• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بناء الطفل.. نفسياً ووجدانياً

بناء الطفل.. نفسياً ووجدانياً
بناء نفسية الطفل:

هناك حقيقة مهمة، تتمثل في غياب الخطاب النفسي العلمي التربوي السليم، ذلك أنّ غياب الخطاب النفسي العلمي التربوي، الذي لابدّ منه لبناء نفسية الطفل، قد أدّى إلى خلل في تكوين البُعد النفسي الوجداني لدى الطفل، ما جعله ينمو إنساناً بالغاً مُفتقراً لدفع البُعد الوجداني الفعّال، اللازم لتحريك الطاقة، وبذل الجهد، وتوفير الأداء الإيجابي الذي يُعد شرطاً ضرورياً لتملُّك القدرة على التصدّي للتحديات التي تواجه الأُمّة والمجتمع بشكل فعّال.

 

التربية الوجدانية:

إنّ التربية الوجدانية، ترتبط بالجانب العاطفي والشعوري عند الإنسان، الذي يشكل سائر جوانب الشخصية الإنسانية المتكاملة الوجدان. وعلى هذا، فإنّ الأحاسيس والمشاعر الكامنة في أعماق الإنسان، وما ينتج عنها من مشاعر سعادة وألم ومشاعر إيجابية أو سلبية، كلّ ذلك يشكل الوجدان عند الإنسان.

والتربية الوجدانية، هي التي تعمل على تنمية هذه المشاعر والأحاسيس بالصورة الإيجابية، التي تؤدي في النهاية إلى علاقة إيجابية مع البشر والكون والحياة.

وتعتمد التربية الوجدانية، كغيرها من صور التربية على مجموعة من المحاور:

1-    الأسرة: تُعدُّ الأسرة المحضن الأساس الذي يبدأ فيه تشكل الفرد، وتكوّن اتجاهاته وسلوكه بشكل عام، فالأسرة تُعد أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر في شخصية الكائن الإنساني، وذلك لأنها تستقبل الوليد الإنساني أوّلاً، ثمّ تحافظ عليه خلال أهم فترة من فترات حياته، وهي فترة الطفولة، وهي "الفترة الحرجة في بناء تكوين شخصية الإنسان كما يقرّر علماء النفس، وذلك لأنها فترة بناء وتأسيس". وإلى هذا أشار حديث رسول الله (ص): "ما مِن مَوْلود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه". ففي البيئة الأسرية يشكل الأبوان الطفل، ويحددان اتجاهاته الرئيسية، وهي الاتجاهات العقديّة، فالأسرة تلعب دوراً رئيسياً ومهماً في رسم شخصية الفرد وسلوكه، وعقائده الباعثة على جميع السلوكيات المتنوعة. وفي الأسرة يتعلم الأطفال "التحكُّم في رغباتهم، بل وكبت الميول التي لا توافق المجتمع. من هنا، فإن أسس الضبط الاجتماعي تُغرَس بواسطة الوظيفة التربوية في مُحيط الأسرة". لذا، لا غرابة في أنّ نلحظ اهتمام الباحثين في مجال انحراف الأحداث بالأسرة، وجعلها من المحاور الرئيسية التي تدور عليها أبحاثهم، في محاولة اكتشاف أسباب الانحراف والعوامل المؤدية إليه. وممّا لا شك فيه أنّ الأسرة المفككة عامل رئيسي في انحراف الأحداث وسلوكهم طريق الجُنوح، ومحضن مناسب لتخريج أحداث منحرفين.

2-    المدرسة: تأتي المدرسة في المرتبة الثانية، من حيث الأهمية في تنشئة الطفل، خاصة بعد أن عُمّ التعليم وأصبح إجبارياً في سنواته الأولى في أغلب الدول، وتحمّلت المدرسة تعليم الصغار بالتعاون مع الأسرة، من أجل توسيع مدارك الطفل وجعله يحب المعرفة والتعليم، ما أدّى إلى بروز المدرسة كمؤسسة اجتماعية مهمة، لها أثرها الفعّال في مختلف جوانب الطفل النفسية، الاجتماعية، والأخلاقية، والسلوكية، خاصةً أنّ الطفل في السنوات الأولى من عمره، يكون مطبوعاً على التقليد والتطبُّع بالقيم التي تسود مجتمعه الذي يعيشه في المدرسة. لذا، فإنّ المدرسة تُعد عاملاً عظيم الأثر في تكوين شخصية الفرد التكوين العلمي والتربوي السليم، وفي تقرير اتجاهاته في حياته المقبلة وعلاقته بالمجتمع. من هنا، فإنّ المدرسة ليست محضَناً لبَث العلم المادي فحسب، بل هي نسيج مُعقَّد من العلاقات خاصة للطفل الصغير، ففيها تتوسع الدائرة الاجتماعية للطفل بأطفال جدد وجماعات جديدة، فيتعلم الطفل من جوها "المزيد من المعايير الاجتماعية في شكل نُظم، كما يتعلم أدواراً اجتماعية جديدة، فهو يتعلم الحقوق والواجبات، وضبط الانفعالات، والتوفيق بين حاجته وحاجات الغير، ويتعلم التعاون، ويتعلم الانضباط السلوكي". فالطفل يتعلم كل ذلك من خلال ما يتلقاه من علوم معرفية، وما يكتسبه من مخالطة رفاقه في المدرسة، فالمدرسة بالجملة لها أثرها الفعال في سلوك الأطفال وتوجهاتهم في المستقبل.. كما أننا ومن خلال المدرسة نستطيع أن نكتشف عوارض الانحراف مبكراً لدى الأطفال، ما يُهيئ الفرصة المبكرة لعلاجها قبل استفحالها، مثل الاعتداء على الزملاء، أو السرقة من حاجياتهم، أو محاولة الهرب من المدرسة، أو إتلاف أثاث المدرسة، ما يعطي مؤشراً أوّلياً لوجود خلل في سلوكيات الأطفال.

3-    البيئة المحيطة: وهي تعني الحي السكني أو المنطقة الجغرافية التي تقطنها الأسرة إلى جوار العديد من الأسر، وتتشابك فيها العلاقات الاجتماعية بين تلك الأسر وأفرادها تأثراً وتأثيراً. لذا، فإنّ الحي يُسهم في تزويد الفرد ببعض القيم، والمواقف، والاتجاهات، والمعايير السلوكية، التي يتضمّنها الإطار الحضاري العام الذي يُميّز المنطقة الاجتماعية.

4-    الأصدقاء: تتكون عناصر شخصية الطفل وسلوكياته بواسطة العديد من المؤشرات، وإن كانت الأسرة والمدرسة من أبرز تلك المؤثرات، فجماعة رفاق الطفل وأصدقائه لا تقل في الأهمية عمّا ذُكر، بل قد تفوق تأثيرات الأصدقاء تأثير العوامل السابقة، ذلك أن جماعة الرفاق تُتيح للحدث فرصة تحدّي الوالدين، من خلال قوة الجماعة الجديدة التي صار جزءاً منها، التي تسانده في إظهار هذا التحدي، إضافةً إلى شعوره بأ،هم يمدّونه بزاد نفسي لا يقدمه له الكبار أو الأطفال. وبهذا، تُعد طبقة الأقران أحد المصادر المهمة والمفضَّلة عند المراهقين للاقتداء واستقاء الآراء والأفكار. ولقد أشار الإسلام إلى أ÷مية الرِّفقة والصداقة، وأثرها في حياة الفرد في اكتساب القيم والسلوكيات والأفكار. فإذا كان أثر الصديق يمتد إلى الدّين، فلا شك في أن أثره في سلوكه واتجاهاته سيكون واضحاً وبَيّنا، هذا إذا كان واحداً، فكيف إذا كانت جماعة؟ فلا شك في أن أثرها في الطفل أو الحدث سيكون أكبر. ولا غرابة في أن يكون لجماعة الأصدقاء كل ذلك الأثر، "فالانتماء هو أساس العيش في جماعة اللعب، وهو يتمثل في القبول المطلَق والولاء المطلق.. فالطفل يتعلم في جماعة اللعب كيف يعيش في جو جماعي من نوع جديد، وفي إطار قواعد اجتماعية جديدة لا سبيل لمخالفتها"، وإلا نبذته الجماعة.

5-    الثقافة الدينية: ثمّة أثر للثقافة الدينية في التربية الوجدانية للطفل، ذلك أنّ التديُّن ظاهرة فطرية لدى الطفل، ومن خلال هذه الخاصية، وإضافةً إلى خاصية سهولة تقبّله أقل شيء في هذه المرحلة، فإنّ تنمية مجموعة من المفاهيم الدينية المناسبة أمر سهل، وبخاصة أنّ الأطفال يملكون الاستعداد لتقبل تلك العناصر الدينية.

