يكتسب اليوم العالمي لمكافحة الفساد المصادف في التاسع من شهر ديسمبر، بُعداً هاماً، فهو يشكّل فرصة مميّزة للمهتمّين بمكافحة الفساد، تلك الظاهرة المعقّدة في تجلّياتها، الواضحة في تأثيراتها، من أجل زيادة الوعي، وشحذ الهمم، وتوحيد الكلمة ضد الفساد الذي يهدر الطاقات المالية والبشرية ويشكّل عائقاً بالغ الخطورة أمام جهود التنمية حول العالم. وبالفعل، فالفساد من أكبر العقبات التي تقف في وجه الجهود التي يبذلها العالم لبلوغ الأهداف الإنمائية للألفية.
من الضروري تعزيز جهود مكافحة الفساد، لأنّه يتعارض مع الأُسس والقيم التي تقوم عليها الثقافة العربية بمكوّناتها الاجتماعية والدينية، ويلتهم ثروات شعوب المنطقة، ويعيق الاستثمار الداخلي والأجنبي، ويخفّض من نوعية الخدمات الأساسية التي يتلقّاها المواطنون، ويعطّل حكم القانون، ويهدد استقرار المجتمعات وأمنها، وتبرز الحاجة إلى توحيد وتنسيق الجهود العربية وتعزيز التعاون بين الدول العربية وبينها وبين الدول الأخرى في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
القرآن الكريم يخاطب الإنسان بأنّه الخليفة في الأرض، ويشرح قصّة الخلق والصِّراع وخضوع القوى كلّها للإنسان عدا نزعة الشرّ، ثمّ يتحدّث عن الخطيئة والتوبة والعيش على هذه الأرض، ثمّ الهدى والرسالة. يقول تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويُسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لاَ تَعْلَمُون) (البقرة/ 30)، وفي هذا النص تصوير لممارسة الإنسان الشرِّيرة على هذه الأرض، جريمة الفساد وسفك الدماء، ونكوص عن محتوى العهد والميثاق والملائكة، عالم الطّهر والخير والنقاء، ترى الوجود على الأرض تسبيحاً وتقديساً لخالق الوجود، وتجسيد الخير والسلام، والإنسان يمارس جريمة القتل والإفساد في الأرض.
إنّ الفساد والانحراف والطغيان يؤدي إلى ذهاب البركة ونقص الثروات، لأنّ الإنسان هو الذي يُعمِّر البلاد ويُطوِّر الزراعة ويُنمِّي الاقتصاد، وإذا ما فقد الإنسان في أي مجتمع عزّته وكرامته وسلبت حقوقه وامتيازاته، فإنّه لا يمكن لهذا الإنسان المسحوق أن يصنع حضارة أو يشارك في نهضة أو تنمية، لأنّه يكون قد فقد في وجوده الروح الخلّاقة المُبدعة وماتت فيه الحوافز الدافعة والمُحرِّكة.
الفساد هو العدو الأوّل للتنمية وهو ظاهرة معقّدة تتداخل فيها قضايا السياسة والإدارة والمال، لذا يفترض بالقيادة السياسية متابعتها بدقة والعمل على عدم انتشارها من خلال فصل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية واحترام ممارسة المواطن لحقوقه المدنية والسياسية بما فيها من حرّية التعبير.
وبالعدل يدوم الحكم وبالإنصاف تزيد البركة، والإنفاق يزيد الرزق، وحيثما يكون الظلم والكفر والإسراف والاستضعاف، فإنّ الله يسلب من ذلك المجتمع السعادة ويبتليه بشتّى الابتلاءات والمحن، وهكذا كان حال مجتمع فرعون، يقول تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف/ 130) وقال جلّ شأنه: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) (الأعراف/ 133).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق