إنّ لعبادة الحج أهداف عظيمة وثمار ناضجة لمن أقام هذه الفريضة بشرطها وشروطها، وبطبيعة الحال فإنّ الجاني لهذه الثمرة والمتأثر بما تتركه من آثار هو الإنسان وحده لا غير، فالله سبحانه غني عنه وعنها، قال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 97). فـ(الذين يتجاهلون هذا النداء، وينكرون هذه الفريضة ويخالفونها لا يضرون بذلك إلا أنفسهم لأنّ الله غني عن العالمين، فلا يصيبه شيء بسبب إعراضهم ونكرانهم وتركهم لهذه الفريضة.
إنّ في الحج مواقف رسالية أجراها سبحانه على لسان الصفوة من أنبيائه ورسله وأصفيائه، مما تجعل من هذه الفريضة عبادة مهمة لبناء الإنسان فتثير فيه الإهتمام بمواقف الأنبياء والمرسلين السابقين، وما تشحنه هذه المواقف من معنويات شاخصة وخاصة في شخصَي إبراهيم الخليل (ع) والنبيّ (ص)، وما بذلاه من جهود وتضحيات شاقة لإسقاط الصنمية السائدة في وعي المجتمع الجاهلي من خلال ترسيخ جذور التوحيد الإلهي الأصيل، التي نادى بها إبراهيم من قبل وثبتها من بعده النبيّ (ص) وقاسى من أجلها المحن العظمى.
وقد تكرر ذكر إبراهيم (ع) في القرآن المجيد تسعاً وستين مرة، وفي ست وعشرين سورة مع التركيز على الخصيصتين الرئيستين له وهما: توحيده وصراعه ضد الطاغوت، وموقف النبي الخاتم (ع) من أجل الدعوة مما لا يخفى أثره ولا تطمس معالمه، فعملية الحج ترتبط بأهداف الأنبياء (ع) ونماذجهم القيادية خير ارتباط، وهذه الأهداف الإجمالية للأنبياء (ع) تمثل بمجموعها الإسلام بجوانبه، فهي تعني، تركز العقيدة الإلهية بكل مقتضياتها في نفوس أبناء البشر، وتعمق المفاهيم التي تحدد مواقف الإنسان من الكون والحياة كلها، وإرجاع البشرية إلى فطرتها السليمة وتنمية هذه الفطرة. إنها تعني أيضاً، بناء أبناء الإنسانية بناءً عاطفياً منسجماً مع العقيدة الإلهية الحقة، ونداءات الفطرة الصافية. هي قيادة تجربة تطبيق الشريعة الإلهية، وصياغة المجتمع العابد لله والسائر نحو كماله بشكل منسجم، وإقامة القسط والعدل وإثارة خزين العقول.
إذن من مواقف الأنبياء (ع) تترسخ في النفس المؤمنة روح الهداية وطريق الإيمان وإن كان عميق المدى فهو معبد من لدن أفواج من الأنبياء (ع) الذين ساروا عليه، ومنازل الحج مما يؤكد ذلك الارتباط بين الأنبياء وروح الإيمان الحقيقي الذي هو تمهيد لثورة روحية على الأوضاع التي خلفها الاستعمار في أذهان المسلمين.
إنّ الحج جزاؤه الجنة ويكون ذلك عن طريق تكفير الذنوب والحصول على الثواب العظيم ومن ثم الدخول في الجنة ونعيمها، قال النبي (ص): «العمرة إلى العمرة كفارةً ما بينهما، والحجة المتقبلة ثوابها الجنة، ومن الذنوب لا تغفر إلا بعرفات»، وقال أيضاً (ص): «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئة يوم ولدته أمه»، وقال الإمام الباقر (ع): «من أعظم الناس ذنباً، من وقف بعرفات، ثم ظن أن الله لم يغفر له». إنّ هذه التوبة الموجبة للجنة تكون قبل بدء رحلة الحج التعبدية، وهذه التوبة من مستلزمات الحج المبرور المقبول عند الله تعالى فهي تُعد من أعظم الآثار التربوية لهذه الفريضة لأنّها تعمل على تخليص الإنسان من ذنوبه وتهذيب سلوكه إذ تتميز بأنّها توبة صادقة، تتمثل في تعديل فكر الحاج وسلوكه تجاه خالقه، ونفسه، وغيره من البشر، ضمن إطار الشريعة الإسلامية، فينبغي لمن أراد السفر لأداء هذه الفريضة أن يهيىء نفسه لجلال المناجاة مع رب العالمين برد ما عليه من حقوق ومظالم إلى أهلها إن استطاع، فإن لم يستطع فعليه التوبة إلى الله تعالى، والاستغفار، وتفويض الأمر إليه، وإن كانت الحقوق لله عزّ وجلّ فعليه بالتوبة والندم، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي الكبيرة والصغيرة على حدٍ سواء.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق