جاء الإسلام بكل ما يؤدي إلى الترابط والألفة، وتقوية أواصر المحبة بين الناس، ومن ذلك أمره بالهدية والتهادي بين الناس، لأنّها تساهم بقوة في رفع مستوى التضامن الاجتماعي وتحقيق التراحم بين الناس. إنّ الثقافة الإسلامية تهتم بالتواصل الاجتماعي عن طريق الهدية، وتحثّ عليها وتُنظِّم أحكامها. الهدية بين الأقارب والأرحام، والهدية بين الزوج والزوجة، والهدية بين الأصدقاء والجيران، الهدية في المناسبات. مناسبات الزواج والولادة، ومناسبات الأفراح، والتفوُّق المدرسي والمهني... إلخ. والهدية للتواصل والتكريم، وتسجيل الذكرى التي تُذكِّر بصاحب الهدية وبمشاعر الحبّ والتكريم والاحترام بين المهدي والمُهدى له.
نقرأ في البيان النبويّ الدعوة والحثّ على التهادي، فإنّها حسب التحليل النفسي لآثار الهدية - كما في هذا البيان - تزرع الحبّ، وتزيل الضغائن من النفوس، جاء ذلك في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «تهادوا تحابّوا، تهادوا فإنّها تُذهب بالضغائن»، وجاء عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «الهدية تُورث المودّة، وتجدر الأخوة، وتُذهب الضغينة، تهادوا تحابّوا». وهذا فيه دلالة واضحة على أن الهدية لها الأثر الكبير في زيادة المحبة والألفة بين الناس، فهي تذهب العداوة والبغضاء، وتبعث على المحبة، وتعمق المودّة، وهي من العادات الجميلة التي إن انتشرت بين قوم كانت أكبر دليل على حُسن أخلاقهم، وقوة صفاء نفوسهم، وحبّهم للخير وبذلهم له. والتهادي بين الناس أمر مرغوب فيه شرعاً وعادة، حيث كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقبلُ الهدية ويُثيبُ عليها. والهدية تلك الوسيلة التي تطفئ نيران الفتن، وتحل أعقد الأزمات والمشكلات والنزاعات، فللهدية عظيم الأثر فی استجلاب المحبة وإثبات المودّة وإذهاب الضغائن وتأليف القلوب. فهي ما يُعطى بقصد إظهار المودّة، وحصول الألفة والثواب للأقرباء أو الأصدقاء، أو من يحسن الظن به. بمعنى أنّها تُقدَم ولا يراد بها بدل، وليست هي في مقابل ثمن، أو سلعة، أو نحو ذلك، بل هي ما يقدم بلا عوض بقصد إظهار المودّة، وحصول الألفة؛ ومن ثمّ كانت الهدية مفتاحاً للقلوب.
ومن كمال الأدب والاحترام لمن يهدي الهدية، أو يُوجِّه الدعوة لتناول الطعام، أن تُقبل هديته وتُجاب دعوته، بغضّ النظر عن نوعها ومقدارها، فلقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقبلُ الهدية، ولا يَقبلُ الصدقة، لتثقيف المسلمين على ذلك، كان يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو أُهدي إليَّ كراعٍ لقبلته»، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو دُعيت إليَّ كراعٍ لأجبت، ولو أُهدي إليَّ كراعٍ لقبلت». ويُوجِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين إلى هذه الأخلاقية السامية بقوله: «من تكرمة الرجل لأخيه المسلم أن يقبل تحفته، ويتحفه بما عنده، ولا يتكلّف له شيئاً». ومن الأولى أن يهدي الإنسان للأقرب فالأقرب، ولمن له حقوق عليه، فالوالدان أحقّ الناس بالهدية في حياتهما، فهي جزء من حقّهما عليه، ومهما قدم لهما فلن يوفي شيئاً من حقّهما. والهدية بين الزوجين لها الأثر الطيب، فهي تقوي العلاقة الزوجية، وتزيد المحبة والأنس والمودّة، وتزيد رباط العشرة بينهما، فكم أزالت من المشاكل، وكم أبعدت من عداوة، وكم تسببت في زوال الهموم من بيت الزوجية، وكم قوت المحبة بينهما. وأحقّ الناس بالهدية بعد الزوجين هم الأقارب، وكم نرى أثر تلك الهدايا التي تقدم في بعض المناسبات الأسرية والتي تزيد روابط الرحم بينهم.
المسلم في هذه الدنيا يجب أن يكون سفينة خير، عطاؤه بلا حدود، يترك آثاره الصالحة أينما حل، فما أعظم العطاء دون مقابل وما أحسن أن يكون ذلك بين الإنسان ونفسه، فجرب أن تهدي أحد أصدقائك هدية ولو متواضعة وجرب أن تنفق جزءاً من مالك في مجالات الخير. وقد تتفاوت الحالات الاجتماعية، فيهدي مَن هو في موقع اجتماعي أدنى إلى مَن هو في وضع اجتماعي أعلى، وقد تتحكَّم ببعض النفوس أحاسيس التكبُّر والاستعلاء فيرفض الهدية تكبُّراً، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يُوجِّه رافضاً هذه السلوكية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق