لقد أمر الإسلام ببرّ الوالدين وجعل برّهما أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام بعد الشهادتين. بل قرن الله تعالى الإحسان إلى الوالدين بعبادته وتوحيده، وكما أمر الإسلام ببرّ الوالدين وقرنه بعبادة الله فقد حرّم عقوق الوالدين وجعله من أكبر الكبائر.
البرّ الحقيقي حينما يكون الإحسان والسمع والطاعة للوالدين في حال اختلاف رغباتنا وميولنا وطريقة تفكيرنا عنهم، وفي حال عدم حاجتهم لنا؛ لأنّ برّنا بهم وهم محتاجون لنا ليس برّاً وإنما واجب علينا ورد للجميل الذي قاموا به ونحن صغار، وكأنّ العلاقة بيننا وبين والدينا سلف ودين؛ لأنّنا سنلقى كلّ ما نعمله لهم في أبنائنا سواء كان برّاً أو عقوقاً. قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء/ 23-24). فليس الإسلامُ هو الدين الذي يقتصر على العبادات فقط؛ بل هو دينٌ شامل حوى جميع تفاصيل الحياة ونظّم علاقات البشر بعضهم ببعض، وسنّ الأحكام التي من شأنها أن تجعل المجتمع الإسلامي من أفضل المجتمعات وأكثرها محبّةً وتوادّاً وتراحماً، وممّا لا شك فيه أنّ أهمّ العلاقات التي أولاها الإسلام عظيم الأهميّة هي علاقة المسلم بأولي القربى وعلى رأسهم الوالدين. سمّى الإسلامُ الحُسن إلى الوالدين والاهتمام بأمرهما برّاً، وهو من أعظم الإحسان إلى الوالدين. برّ الوالدين هو الطاعة للوالدين فيما يأمران به، واجتناب ما ينهيان عنه، ما لم يكن في أمرهما مُخالفة للدين ومعصية لله، ويكون البرّ أيضاً بحُسن الحديث معهما، والتذلل بين يديهما، والقيام على أداء مصالحهما ورعاية شؤونهما، والجلوس معهما بأدب والحديث معهما بلُطف، والاستماع لهما بإنصات وحُسن إصغاء، والبرّ درجات يتنافس فيها الأبناء على قدر عطائهم ومحبّتهم وابتغاء الأجر من عند الله على ذلك. كما أمرنا الله بالبرّ ونهانا على العقوق للوالدين، ودليل الأهميّة على البر أنّ الله قد قرنه في القرآن الكريم في أكثر من موضع بطاعته تعالى وعبادته وتوحيده وعدم الشرك به، وهذا الاقتران بين عبادة الله وبرّ الوالدين لا يكون إلّا دليلاً على أهمية البرّ وعظيم جُرم العقوق. قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء/ 36). كما وللبرّ ثمرات يقطفها البار بالوالديه في الدنيا قبل الآخرة؛ فمنها أنّ الله يوسّع عليك في عمرك ويُبارك لك فيه، ويوسّع عليك في رزقك ويُعطيك من حيث لا تحتسب، كما أنّك تكسب برّ أبنائك لك وتضمن لنفسك عدم عقوقهم لك حين تكبُر؛ فالأيام يُداولها الله بين الناس، فما تزرعه بالأمس تحصده اليوم. وعلى مَن يريد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة وكسب الأجر العظيم من الله أن يشفق عليهما ويتذلل لهما وأن يترحّم عليهما ويدعو لهما بما يفتح الله عليه، وليتذكر الإنسان شفقة أبويه وتعبهما في تربيته؛ ليزيده ذلك إشفاقاً لهما وحناناً عليهما. والحقيقة أنّ مهما عملنا ومهما قدّمنا فلن نصل إلى غاية البرّ والإحسان لهما؛ لأنّ حقّهما أعظم وأكبر مما نتصور، ويكفي في ذلك أنّ الله قرن عبادته بطاعتهما والإحسان، ومع هذا نحسن ونجتهد ونحتسب الأجر والثواب من الله على قدر الاجتهاد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق