• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تآلف القلوب.. وتوحيد الصفوف

عمار كاظم

تآلف القلوب.. وتوحيد الصفوف

أوّلاً: على مستوى العمل الجماعي: لا شكّ في أنّ روح الفريق ستجعل من كلّ فرد شعلة نشاط يبذل كلّ ما في وسعه، كما سيعمل على تنفيذ ما أُعد له هو وإخوانه وسيكونون جميعاً على قلب رجل واحد لتنفيذ ما اتفق عليه، متناسين أي خلاف قد يكون نشأ في مرحلة ما، ولا شكّ في أنّ أي صف يعمل الجميع به- قيادة وجنوداً - بقلب رجل احد، متجردين لله ولا يرجون من إنسان جزاءً ولا شكوراً، أقدر على تحقيق أهدافه كلّها بإذن الله، فلقد حقق المسلمون الأوائل ما حققوه بعقيدتهم الراسخة وإيمانهم الوثيق بالله، ثمّ بأخوّتهم التي أرساها رسول البشرية محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) حين آخى بينهم.

كما تعزّز الأخوّة وحدة الصف بكلّ معانيها، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4)، فروح الأخوّة ستجعله صفاً واحداً يصعب اختراقه وتدميره.

ثانياً: على المستوى الفردي: إنّ أوّل المستفيدين من روح الأخوّة هو الفرد نفسه إذ يستشعر أنّه ليس وحيداً، وأنّ معه إخوانه يساعدونه على تقوى الله، وعبادته، وطاعته، كما سيجد فيهم خير الأصحاب فهو إذا ذكر الله أعانوه، وإذا نسي ذكروه، وعندما يختلط المسلم بإخوانه سيكتسب منهم خبرات، وتجارب متنوّعة في شتّى المناحي، وسيرتفع بذلك مستوى أدائه في المجالات جميعاً: دعوية ودنيوية ومهنية، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2). كما سيجد الفرد من بعض إخوانه قدوة حسنة، تقربه من ربّه، وتزرع فيه خصالاً، يحاول الوصول إليها دون جدوى، وذلك من خلال معايشته لهم، بل سيقتدي بهم في مختلف الأحوال والأوقات فيكتسب قدرات لا تقدر بثمن، وتعين الأخوّة الفرد على الثبات، ذلك أنّ مَن يسير في طريق الدعوة إلى الله يكون - بطبيعة الحال - عرضة لمُلاقاة الأذى، والابتلاء، والفتن، فالطريق محفوف بالمكاره، مليء بالعقبات، والمسلم في حاجة لإخوانه، وقلوبهم معه، يعينونه على مكاره الطريق، ويتواصون معه بالحقّ.

ثالثاً: على مستوى المجتمع: المجتمع الذي يكون أعضاؤه على قدر كبير من المحبة والتعاون، ويعرف كلّ منهم حقوقه وواجباته، يكون مستواه متميزاً حتى لو كان هؤلاء الناس قلة لأنّهم سيكونون قدوة، وسيؤثرون في المجتمع، وسيتأثر بهم المجتمع، وسيرتفع مستواه الإيماني والعلائقي والثقافي.. إلخ، ما سيؤثر على إنتاجه في جميع المستويات والجوانب، هذا المجتمع سيقف في وجه أشد الصعاب، فلقد صمد المسلمون وأبلوا بلاً حسناً، بإيمانهم ثم بأخوّتهم الفذة، صمدوا أمام التحدّيات الداخلية والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد. واجهوا في بدر وأُحُد والخندق أكبر التحدّيات، وكانت أكبر عدة لهم - بعد الله ثمّ إيمانهم الراسخ - هي إخوّتهم، ووحدة صفهم، وتماسكهم، فلقد ذاب كلّ واحد منهم في المجموع فتشكّلت قوّة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها، كما أنّ المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوة بمكان ليقف في مواجهة شتّى التحدّيات، أو على أقل الخروج بأقل الخسائر، لأنّ هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أُسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به، فما بالنا لو كان المجتمع كلّه على هذه الدرجة العالية من الأخوّة، والحبّ في الله؟

رابعاً: على مستوى غير المسلمين: حُبنا بعضنا بعضاً وأخوتنا وروابطنا الإسلامية العظيمة تثير غيظ أعداء الإسلام مهما حاولوا إخفاء ذلك، لأنّ هذا الجانب الروحي قلّ -إن لم ينعدم- في مجتمعاتهم المادّية، وإذا رأى أعداؤنا فينا القوة والصلابة العقدية، والأخوّة الملتحمة فسيؤثّر ذلك حتماً فيهم، ويضعفهم معنوياً، إذ كيف يحاربون مجتمعاً متحاباً متعاوناً على قلب رجل واحد؟ ومن جانب آخر فإنّ غير المسلمين إذا وجدوا فينا الصورة المشرّفة للإسلام ومُثله العليا فربما اتجهوا إلينا لأنّ الإسلام دين الفطرة.

ارسال التعليق

Top