• ٢٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

فضيلة الصبر.. تقوية للمؤمن

عمار كاظم

فضيلة الصبر.. تقوية للمؤمن

إنّ المفهوم الإسلامي للصبر أكثر إيجابية وفعالية من المصطلح اللغوي، وللصبر معانٍ أو جوانب عديدة في الإسلام، فهو يعني السيطرة على مخاوفنا وأهوائنا ونقاط ضعفنا، ويعني أيضاً التروِّي والثبات والسيطرة والتصميم والعزم.. إنّ الصبر هو السبيل إلى فهم أفضل لدورنا، بوصفنا مسلمين أتقياء، فهو يشكّل طريقة سلوكنا ويحدِدها، ويجب أن نعتمد الصبر أساساً في حياتنا، إذا أردنا أن نبلغ رحمة الله.

نحتاج هذه الفضيلة كي نقاوم هجمات الشيطان ونحصِّن إيماننا، والصابر لا يأبه للصعوبات، لأنّه قادر على تحويل المرارة إلى رضا، لذا علينا أن نطلب عون الله في الشدائد والملمات ونصبر، ويتم ذلك من خلال الصلاة التي تقوِّي مقدرتنا على الصبر والثبات، وتصدر قوّة الصبر عن معجزة الصلاة، وبفضل الصبر نحصل على المعرفة وعلى تحقيق الذات، وتؤدِّي هذه المعرفة إلى الرِّضا والسعادة.

تفوق قوّة الصبر الإعجاز، وتبلغ الحاجة إليه ذروتها عندما تواجه الفرد المصاعب وتهدد المخاطر حياته وممتلكاته وتُسد الأبواب أمامه، وهنا على المرء أن يتحلى به ويسلم أمره إلى الله. لقد أثبت لنا النبيّ أيوب (عليه السلام) أنّ الصبر صفة الإنسان العادل، فهو الفضيلة التي تتيح لنا تحمل كلّ المصاعب التي تقع علينا بتصميم وعزيمة، ويرضى الله عن الصابرين لأنّه يريد لنا أن نطوّر هذه المقدرة التي تمكننا من هزم القوى الداخلية والخارجية المناوئة للحقّ، والطريق إلى تنمية هذه القدرة هو الصلاة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153).

يطمح المسلم الصابر إلى الحصول على رِضا الله.. فالصبر إذاً هو الدرع الذي يحمي الإنسان ويتقرّب به إلى الله، فيحقّق بذلك طاعة الله والإخلاص له ورِضاه ورحمته، وعلينا أن نبحث عن المتقين الورعين لنتعاون معهم في سبيل رِضا الله، وبفضل الصبر نمتنع عن الأشياء التي لا ترضي الله، وهكذا فإنّ الصبر مطلوب في اليُسر والعُسر.

إنّ الحكمة الإلهية نظام علوي يتجاوز قدرتنا وفهمنا البشري المحدود، لكنّنا مطالبون بالسعي وراء الحقّ والمعرفة والفهم حتى نبلغ تحقيق الذات المسلمة.. إنّ الكثيرين، من المسلمين وغير المسلمين، متساؤون من الحياة وظروفها في هذه الدنيا، ويتعامل الله مع الفئتين كما يشاء، فهو يمتحن إيمان المؤمنين وصبرهم بالمصاعب والمصائب، والصبر هو القوّة الفعّالة للإيمان، ويمتحن الأنبياء والأولياء أكثر من غيرهم، وقد يختبر الإنسان بالعُسر أو اليُسر، فإذا طرقت باب الإنسان المتاعب والمصاعب عليه أن يحافظ على صبره حتى يتغلب عليها ويتخطاها. عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لن تكونوا مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين، وحتى تعدّوا نِعمة الرخاء مصيبة، وذلك أنّ الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء».

يرتبط الصبر بفضائل عديدة، مثل مغفرة الله، رِضاه، ثقته ورحمته، وهي فضيلة ضرورية لكلّ الأوقات، وجوهر الصبر مصدره الله الذي هو نفسه الصبور، وستكون مكافأة الصابرين مضاعفة، فالجنّة ولباس الحرير لهم، بل أعلى الدرجات في الجنّة – إن شاء الله – لأنّهم صبروا وثبتوا على إيمانهم، فالصبر هو نور المؤمنين. نكتسب الصبر من خلال تقوية إيماننا بالله رغم المصاعب التي تواجهنا، إنّ كلّ شيء قدّره الله وعلمه قبل خلق الأرض وما عليها، وعلينا أن ننزع القلق والخوف غير الضروريين من نفوسنا، ويجب أن لا نستعجل الحلول والخلاص من متاعبنا فلكلّ مصيبة أو عناء عوض، وكلّ مشكلة تواجهنا في حياتنا قد تنطوي على مغفرة من ذنوبنا، فعلينا أن نتوجه إلى الله، ونطلب هدايته في وجه المصاعب، ومهما كانت المصاعب جسيمة علينا أن نتحمل ونثابر ونقوي صبرنا وعزيمتنا حتى يتحقق نصر الصبر الذي بفضله نحقق ذاتنا. قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 155).

ارسال التعليق

Top