كانت السيدة زينب (عليها السلام) تمثّل الإنسانة التي يذكر كتّاب سيرتها أنّها من أفاضل النساء، وكانت قويةً في حجتها، صلبةً في مواقفها، شجاعةً في مواجهة التحدي. إنّ السيدة زينب (عليها السلام) كانت قوية الشخصية، فلا ترتجف أمام سلطان يزيد ولا أمام قوته وجيشه. كانت كأبيها عليّ (عليه السلام) الذي قال: «لو تضافرت العرب على قتالي، لما ولّيت عنها هارباً». كانت ابنة عليّ وأخت الحسين والعباس، وكانت الإنسانة التي تملك قوّة الشخصية وعزّة النفس، ولذلك لم تقف ذليلةً، بل كانت تعيش موقف الإنسانة العزيزة في شخصيتها. شكَّلت (عليها السلام) الامتداد الطبيعي والرسالي لأُمِّها الزهراء (عليها السلام)، في صبرها وجهادها وتقواها، بما جعلها مدرسةً للأجيال في سيرتها، التي لم تكن إلّا تضحيةً وفداءً للإسلام المحمّديّ الأصيل، ولتأكيد الحقّ وشرعيته، والوقوف بكلِّ ما أمكنها من قوّة في الخندق المواجه للباطل والظلم.
كانت (عليها السلام) في كلّ مسيرتها تملك الشخصية القيادية، كانت القائدة التي استطاعت أن تكمل حركة الثورة الحسينية، ولو لم تكن السيدة زينب لماتت هذه الثورة، ولكن الحسين (عليه السلام) ضحّى، والسيدة زينب (عليها السلام ) أكملت التضحية، وعرّفت العالم ما معنى ثورة الحسين (عليه السلام).
إنّ صورتها (عليها السلام ) هي صورة الإنسانة القوية الصامدة الصابرة المتحدية ونحن حينما نتذكّرها، فإنّ علينا أن نجعلها القدوة التي نقتدي بها في مواقف القوّة أمام الطُّغاة والظالمين، وأن لا نضعف أو نهون أو نسقط. وهذا ما يجعلنا نفهم أنّ المرأة المسلمة عندما تعيش روحيتها وقوتها الإسلامية، فإنّها تستطيع أن تنتصر على الرجال في أقوى المواقف، كما يمكنها أن تسدّ نقاط الضعف في المسيرة.
والسيدة زينب (عليها السلام) وليدة بيت النبوّة، وسليلة العصمة والإمامة، ولا ريب في أنّها أدركت منذ بداية المسير، طبيعة المواجهة التي فرضت على الإمام الحسين (عليه السلام) من قبل الظالمين والطُّغاة، وما ستستدعيه هذه المواجهة من مخاطر كبيرة جدّاً، من بينها سقوط شهداء، وعلى رأسهم الإمام الحسين (عليه السلام). ولكنّها سارت مع هذا الخيار وهي ممتلئة إيماناً وعزماً وإرادةً صلبة، ومدركة بأنّه طريق لابدّ من سلوكه.
على المرأة المسلمة أن تنفتح على هذه الشخصية وتلتزمها في حياتها الخاصّة والعامّة، على أساس التزام الحقّ ونصرته، وامتلاك الوعي والإرادة الصلبة. لذلك لابدّ من أن نستفيد في تربيتنا للمرأة المسلمة من موقف السيدة زينب (عليها السلام)؛ هذه الإنسانة المثقَّفة، والعالمة، والقوية، والشجاعة، والمتحدّية، التي عاشت العاطفة، ولكنّ العاطفة لم تغلبها، حتى في كربلاء، عن القيام بمسؤولياتها، لأنّ الحوراء زينب (عليها السلام) عاشت كلّ ما عاشه الإمام الحسين (عليه السلام)؛ عاشت روحانية أُمِّها، وعاشت عظمة أبيها وأخيها، ورافقت الإمام الحسين (عليه السلام).
في ذكراها، نعيش كلَّ أجواء العنفوان، والصلابة، والعظمة الروحانية، والعلم، والحركة، والانفتاح على الواقع وعلى الله، بكلِّ شموخٍ وبطولةٍ وشجاعةٍ ومسؤوليةٍ ووعي. تلك الشخصية الفذّة، الشخصية المتكاملة التي أكّدت أنّ المرأة وإن لم يقدَّر لها أن تملك القوّة الجسدية كما هو الرجل، وإن لم تتحرّك بسلاحٍ في المعركة، إلّا إنّها قادرة على أن تشارك الرجل بصلابتها وثباتها ومواقفها في صناعة أيّ نصر، أو تصنعه وحدها حين تقتضي التحدّيات.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق