أسرة
1- الإحسان إلى (العمل والعامل)[1] في القرآن الكريم:
أ- أن يكون العمل صالحاً، خيِّراً مُباركاً، نافعاً، يثري الحياة:
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً...) (النحل/ 97).
أنظر: جزاء ما تصنعهُ من المال تجعل الحياة طيِّبة، يحييك الله في الدنيا والآخرة حياةً طيِّبة.
ب- أن يكون العمل مُحكماً ومُتقناً ومُبدعاً، وقد سكبتَ من روحكَ فيه:
قال سبحانه في صناعة داود (ع) للدّروع:
(أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) (سبأ/ 11).
أي اصنعها أو انسجها نسجاً تامّاً ودقيقاً ومُحكماً لا خلل فيه.
ت- أن يكون معيار الإحسان إلى العامل ليسَ مستوى انتاجه فقط، بل نوعية هذا الإنتاج.
قال عزّ وجلّ: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (الملك/ 2).
ث- أن يُتاح المجال واسعاً للتنافس الخيِّر بين العاملين لتتبلور شخصياتهم المُبدعة، وتتجلّى معادنهم الأصيلة في ما يمكن أن يمتاز به صاحب الكفاءة عن غيره:
قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/ 26).
ج- من الإحسان للعاملين أن لا يتساووا في الأجور، فلكلٍّ بحسب جهده وإنتاجه وإبداعه، أو أن تُخصّص مُكافآت مُجزية للمُحسنين في أعمالهم:
قال سبحانه: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) (الأنعام/ 132).
وقال عزّ وجلّ: (لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا) (سبأ/ 37).
ح- ومن الإحسان للعمل وجود رقابة تُتابع الأعمال والإنجازات وتقييم درجات العطاء والإبداع والتفاعل لدى العاملين:
قال تعالى: (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا) (يونس/ 61).
خ- من الضروري إدخال أخلاقية وسلوكية العامِل في تقييم الإنتاج وترفيع أو ترقية الأمين، المُخلص، والمُبدع، الحريص:
قال سبحانه في توظيف طاقة موسى (ع):
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) (القصص/ 26).
2- الإحسان إلى (العمل والعامل) في الأحاديث والروايات:
أوصى رسول الله (ص) ابن مسعود، فقال: "يا ابن مسعود! إذا عملتَ عملاً فاعمل بعلمٍ وعقل، وإيّاك أن تعمل عملاً بغير تدبّرٍ وعلمٍ، فإنّ جلّ جلاله يقول: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل/ 92)".
ويُحدِّد الإمام علي (ع) مفهوم الشرف عند الله تعالى، فيقول: "الشّرفُ عند الله سبحانه بحسن الأعمال، لا بحُسن الأقوال".
وعنه (ع): "مَن يعمل يزدد قوّة، مَن يُقصِّر في العمل يزدد فترة"، أي فتوراً وبروداً.
ومن وصايا الإمام الحسين بن علي (ع): "إعمال عمل رجلٍ يعلم أنّه مأخوذ بالإجرام، مجزيّ بالإحسان".
وفيما ناجى الله تعالى به موسى (ع): "إعمل كأنّك ترى ثواب عملك".
وروى الإمام الصادق (ع) أنّه لمّا مات إبراهيم ابن رسول الله (ص)، رأى النبي (ص) في قبره خللاً فسوّاه بيده، ثمّ قال: "إذا عملَ أحدكُم عملاً فليتقن"!
وكان (ص) يوصي المسلمين بالكدِّ والسعي وكسب العيش، فيقول: "ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً من أن يأكل من عملِ يده، وأنّ نبي الله داود كان يأكل من عملِ يده".
ويؤكِّد (ص) على كالعمل من غير استنكاف لحقارته أو ضعف مردوده، فيقول: "لأن يحتطِب أحدكُم حزمة على ظهره، خيرٌ له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه".
ويستثير (ص) همم الشبان والرجال لطلب المعيشة، فيقول: "إنّ من الذنوب ذنوباً لا يُفكِّرها إلا السعي في طلب المعيشة"!
ويعتبر (ص) الحرفة والإحتراف من عوامل حبّ الله لعبده العامل، فيقول: "إنّ الله تعالى يحبّ المؤمن المُحترف".
وكان يرى الرجل أو الشاب فيعجبه، فيقول: ألهُ حِرفة؟ فإن قالوا: لا، قال: "سقطَ من عيني"!!
وكان (ص) يُردِّد على مسامع المسلمين: "الكادُّ على عياله كالمُجاهد فس سبيل الله".
ويعدّ الإمام علي (ع) العمل وكسب لقمة الحلال جهاداً أيضاً، فيقول: "الإكتساب من الحلال جهاد، وإنفاقكَ إيّاه على عيالِكَ وأقاربِكَ صَدَقة، ولدرهم حلال من تجارةٍ أفضل من عشرة من غيره"!
3- الإحسان إلى (العمل والعامل) في الأدب:
ويُشجِّع الشاعر (معروف الرِّصافي) على الكدح والكدّ والسعي لطلب الرِّزق، فيقول:
ليسَ للمرءِ أن يعيشَ بلا كدٍّ **** وإن كان من عظامِ الرجالِ
ويرى (أبو العتاهية) أنّ الشغل هو الأصلح للإنسان، فيقول:
ما أحسنَ الشُّغلَ في تدبير منفعةٍ **** أهلُ الفراغ ذوو خوضٍ وإرجافِ
ويلاحظ (خليل مطران) أنّ من الإحسان إلى العمل المُثابرة عليه، فيقول:
إعزمْ وكدّ فإن مضيتَ فلا تقفْ **** واصبِر وثابِر فالنجاحُ مُحقّقُ
ليس الموفّقُ مَن تواتيهِ المُنى **** لكنّ مَن رُزقَ الثبات مُوفّقُ
ويُحفِّز (الشاعر القروي) على تحصيل العيش ولو بالكفاف منه، فيقول:
لم يخبْ طالبٌ رغيفاً بسعي **** وإذا عزَّ حنطةً فزوانا
والزوان: الرديء من الطعام، وهو الحب المُختلط بالحنطة.
ويقول (فرانكلين روزفلت): "إعرقْ تنجح".
وفي الأمثال العربية: "مَن جدَّ وجد، ومَن زَرَعَ حَصَد".
ويقول العرب أيضاً: "غبارُ العمل، ولا زعفران البطالة"! وكان الفيلسوف (افلاطون) يقول: "إتقن عملكَ تُحقِّق أمَلَك".
أمّا الفيلسوف (سوفوكليس) فيقول: "العمل النبيل هو في حدِّ ذاته مكافأة".
ومن أقوال (شيشرون): "العمل يزوِّدنا بمناعة ضدّ الألم".
ويقول (ج. هولاند): "يهبُّ اللهُ كلَّ طائرٍ رزقه، ولكن لا يلقيه له في العشِّ".
ومن أروع ما قاله العالِم الشهير (باستور) في الإحسان إلى العمل: "حينما أضيِّع ساعة عمل واحدة، أشعر بأنِّي أرتكب سرقة بحقِّ الإنسانية جمعاء".
وقديماً قالت العرب: "الحركة بركة، والتواني هلكة".
4- برنامج الإحسان إلى (العمل والعامل):
خُلِقَ الإنسان ليعمل، فإذا رأيتَ إنساناً عاطلاً فأحسن إليه بأن تُحرِّك فيه إنسانيّته العاطلة، ولقد اجتمعت كلمة العُقلاء أنّ عملاً يُجهد، ولا فراغاً يُفسد، حتى أثِرَ عن بعضهم أنّه قارن بين العمل والبطالة بالقول: "هناك أربع طرق لإضاعة الوقت: الفراغ، والإهمال، وإساءة العمل، والعمل في غير وقته.
أمّا العمل، فيُبعِد عن الإنسان ثلاثة شرور: السّأم، والرذيلة، والحاجة".
وقد صدق مَن قال: "يُراقب الجوع بيت العامِل، لكنّه لا يجسر على الدخول".
ولذلك فإنّ الإحسان إلى العمل: (ممارسته) (زيادته) (تحسينه) مواصلته).
والإحسان إلى العامل: أن (يُعطى فرصته)، وأن (يُجازى على قدر عمله)، وأن (لا يساوى بما هو أدنى منه)، وأن (يرقّى في مراتب العمل بحسب جدِّه ونشاطه وإبداعه)، وأن لا تُهدَد طاقته في الشؤون الصغيرة وهو قادر على إنجاز العظائم.
ثمّ أنّ الإحسان إلى العامل لا يأتي من أصحاب العمل أو من الخارج فقط، فهو ينطلق من العامل نفسه إلى نفسه، بأن يعرف أنّ الله تعالى خلقَ الأيدي لتعمل، فليشغلها بالطاعة، وإلا انشغلت بالمعصية، وأن يضع نفسه حيث يريد لا حيث ما يُراد له، وأن يكرِّم نفسه بالعمل النبيل، لأنّه كما قال (سوفوكليس): في حدِّ ذاته مُكافأة!
[1]- تعاطينا مع الإحسان للعامل من خلال الإحسان إلى (الأجير)، ويمكن اعتبار هذه المادّة إستكماليّة.
ارسال التعليق