إذا كان التدريب، والتعويد، والتكرار لها دور فعال في تكوين وتنمية مفاهيم الدين لدى الطفل، فإنّه ينبغي على المربّين أن يقوموا (بخاصة المعلمات)، بتكرار السلوكيات المرغوبة أمام الأطفال، ويطلبوا من الأطفال ذلك حتى تثبت، وتصير لديه عادة. بوصول الطفل إلى سن الرابعة، يبدأ في توجيه مجموعة من الأسئلة ذات المضمون الديني. وينبغي استغلال حاجة الطفل لاستطلاع هذه الإجابة في تقديم إجابات شافية، من خلال المفاهيم الدينية الناسبة له، والتي ترد على أسئلته. إذا كان خيال الطفل خصباً وينزع إلى التعددية في تصور المفاهيم الدينية في هذه المرحلة، فمن المطلوب تقديم مجموعة من الحكايات، أو القصص التي تُقابل هذه الخاصية في شخصية الطفل، وتُشبع رغبته في التخيُّل، ولكنها في الوقت نفسه تربطه بالواقع الذي يعيشه، من خلال القيام بأدوار تُجسّد هذه الحكايات بمواقفها المتعددة. لا يُدرك الطفل المعاني المجرّدة للمفاهيم الدينية، وبخاصة في مجال العقيدة الدينية (الغيبيّات) وتعتمد تفاسيره لها على المشاهدات الحسية والواقعية، ومن ثمّ ينبغي استخدام حواس الطفل عند تقديم المفاهيم الدينية المناسبة، والابتعاد عن المعاني المجرَّدة، واستخدام الأسلوب البسيط، السهل، وغير المعقد بالنسبة إلى تفكير الطفل.

يتميّز النمو الديني للطفل بالواقعية والشكلية والنوعية. لهذا، ينبغي تقديم الأمثلة الحسية الواقعية البعيدة عن تشبيه الله، عزّ وجلّ، وبخاصة المتصلة بحياة الطفل ذاته، أو علاقاته مع الآخرين، وأن يقوم المربّون بتقليدها، وبمحاكاتها أمامه، ليسهل عليه مُحاكاتها واستغلال خاصّة النفعيّة، في تعزيز النجاح في تحقيق أهداف المناشط الدينية.

 

تنمية الشعور الديني:

هناك تطبيقات تربوية لتنمية الشعور الديني عند الأطفال. تُفيد معرفة مراحل النمو وخصائص الشعور الديني عند الأطفال، في تقديم بعض الأمور التربوية التي من المهم مُراعاتها وهي:

1-    البدء بتعليم الطفل الدين منذ الطفولة المبكرة، وذلك عن طريق تنمية المفاهيم الدينية العقائدية لديه. وهذا الأمر من السهل إنجازه، لأن التديُّن ظاهرة فطرية لدى الإنسان. ولديه الاستعداد لتقبُّل بعض المفاهيم الدينية في هذه المرحلة.

2-    الإجابة السليمة الواعية عن الأسئلة الدينية للطفل، بما يتناسب مع عمره ومستوى فهمه وإدراكه، ويُشبع حاجته إلى المعرفة والاستطلاع.

3-    تعليم الطفل القيَم والمبادئ الخُلقيّة في الإسلام، بأساليب غير مباشرة، مثل: العدل، المساواة، الحرية، الحق، الإخاء. وتعليمه قيمة التسامُح والانتماء الوطني، ليشمل حُبّه واهتمامه أبناء وطنه كافّة على اختلاف أديانهم، وتعليمه الانتماء الإنساني ليشعر بالأخوة الإنسانية تجاه أبناء آدم.

4-    حكاية القصص الخيالية لطفل ما قبل المدرسة حتى يُشبع رغبته في التخيُّل. مع ربط هذه القصص بالواقع الذي يعيشه من خلال الدراما الخلافة والاجتماعية.

5-    تقديم القُدوة الحسنة للطفل ليقوم بملاحظتها وتقليدها. واستخدام أساليب التكرار والممارسة والترغيب لتنمية المفاهيم الدينية لدى الطفل بشكل مُلائم، حتى لا يحدث لديه تثبيت عند مرحلة معيّنة من مراحل النمو الديني، لأنّ التثبيت يعني تنشئة فرد مُنافق، متمركز حول ذاته ويتّسم بالنَّفعية، ومثل هذا الفرد لا يقوى على التفكير المنطقي الواعي السليم، وتحقيق النضج العاطفي والنمو الإيماني الصحيح.

6-    إشعار الطفل بالأمان والحب والجمال، وربطه بالعقيدة عن طريق حُب الله وشعوره بجمال الخلق في الطبيعة وفي الإنسان. إنّ تنمية انفعالات الطفل في الطفولة تتكامل مع نمو عقله وتفكيره المنطقي بعد ذلك، ويجعل حُب الله قوياً وإيمانه ثابتاً.

ارسال التعليق

Top