يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). تؤكِّد هذه الآية أنّ الهدف من تشريع الصوم هو تحصيل التقوى، بأن ينطلق الإنسان ليكون الإنسان التقي لله في كلّ أعماله، بحيث يراقب الله في الصغير منها والكبير، وأن تكون لديه الحساسية في أيِّ عملٍ يقوم به، ليعرف مواقع رضا الله فيه وسخطه.
وعلى ضوء هذا، يمكن أن نتصوّر أنّ الصوم على عدّة أقسام، فهناك الصوم الروحي الذي يتحسّس الإنسان فيه المعاني الروحية في نفسه عندما يصوم، وهذا ما أكّده رسول الله (ص) في خطبته التي استقبل بها شهر رمضان في آخر جمعةٍ من شعبان، حيث أكّد على الصائمين أن يذكروا بجوعهم وعطشهم جوع يوم القيامة وعطشه، ليتذكّر الصائم بذلك أن ليس لديه فرصة يوم القيامة ليشبع أو يرتوي قبل أن ينتهي الحساب، فإذا كان الحساب طويلاً، فإنّ جوعه سوف يكون طويلاً، وهكذا في عطشه، ومن الطبيعي أنّ الإنسان إذا عاش في نفسه حضور يوم القيامة، عاش الإحساس بخطورة المصير هناك، حيث يكون بين جنّة ونار.
وهكذا يريد الله من الصائم ما حدّثنا به رسول الله (ص): "وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ـ أن يستحضر الإنسان في صومه التوبة إلى الله، بحيث يشعر بخطورة ما قام به تجاه ربّه، ليتذكّر ما ارتكبه من أخطاءٍ في الماضي، في الكبير من أعماله وفي الصغير منها، والله فتح للإنسان باب التوبة، ولقد علَّمنا الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) أن نتحدّث مع الله عن طبيعة معصيتنا، التي لم تكن تمرّداً عليه: "إلهي، لم أعصك ـ حين عصيتك ـ وأنا بربوبيّتك جاحد، ولا بعقوبتك متعرّض، ولا بأمرك مستخفّ، ولا بوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت ـ شيء طارئ في حياتي ـ وسوّلت لي نفسي، وغلبني هواي، وأعانني عليها شقوتي، وغرّني سترك المرخى عليّ، فقد عصيتك وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك مَن يستنقذني، ومن أيدي الخصماء غداً مَن يخلّصني، وبحبل من أتّصل إن أنت قطعت حبلك عنّي"، أن يتوب الإنسان من صغائر ذنوبه وكبائرها ـ وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم". حاول أن تدعو الله قبل الصلاة وفي أثنائها، في ركوعك وسجودك وقنوتك، لأنّ للزمن ميزةً في عالم استجابة الدعاء، فعلينا أن نرفع أيدينا بالدعاء، وقد أراد الله لنا أن ندعوه في كلّ ما أهمّنا، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186)، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60). ولذلك، فإنّ علينا في أوقات صلواتنا وأوقات صيامنا، أن ننفتح على ربّنا، ونفتح قلوبنا بين يديه، ليطَّلع سبحانه عليها، ويرى صدق التوبة، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى/ 25)، وتوبوا إلى الله في أوقات صلواتكم، فإنَّها أفضل السَّاعات، ينظر الله ـ عزّوجلّ ـ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبِّيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق