• ١٢ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٠ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مفهوم التعاون وقضاء الحاجات

مفهوم التعاون وقضاء الحاجات

◄يتجدد مفهوم التعاون في الإسلام وفق التوصية القرآنية القائلة: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2)، هذه التوصية تلخّص "التعاون" في معيار هو: كونه أفعال البرّ (كالمساعدة مثلاً) وكونه يقوم على التقوى، حيث يمكن أن يتمّ تعاون على البر دون أن تصحبه التقوى التي تعني: الحرص على أداء الفعل وفق المبادئ التي حددتها الشريعة (كالمساعدة بلا منّ) مثلاً، ... بالمقابل، لا يمكن إقرار التعاون في حالات الإثم والعدوان، فتعاون جماعة على صوغ أغنية مثلاً أو تعاونهم على إلحاق الأذى بالآخرين، لا يندرج ضمن التعاون الذي يقوم على مبدأين هما: الحب وممارسة الدور الاجتماعي.

ويقترن مفهوم التعاون بجملة من الممارسات التي تشدّد التوصيات الإسلامية عليها، وفي مقدمتها:

التعاون وقضاء الحاجات: يحتل هذا المفهوم في التصور الإسلامي أهمية ضخمة لا تكاد تضارعها حتى الأهمية التي تحملها الشعائر العبادية من صلاة وصوم وحج، إلخ، حيث تشير التوصيات الإسلامية إلى أنّ قضاء الحوائج تعادل إضعاف العمل الشعائري، مثلما تشير إلى أنّه لا ظاهرة أهم بعد الإيمان إلّا قضاء حاجات الآخرين، وإلى أنّ خير الناس مَن نَفَعهم، بل تشير النصوص إلى أنّه ينبغي ألا يملّ الإنسان من هذه الممارسة لأنّها من النعم التي أغدقتها السماء عليه، وتهدّد مقابل ذلك بأشد الوعيد حيال المتلكئين في قضاء حوائج الآخرين... أكثر من ذلك تندب هذه التوصيات إلى ضرورة أن تكون الشخصية هي اليد العليا لا أن تتوقع تبادل المساعدة أو تكافؤ الجميع في ممارستها، وتطالب بعنصر المبادئ من دون توقع الطلب للمساعدة، وهذا ما يرتبط بمبدأ آخر هو:

الإيثار: وهذا المبدأ الاجتماعي مكمّل لمبدأ قضاء الحاجات، حيث يتصاعد بها إلى ذروة درجاته...، وهو يعني: أنّ الشخصية أو الجماعة لا تكتفي بقضاء حاجات الآخرين، بل (تؤثرهم) على حاجاتها الشخصية، انطلاقاً من المبدأ القائل (ويؤثرون على أنفسهم...).

وفي تصورنا أنّ أي اتجاه أرضي لا يملك توصيات مشدّدة في هذا الجانب بالنحو الذي نلحظه لدى المشرّع الإسلامي... وإذا كانت المجتمعات الأرضية تشير إلى أزمة المجتمعات الحديثة وكون الفردية هي الطابع المميز لها، فمن الطبيعي ألا تملك هذه الاتجاهات وعياً أخلاقيّاً بقيمة قضاء الحاجات بقدر ما يحوم وعيها حول مسائل آلية من التعاون في نطاق المؤسسات، أما تعميمها على الشرائح الاجتماعية وتحديد مسؤولية الفرد حيالها فأمر لا يشير إليه الاجتماعيون إلّا في نطاق دراساتهم للمجتمعات أو الجماعات المغلقة، وحتى في نطاق دراساتهم للمجتمعات الصناعية المعاصرة ورصدهم لمشكلاته فإنّ المسائل المرتبطة ببروز (الفردية) مثلاً، لا تُعالج في ضوء المفهوم الذي يطرحه الإسلام حيال قضاء الحاجات، بصفتها عملية تسهم – دون أدنى شك – في تفريج الأزمات التي يكابدها الأفراد نتيجة الترشيد الحكومي أو الترشيد الاجتماعي العام. ونحن لا نحتاج إلى أدنى تأمّل حتى ندرك أنّ ظاهرة (كالاغتراب) مثلاً إذا كان القهر الخارجي في شتى مستوياته السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية بعامة تقف سبباً وراء ذلك، فإنّ التعاون بين الأفراد في نطاق قضاء الحاجات سوف يسهم في مسح التوترات التي تحسّس هذا الفرد أو ذاك باغترابه. طبيعيّاً، إنّ الأبنية الاجتماعية المنحرفة هي السبب الكامن وراء ذلك، إلّا أنّ قهرها الذي يحجز الأفراد عن إمكانية تجاوزه من الممكن أن يعوّض عنه مبدأ (قضاء الحاجات)، بحيث يصبح تعميمه أداة فعّالة في إزاحة كثير من المشكلات: انطلاقاً من الحقيقة الإسلامية التي نكررها، وهي: إنّ إمكانية التوازن العام لا تمنع من تحقّق التوازن الجزئي في نطاق الجماعات الأولية أو الأفراد.►

 

المصدر: كتاب الإسلام وعلم الاجتماع

ارسال التعليق

Top