«الناس صنفان.. إمّا أخٌ لك في الدِّين أو نظير لك في الخلق»، هذه كلمة ذهبية لأمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) بسياق توجيهاته الدستورية لمالك الأشتر (رضي الله عنه)، وهي جوهرة ثمينة في كلِّ مكان وزمان. ورسالة الإسلام هي رسالة عامّة شاملة لكلّ البشر في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها فسبحانه يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، و(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) (سبأ/ 27). فهذه الرحمة يجب أن تُبلَّغ إلى جميع البشر وتبليغها يجب أن يتم عن طريق السلام والحوار الهادئ وبالتي هي أحسن وبنفس الطريقة التي انتشر بها الإسلام في الجزيرة العربية بدايةً.. فقد انتشر نور الإسلام بالكلمة الهادية، والموقف الحكيم، وبالأخلاق العالية لرسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). ولا يكون السلام.. ولا يتحقق في الواقع الخارجي إلّا إذا كان تفكير الإنسان تفكيراً متزناً.. وعمله عملاً متزناً بعيداً عن الاعتباطات والإفراطات. فالإسلام واحة من السلام والحبّ والتعاون. ويرفض الرفض القطعي لجميع أشكال وأنواع العنف النفسي والجسدي والاجتماعي سياسياً واقتصادياً وثقافياً. حتى أنّه يرفض العنف حتى بالكلمة، فالأخلاقيات الإسلامية ترفض جميع هذه الأنواع من السلوكيات المنحرفة. والتقديم والتقويم عنده هو قوله تعالى موجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلينا جميعاً: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125).
إنّ أخلاق الإسلام معتدلة وسلمية جدّاً، هو دين أنزل من أجل أن يقدّم للناس حياة مليئة بالطمأنينة والسلام وتجلت فيه رحمة الله الأبدية وعطفه. إنّ الله يدعو كلّ الناس إلى أخلاق الإسلام كنموذج يمكن أن يعيش الناس من خلاله الرحمة والعطف والتسامح والسلام على وجه الأرض. إنّ مسؤولية مهمّة تقع على عاتق الجميع في هذا الموضوع مهما كان دينهم. والله تعالى في القرآن الكريم يأمر المسلمين في موضوع ذوي الديانات الأُخرى، فيدعوهم إلى «التوحّد في كلمة مشتركة»: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 64). عندما يتفق الجميع على «كلمة مشتركة» في إطار الحبّ والاحترام والسلام والتسامح المتبادل، فإنّ العالم سيكون مكاناً مختلفاً وستنتهي الاشتباكات والخصومات والمخاوف، وستتشكّل حضارة جديدة مبنية على الحبّ والاحترام والطمأنينة.
وهكذا، فإنّ السلام ضرورة حضارية حقّاً.. طرحه الإسلام منذ أربعة عشر قرناً من الزمن وهو ضرورة لكلّ مناحي الحياة البشرية اعتباراً من الفرد وانتهاءاً بالعالم أجمع. السلام هو الركيزة الأهم لحياة الأجيال القادمة في جميع المجتمعات، وإنّ العمل على تجنّب تصعيد العنف والصراعات وتأمين بيئة آمنة يُعدّ الأساس لتنمية أي مجتمع، وفي مختلف القطاعات؛ إذ لا يمكن تنمية أي دولة، وأي جيل، دون وجود مناخ آمن ومناسب لذلك. إذ تحتاج تنمية المجتمعات خاصّةً الفقيرة منها تعاوناً دولياً مشتركاً، ودعماً من الدول الغنيّة والمُتقدّمة للدول الفقيرة، وهذا الهدف لن يتحقّق في حال وجود نزاعات مسلحة داخل الدولة، أو في وجود صراعات في العلاقة بين الدول؛ لأنّ الدعم سيتحوّل لدعم المتضرّرين من الحروب، وقد يتوقّف دعم هذه المجتمعات أيضاً بسبب الحرب أو الصراع السياسي.
الإسلام هو دين السلام وعقيدة حبّ ونظام يستهدف أن تظلل العالم رايات العدل والخير والنور. جعل أساس العلاقة بين الأفراد، وبين الجماعات، وبين الدول، علاقات سلام وأمان، ففي علاقة المسلمين بعضهم مع بعض، يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10). ويقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». فهذه العلاقة أساسها الإخاء، والمودّة، والرحمة، وعلاقة المسلمين بغيرهم، علاقة تعارف، وتعاون، ويسر، وعدل. يقول القرآن الكريم في التعارف المفضي إلى التعاون: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).
إنّها عقيدة لها مبادئ سامية، توجب العدل، وتحرم الظلم، وتعاليمها سامية، وقيمها الرفيعة، تتجه إلى المودّة والرحمة، والتعاون والإيثار، والتضحية، وإنكار الذات، ممّا يرفه الحياة، ويعطف القلوب، ويؤاخي بين الإنسان وأخيه الإنسان. وما أجدر بنا اليوم ونحن نشقّ طريقنا ونهدف إلى بناء جديد على نظام جديد أن ندعم أُسسه بروح الإيمان بالله والثقة بالخصال الروحية من الأخوّة والمحبّة والتعاون والفضيلة والإيثار وإنكار الذات حتى يستقيم هذا النظام ويعتدل بها هذا البنيان وترسخ جذوره في الأعماق، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم/ 24-25).
إنّها لدعوة كريمة، نادى بها الإسلام منذ زمن بعيد، ولا تزال صالحة لأن تقوم بدورها، إذا وجدت أذناً واعية، وقلوباً مفتوحة للخير والحقّ والصلاح. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة/ 208).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق