر من موقع للروح، ومن خلال القيام الذي يطلّ بالروح على أكثر من معنى للحياة المنفتحة على الله.. ثمّ كانت الكرامة الكبرى لهذا الشهر عندما اختصرت الألف شهر فجعلتها في ليلة وجعلت حجم هذه الليلة – ليلة القدر – أكبر من حجم ذلك الزمن الطويل في فضلها وثوابها ونتائجها الروحية على مستوى ما يحصل عليه الإنسان من مضمونها العبادي من خير وثواب وسعادة، قد ترفعه إلى الدرجات العليا في جنتك.. وبهذا كان الإيحاء الإلهي بأنّ القيمة في معنى الزمن في روحه في سرّ الله، ليست في الكمية، بل هي في النوعية، فقد لا تكون الألف شهر الفارغة من عمق الحركة الروحية في مستواها العبادي ذات قيمة عند الله، وقد تكون الليلة الواحدة في جهدها وسرّها ذات قيمة كبيرة في حركة الفكر والروح في ما تنتج من أفكار ومشاعر وفي ما تنفتح عليه من آفاق الخير، أو تقترب به من ألطاف الله في الإنسان وفي عمق شعوره بالحياة، وفي معنى الكرامة التي يكرم فيها عباده بالمغفرة والرحمة والرضوان. وهذا هو الفضل الكبير الذي تفضلت به على عبادك عندما فتحت لهم في هذا الشهر كلّ الأبواب التي تطلّ عليك، ودعوتهم إلى كل الأعمال التي تقترب من مواقع رضاك، وهيّأت لهم كل مواسم الخير والبركة واللطف والحياة الروحية التي تتفايض بالحنان. "ثُمَّ آثرتَنا به على سائر الأُممِ، واصطفيتنا بفضلك دون أهل الملل، فصُمْنا بأمرك نهارهُ، وقُمنا بعونِكَ ليله، مُتَعرِّضين بصيامِهِ وقيامه لما عرَّضتَنا له من رحمَتِكَ، وتسبَّبْنا إليهِ مِن مثوبَتِكَ، وأنتَ المَلِئُ بما رُغِبَ فيه إليك، الجواد بما سُئِلْتَ مِن فضلِكَ، القَريب إلى مَن حاوَل قُربَكَ".

ارسال التعليق

Top