• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

من صفات النبي (ص) وألوان جهاده

عمار كاظم

من صفات النبي (ص) وألوان جهاده

يتابع الدعاء - بمناسبة الصلاة - الحديث عن صفاته فهو الأمين على وحي الله الذي التزم بكل كلماته بدقة فلو يزد حرفاً أو ينقص حرفاً منه، ولم يحركه إلا في الخط الذي أراد الله له أن يسير فيه في اتجاه الاستقامة الممتدة في كل مواقع الرسالة وهو الانسان الذي انتجبه من خلقه واستصفاه من عباده لأنه وجد فيه وهو خالقه كل الامتيازات الروحية والثقافية والأخلاقية والصفات النفسية التي تؤهله لأن يكون الرسول الخاتم للرسل لأن رسالته الرسالة الخاتمة التي تختصر في كل خطوطها العامة والخاصة كلّ الرسالات لتكون رسالة الله الى الحياة في امتدادها إلى نهاية الفرصة التي أراد الله فيها للإنسان أن يتحرك مع رسالة الله في الأرض.

الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله:

ينطلق الدعاء بعد هذا العرض الموجز الذي يختصر العناوين الكبرى لجهاد النبي صلى الله عليه وآله في الدعوة والحركة والمعاناة ليرفع الابتهال إلى الله بأن يرتفع بالنبي صلى الله عليه وآله إلى الدرجة العليا في مواقع القرب عنده، وإلى المواطن الرفيعة في جنته من خلال هذا الكدح الفكري والعملي حتى يبلغ بذلك المرتبة العظيمة والمنزلة الكبيرة التي لا يساويه فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل. ويتصاعد الدعاء ليضم إليه أهله الطاهرين الذين ساروا على نهجه وحملوا رسالته وانفتحوا على مواقع الدعوة والجهاد في سبيل الله في خطه وأمته من المؤمنين الذين جاهدوا معه أو جاؤوا من بعده في إيمان وإخلاص ليشفع لهم في غفران الذنب وعلو الدرجة ورضوان الله فيعطيه الله من ذلك كله أجل ما وعده به من الشفاعة والكرامة.والله هو النافذ في عدته والوافي في قوله والمبدل السيئات بالحسنات أضعافا وهو صاحب الفضل العظيم الذي لا حد لعظمته والجواد الكريم الذي اتسع وجوده وكرمه للوجود كله وللإنسان كله. {الحمد لله الذي من علينا بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله دون الأمم الماضية والقرون السالفة، بقدرته التي لا تعجز عن شيء وإن عظم ولا يفوتها شيء وان لطف، فختم بنا على جميع من ذرأ وجعلنا شهداء على من جحد وكثرنا بمنه على من قل}.

الحمد لله الذي من علينا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله:

يا رب لك الحمد من كل عقولنا وقلوبنا وحياتنا على هذه النعمة العظيمة التي تتميز على الكثير من نعمك على خلقك. فقد بعثت في كل أمة رسولا يهديها إلى الحق وإلى الصراط المستقيم ويعرفها مواقع رضاك في طاعتك ومواقع سخطك في معصيتك وكانت لكل رسول منهم ميزته وخصوصيته ودرجته، بما فضلت به بعضهم على بعض أما نحن هذه الأمة المرحومة فقد مننت عليها بمحمد صلى الله عليه وآله الذي ميزته على سائر الأنبياء بما أودعت فيه من الكمالات الروحية والثقافية والأخلاقية والعملية حتى كان النموذج الأكمل الذي تتجمع فيه كل مزايا الرسل وتتفوق عليهم وتفضلت عليه به من دون الأمم الأخرى التي طواها الزمن والقرون المتتابعة التي ذابت في حركة الوجود. إنها النعمة العظيمة التي لا يفضلها شيء فقد جعلتنا الأمة الخاتمة من خلال الرسول الخاتم والرسالة الخاتمة التي تمتد بامتداد الحياة لينتقل الإنسان في نهاية المطاف منها إليك في حسابات عمله ونهايات دوره ومنحتنا الشهادة على الذين جحدوا إيمانك ورسالتك وكفروا برسلك من خلال أننا الأمة الوسط وأعطيتنا كثرة العدد وميزتنا بذلك على من قل. فكيف نحمدك يا رب... وهل نطيق أن نبلغ غاية حمدك؟ فلك الحمد كله {اللهم فصل على محمد أمينك على وحيك ونجيبك من خلقك وصفيك من عبادك إمام الرحمة وقائد الخير ومفتاح البركة كما نصب لأمرك نفسه وعرض فيك للمكروه بدنه وكاشف في الدعاء إليك حامته وحارب في رضاك أسرته وقطع في إحياء دينك رحمة وأقصى الأدنين على جحودهم وقرب الأقصين على استجابتهم لك ووالى فيك الأبعدين وعادى فيك الأقربين}.

جهاد الرسول صلى الله عليه وآله

يا رب لقد كان رسولك محمد صلى الله عليه وآله الرسول الذي جعل حياته كلها وقفا على إبلاغ رسالتك للناس فوظف كل طاقاته في هذا الاتجاه فلم يدخر جهدا ولم يوفر قوة، فكان النبي الذي اجتهد أبلغ الاجتهاد في إيصال الرسالة إلى كل إنسان ممن يملك الوسيلة إلى إبلاغه وتحمل المتاعب كأقصى ما يكون التعب من أجل ربط الناس بالملة التي شرعتها وكلفت الناس بها تقريبا لهم إلى ما يصلحهم وإبعادا لهم عما يفسدهم وتوجيها لهم إلى ما يعمر لهم البلاد ويهيئ لهم سبل النجاة في المعاد وكانت النصيحة لأهل الدعوة شغله الشاغل وهمه الكبير وقد عاش ذلك في كل كيانه فكان يقاسي من الآلم النفسية إذا رأى ابتعاد الناس عن الإيمان بالرسالة واستمرارهم بالضلالة حتى نزل الوحي عليه منك في قولك تباركت وتعاليت: {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} (الشعراء:3)، وقولك سبحانك: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} (الكف: 6)، وقولك: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} (فاطر:8) وغيرها من الآيات التي توحي بأنه كان النبي الذي ينفتح على الناس من موقع المحبة لا من موقع الحقد ن ومن طبيعة الرحمة لا القسوة ولذلك كانت مشاعره الانسانية مع كل الناس من حوله ليهتدوا به ويستضيئوا بنوره من أجل الله لا من أجل نفسه حتى بلغ في ذلك كله ما بلغه من الأذى حتى قال: {ما أوذي نبي مثل ما أوذيت}. وقد عبر عن ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي رافقه منذ بداية رسالته حتى آخر حياته، واطلع على كل معاناته في سبيل الله فقال: {خاض إلى رضوان الله كل غمرة وتجرع فيه كل غصة وقد تلون له الأدنون وتألب عليه الأقصون وخلعت إليه العرب أعنتها وضربت إلى محاربته بطون رواحلها حتى أنزلت بساحته عداوتها من أبعد الدار، وأسحق المزار}، وهكذا اضطر إلى الهجرة إلى بلاد غير بلاده وموطن غير موطنه وموقع غير موقعه فابتعد عن ساحات الأنس ومواقع الإلفة ووطن الآباء والأجداد مما يمثل ضغطا نفسيا عميقا على الإنسان في مشاعره الداخلية ولكنه كان صاحب رسالة وكانت رسالته أكثر أهمية لديه من ذلك كله لأن ذاته لم يكن لها شأن عنده فقد كان كل همه إعزاز دينك ومواجهة مجتمع الكفر للانتصار عليه بفعل رعايتك له ونصرك إياه فاستكمل القوة للمواجهة وحول نقاط الضعف إلى نقاط قوة وانطلق المؤمنون معه بروحية الشهادة وحركية الأمل بالنصر منفتحين عليك لائذين بك متطلعين إلى نصرك واثقين برحمتك واندفعوا إلى الحرب لا حبا بها ولكن لتكون كلمتك العليا وكلمة الشيطان السفلى وكان النصر بعد تجارب مؤلمة وهزائم منكرة وانفتحت ديار الكافرين على الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجا وجاء الحق وزهق الباطل وجاء الحق وزهق الباطل، وعلت كلمتك وظهر أمرك وانطلقت المسيرة من خلال جهده الفكري والروحي وإخلاصه العملي فقد كان بكله لك في ذاته لذاته ولا لغيره في الجانب الشخصي من ذلك فأنت كل غايته ومقصده ومبتغاه {اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنتك حتى لا يساوى في منزلة ولا يكافأ في مرتبة ولا يوازيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وعرفه في أهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته يا نافذ العدة يا وافي القول يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات إنك ذو الفضل العظيم الجواد الكريم}.

ارسال التعليق

Top