• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف تتطور حاسة بصر الطفل؟

كيف تتطور حاسة بصر الطفل؟

◄لا يندر أن يستشير الآباء والأُمّهات أطباء عيون وأطفال، فيشكون إليهم من أن أطفالهم يعانون ضعفاً في النظر. في الواقع، معظم تلك الاستشارات غير مبررة، إنما متأتية من قلق مفرط. على الرغم من ذلك، ينبغي الانتباه إلى مشاكل نظر حقيقية عند بعض الأطفال بدءاً من سن 6 أشهر.

في الأسابيع الأولى من حياة الرضيع، ما من داعٍ للقلق في شأن قوة بصره، فقبل بلوغه سن شهرين اثنين، يعد القلق سابقاً لأوانه. إذ، عقب الولادة، يقدر الطفل، وحسب، على تثبيت بصره على الضوء الذي تتجه عيناه طبيعياً نحوه، فيستجيب بؤبؤه لأي مصدر ضوئي، كما ترمش عيناه كرد فعل. وتبلغ قوة الإبصار التقديرية، عقب الولادة، 240/6 بحسب بعض الدراسات، وهذا رقم عام، يعكس مجرد تخمين، ولا يشكل قاعدة ثابتة.

وثمة مشكلة أخرى، غالباً ما تثير قلق الوالدين: الحَوَل في الواقع، طبيعي جدّاً ملاحظة ما يشبه حَوَلاً متقطعاً عند الوليد في أسابيعه الأولى. إذ لا تتوازى العينان بشكل دائم، إنما يصيبهما نوع من الحَول المتقطع. ومع انتهاء الشهر الأوّل، وربما الثاني، يصبح في مقدور الرضيع التركيز على وجه الأُم، على سبيل المثال، ومتابعته. وتبدأ العينان بالاتزان، فتتوازيان، فتضمحل شدة الحَوَل السابقة، من دون أن تتلاشى تماماً بالضرورة. وفي تلك المرحلة، بحسب دراسات بصرية، تقدر درجة الإبصار عند الطفل بـ180/6. لكنها تبدأ في التحسن، إلى أن تبلغ 90/6.

    

- متى ينبغي القلق؟

في سن 3 إلى 6 أشهر، يكتسب الرضيع قابلية متابعة الأشياء الصغيرة، والتركيز عليها، وهذا تطور مهم. إذ، قبلها، لا يركز سوى على الأشياء الكبيرة، كوجه أُمّه. إلى ذلك تتخذ العينان وضعاً متوازياً، من دون حَوَل. كما تتطور قوة الإبصار إلى 18/6 ثمّ 6/6. إذن، ضعف قوة الإبصار عقب الولادة أمر طبيعي، لا يدعو إلى أي قلق ومثله الحَوّل المتقطع. وفي سن شهرين اثنين، تبدأ حاسة البصر في التحسن تدريجياً، إلى أن تصبح اعتيادية في سن 6 أشهر. في ذلك العمر، ينبغي أن يكون نظر الطفل متكاملاً، وأن يختفي الحَوَل تماماً.

فإن لاحظ الوالدان أن طفلهما لا يستجيب لتلك المقاييس العامّة، عليهما القلق. فذلك انعكاس لقصور بصري ما يستدعي استشارة طبيب أطفال أو عيون. لكن، في حال الشك حتى قبل تلك السن، من الأفضل التأكد ومراجعة الطبيب. فاستشارة في غير محلها تظل أفضل من فوات الأوان.

    

- علامات القصور:

قد يسأل سائل: ما العلامات التي تتيح للوالدين تشخيص خلل في قدرة طفلهما البصرية، يحتم مراجعة طبيب؟ يمكن تلخيص تلك الأعراض والإشارات كالآتي:

1- حين يثبت الطفل نظره نحو جهة واحدة باستمرار، مثلاً مصدر الضوء وحسب. تشكل تلك الحالة سبباً مهماً للمسارعة إلى استشارة طبيب.

2- ملاحظة خلل واضح في إحدى العينين أو كلتيهما. ومن أنواع الخلل المهمة، هناك: وجود عتمة في إحدى العينين، ورجفة أو ترميش غير مألوف، أو أي نوع من اهتزاز غير طبيعي. وهناك أيضاً عوامل أخرى، مثلاً شدة حَوَل عالية جدّاً، بشكل غير مألوف، واتسام الحَوَل بالديمومة والانتظام، بخلاف الحول المتقطع، الطبيعي عند الصغار جدّاً، مثلما ذكرنا، لاسيما خلال الشهرين الأولين.

3- عندما يعمد الطفل إلى دعك عينيه كثيراً (لا نعني حكهما، إنما دعكهما بشكل لافت من دون مبرر واضح).

4- عدم استقرار العينين في موضع واحد.

5- العوامل الوراثية: يشكل وجود حالات ضعف نظر في العائلة عاملاً مساعداً، ينبغي الانتباه إليه. وحين يعاني رضيع ضعف نظر، لا يُستبعد أن تكون حالته مرتبطة بحالة أخ أو أخت أكبر، أو أحد الأقارب، ممن عانوا حالات مشابهة. لكن العوامل الوراثية ليست على الدرجة نفسها من الحدة لدى أفراد العائلة كلهم، ولا تظهر بالضرورة عندهم جميعاً.

6- معاناة الطفل مشاكل صحية عامة، تمّ تشخيصها أو الشك في وجودها منذ الحمل، أو بعيد الولادة ومنها احتمال إصابة عينيه بقصور ما. وكأمثلة لتلك المشاكل العامة، يشير الأخصائيون إلى وجود تشنجات لدى الطفل، ونقص الأكسجين عند الولادة، وتأخر عام في مسار النمو. في تلك الحالات، لا يجوز الانتظار، فضعف النظر قد ينجم عن حالة الطفل العامة.

    

- الكسل البصري:

في أي حال، ضعف نظر الصغار مختلف عن البالغين من حيث أسباب قصور النظر، ووسائل علاجه، وتداعياته. لكن، يتجلى الفارق الأهم في داء "الكمَش" (بفتح الكاف والميم)، المسمى أيضاً "الغطش" و"الغمش" وينصب على إظلام البصر من دون وجود علة عضوية ظاهرة. وهو قصور لا يصيب إلا الرّضع والصغار حتى سن 7 سنوات، وأحياناً 9 سنوات. ومرده عجز فيزيائي، غير عضوي، يفضي إلى تردي قابلية العصب البصري على إرسال المعلومات البصرية إلى الدماغ. وغالباً ما يكون الحَوَل أحد أسباب "الكمش". لذا، يرتبط علاجهما ارتباطاً وثيقاً، ولفهم آلية "الكمش"، من المجدي التذكير بفكرة أساسية تطور البصر عملية تتسم بالديمومة.

فالتطور يبدأ قبل الولادة، ويستمر بعدها في عصب العين ومركز البصر في الدماغ (الذي يحلل المعطيات البصرية)، وذلك حتى سن 7 سنوات، عموماً، أو ربّما 9 سنوات كحد أقصى. وبالتالي، قد يؤدي أي ضعف نظر خلال تلك المرحلة إلى إبطاء تطور قابلية تحليل المعلومات في مركز البصر في الدماغ. فإن دام ذلك الخلل لفترة، حتى بضعة أسابيع وحسب، لا يندر أن ينجم عنه "كسل" أو "خمول" بصري، من أعراضه أن ضعف النظر يدوم حتى بعد إزالة مسبباته. إذ يكون مركز البصر في الدماغ قد "اعتاد" مستوى نظر متدنٍّ، لا يتمكن من تجاوزه. أما علاج تلك الحالة، فيقوم على تنشيط العين "الكسولة" من خلال تغطية العين السليمة لفترة معينة بعد إزالة أسباب ضعف النظر. ومن المفارقات: العين السليمة، في حال إصابة الرضيع بالـ"كمش"، هي التي تغطى بضماد أو كماد، لغاية تنشيط العين الأخرى، التي اعتادت "الخمول"، و"إرغامها"، نوعاً ما، على استعادة نشاطها.

    

 - أسباب القصور:

أمّا أسباب ضعف نظر الأطفال، فلا تختلف عن أسباب ضعف نظر الكبار، مع تفاوت في النسبة. فمثلاً، يشكل ما يسمى "داء الماء الأبيض" أحد أهم أسباب ضعف النظر عند المسنين. وفي الوقت نفسه، قد يشكل سبباً لضعف النظر عند الأطفال، إنّما في حالات نادرة، بنسب متدنية للغاية. في أي حال، يمكن تعداد أسباب ضعف النظر عند الصغار كالآتي:

- الحَوَل. فهو قصور غالباً ما يؤدي إلى إحداث "كسل"، أو "خمول"، في العين المنحرفة، مثلما هو مشروح أعلاه.

- القصور "الانكساري" أو"الانعكاسي". وهذا يشمل قصر النظر وطول النظر، ومد البصر، والـ"استغماتزم". ولتلك الحالات، يظل حمل نظارات طبية الحل الوحيد.

- إصابة الطفل بأمراض عامة، غير ذات علاقة بالبصر، إنّما من شأنها إضعاف إحدى العينين، وربما كلتيهما في حالات نادرة. ومنها نقص الأكسجين عند الولادة، مثلما ذكرنا، وداء "ذات السحايا"، وأمراض الجهاز العصبي عموماً.

- الجانب الوراثي. ما من شك في أن إصابة باقي أفراد العائلة، أو بعضهم، بأمراض عيون يشكل عاملاً مؤهباً. لكن، مثلما ذكرنا، لا تظهر تلك الأمراض عند جميع الأجيال بالحدة نفسها. ولا تظهر بالضرورة لدى جميع أفراد الأسرة. وبعضها موجود منذ الولادة، بينما لا يظهر بعض آخر سوى في مراحل الطفولة، وربّما حتى بعد البلوغ. لذا، حري بالطبيب، بمساعدة والدي الطفل، تقصي كل حالة على حدة لتقدير احتمالات ظهور قصور بصري عند الطفل.

- وجود عيوب داخل العين، أو إصابتها بأمراض، مثلاً عتمة في القرنية أو في عدسة العين، أو خلل في الشبكية. وحالات القصور تلك، كلها، قد تنجم عن عيوب خلقية، منذ الولادة، أو التهابات في العين، أو إصابات مختلفة.►

 

* محمد عبود السعدي

ارسال التعليق

Top