• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التفاحة التي سقطت بعيدا

التفاحة التي سقطت بعيدا

 

كان يا ما كان.. كانت هناك تفاحةٌ حمراء. التفاحةُ الحمراء سقطت بعيداً عن أُمّها الشجرة. الشجرة الأُم كل تفاحها أخضر، كله إلا واحدة. حسنٌ، هذه هي الحكاية. كانت التفاحات كلها خضراء، كلها إلا واحدة.. واحدة حمراء بشكلٍ لا يغتفر، لقد كانت مختلفة وكان اختلافها يقلقُ الجميع. كانت التفاحات الخضراء يتهامسن طوال الوقت بشأن أختهنّ الحمراء، لماذا هي هكذا؟ هل هي مريضة؟ أم أنّها متبناة؟ أم أنّ الطبيعة تنتقمُ منها لسببٍ ما؟ كانت التفاحةُ الحمراء تتألم وهي تسمعُ أصداء تلك الهمسات تنتقلُ إليها عبر الأغصان، تألمت طويلاً وسمّت ألمها "غربة" وسمّت غربتها "اختلافاً" وببساطة شديدة صاغت مأساتها: جلدي الأحمر يؤلمني. طوال حياتها على الشجرة، حاولت التفاحة الحمراء أن تأتي بحيل تسعفها على الانسجام مع العالم، ومداراة اختلافها. جرّبت مرة أن تبقى مختبئة خلف الأوراق الخضراء، وأن تتظاهر بأنها لم تولد، أو أن تنادي العصافير حتى تحطّ قريبةً منها لأنّها أقرب إلى ألوانها، وفي إحدى المرات قالت ربما إذا أغمضتُ عيني سيكفّ العالم عن الوجود. أغمضت التفاحةُ عينيها حتى نامت، ورأت في الحلم تفاحاً أحمر، ورداً أحمر، وكثيراً من الفراولة. استيقظت مرتعبة. بعد فشل كل محاولاتها للإنتماء إلى العالم، العالم الذي لا يفهم اختلافها ويسميه "لعنة" أو "مرض" أو "إعاقة" أو "سوء حظ".. قررت التفاحة أن تهرب، أن تترك الغصن والشجرة والوطن إلى الأبد. في إحدى الليالي وبينما الكل نائم تبادلت التفاحة الحمراء همسات مع صديقتها الرّيح، ووضعت خطة هروبها.. سألتها الرّيح: - هل أنتِ متأكدة من أن هذا ما تريدين فعله؟ تنهدت التفاحةُ الحمراء: - أنا متأكدة. إذا هربتُ سوف يصبح المشهد أكثر انسجاماً، ستصير الشجرة أفضل، وربّما صار من الممكن السيطرة على العدوى ومنع تكرّر الأمر. صدقيني – يا صديقتي – لا توجد في هذا العالم كله تفاحة تتمنى لو أنها ولدت حمراء. الرّيح الطيبة ساعدت التفاحة الحمراء على الهرب، هبّت بقوةٍ تلك الليلة حتى انكسر الغصن، وسقطت التفاحة بعيداً عن أُمّها الشجرة، تدحرجت طويلاً.. بمساعدة الريح، تدحرجت بعيداً حتى علقت بين حجرين كبيرين، وصارت عاجزة عن المضي أبعد. شعرت التفاحةُ بالغربة في مكانها الجديد، ولكنها غربة من نوع آخر، غربة يسهل قبولها. قالت: - الآن سوف يشبه داخلي خارجي. وأغمضت عينيها وانتظرت أن تموت. أشرقت الشمس مرّتين والتفاحة عالقة بين الحجرين، في المرّة الثالثة صارت التفاحة تشمّ رائحة انحلال جسدها، وأدركت أنّ الموت قد أدركها أخيراً. ابتسمت في لحظاتها الأخيرة وقالت وهي تغالبُ دمعةً وحيدة: أنا التفاحة الحمراء، ابنة تلك الشجرة، ولكن أحداً لن يصدّق ذلك الآن.

ارسال التعليق

Top