هذا الكتاب وهذه المائدة الممتدة في الشرق والغرب، ومنذ زمان الوحي وحتى تلاوة يوم القيامة، هو كتاب يستفيد منه كلّ الناس الجاهل والعالم والفيلسوف والعارف والفقيه والكل يستفيدون منه، أي أنّه في الوقت الذي هو كتاب نازل من مرتبة الغيب إلى مرتبة الشهود، ومنبسط عندنا نحن الموجودون في عالم الطبيعة، في نفس الوقت الذي هو فيه مُنزَل من ذلك المقام، ووصل إلى الموضع الذي يمكننا الاستفادة منه. وإنّه في الوقت الذي يحتوي على مسائل يستفيد منها جميع الناس الجاهل والعارف والعالم وغير العالم، فإنّه يحتوي على مسائل تختص بالعلماء الكبار، والفلاسفة العظام، والعرفاء الكبار، والأنبياء والأولياء، إذ أن بعض مسائله لا يتمكن من دركها سوى أولياء الله تبارك وتعالى، إلا من خلال التفسير الوارد عنهم، ويستفيد منه الناس بمقدار استعداداتهم. وثمة مسائل يستفيد منها الفلاسفة والحكماء الإسلاميين ومسائل يستفيد منها الفقهاء الكبار. وهذه المائدة عامة للجميع. وكما أنّ هذه الطوائف تستفيد منه؛ فإن فيه أيضاً المسائل السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وغير العسكرية. إذ أن جميعها موجودة في هذا الكتاب المقدس.
إنّ الغرض من نزول هذا الكتاب المقدس، ومن بعثة النبيّ الأكرم هو لكي يصبح هذا الكتاب في متناول أيدي الجميع، حتى يستفيدوا منه بمقدار سعتهم الوجودية والفكرية. ومع الأسف فلم نتمكن نحن، ولا البشرية، ولا علماء الإسلام الاستفادة من هذا الكتاب المقدس بالمقدار الذي ينبغي الاستفادة منه.
يجب على الجميع استخدام أفكارهم، وتسخير عقولهم نحو هذا الكتاب العظيم حتى نتمكن من الاستفادة منه بمقدار استعدادنا وكما هو عليه.
فالقرآن جاء لتستفيد منه جميع الطبقات كلّ بمقدار استعداده. وطبعاً فإنّ بعض الآيات لا يمكن أن يفهمها إلا رسول الله (ص) والمتعلم بتعليمه ويجب علينا فهمها بواسطتهم وإنّ الكثير من الآيات الأخرى هي في متناول أيدي الجميع. حيث يجب عليهم استخدام أفكارهم وعقولهم ليستفيدوا منها مسائل للحياة، سواء في هذه الدنيا أو الحياة الأخرى.
لذا فإن أحد أهداف البعثة هو إنزال هذا القرآن الذي كان في الغيب. بصورة غيبية وفي علم الله تبارك وتعالى، وفي غيب الغيوب، بواسطة هذا الموجود العظيم الذي جاهد نفسه كثيراً وكان على الفطرة الحقيقية وفطرة التوحيد وجميع المسائل الأخرى التي جعلته مرتبطاً بالغيب وبواسطة الارتباط الذي كان له بالغيب فقد نزّل هذا الكتاب المقدس من مرتبة الغيب، بل وقعت للأصل عدّة تنزّلات، حتى وصل لمرتبة الشهادة، وخرج بصورة ألفاظ. والكل يمكن فهم هذه الألفاظ والاستفادة من معانيها بمقدار استعدادنا، واستهدفت البعثة بسط هذه المائدة بين الناس منذ زمان نزوله وحتى النهاية. فهذه واحدة من أهداف الكتاب وأهداف البعثة. "بعثه عليكم" رسولاً يتلو القرآن عليكم والآيات الإلهية و(يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (آل عمران/ 164).
فقد تكون هذه هي الغاية من التلاوة. فالتلاوة تكون لأجل التزكية والتعليم، وتعليم الجميع.. تعليمهم هذا الكتاب، وتعليمهم الحكمة التي هي من هذا الكتاب أيضاً. إذن فهدف البعثة هو نزول الوحي ونزول القرآن، وهدف تلاوة القرآن على البشر هو ليزكّوا أنفسهم وينقذوا نفوسهم من هذه الظلمات، حتى تتمكن أرواحهم وأذهانهم بعد ذلك أن تفهم الكتاب والحكمة. فالهدف هو التزكية لأجل فهم الكتاب والحكمة. فلا يستطيع أي إنسان وأيّة نفس أن تدرك هذا النور المتجلي من الغيب المتنزل إلى مرتبة الشهادة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق