• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

يوسف (ع).. والمحن الثلاث

د. سمير يونس *

يوسف (ع).. والمحن الثلاث

جلس ابني بجواري وقد أصابتني شدّة، فابتسم في وجهي ابتسامة امتزج فيها التقدير بالحنان، ثمّ قال لي: أبي، أريد أن أتحدث معك.

قلت له: تفضل يا بني.

فقال: تعْلَمُ يا أبي أنّ سيدنا يعقوب كان يُحب ابنه سيدنا يوسف – عليهما السلام – أليس كذلك؟

قلت: بلى يا بني، كان يحبه.

فقال لي ابني: هذا شيء محبب لدى كل ابن إذا وجده من أبيه.. أليس كذلك؟

قلت: بلا يا بُني.

فقال ابني: برغم أنّه شيء محبب فقد أدى بسيدنا يوسف (ع) إلى غيرة إخوته والكيد له، وأدى ذلك به في النهاية إلى أن ألقاه إخوته في البئر.

ثمّ قال ابني: إنّ إلقاء سيدنا يوسف في البئر المظلم شيء تكرهه النفس.. أليس كذلك؟

قلت: بلى يا بني.

قال: لكنه كان سبباً إلى أن يصل إلى مصر، ويعيش في بيت الوزير.

ثمّ سألني ابني: أليس وجود سيدنا يوسف في بيت العزيز شيئاً تميل إليه النفس؟

قلت: بلى يا بني.

فقال ابني: ولكنه كان سبباً لاتهامه ودخوله السجن.

استطرد ابني قائلاً: والسجن شيء تنفر منه النفس وتكرهه.. أليس كذلك يا أبي؟

قلت: بلى يا بني.

قال: وبرغم ذلك كان ذلك المكروه سبباً في ظهور تميّزه بتأويل الأحلام، ومن ثمّ أدى إلى أن يكون وزيراً للاقتصاد بمصر آنذاك، في وقت كان الناس يقصدون مصر لجلب الميرة والطعام والخير!!

بهذه الكلمات وتلك الخواطر أراد ابني أن يخفف عنِّي، وأن يذكّرني بقول الله تبارك وتعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 216).

لقد أثّرت فيَّ كلمات ابني، ودفعتني دفعاً إلى أن أتدبر مِحَنَ يوسف (ع) التي كان ظاهرها في أعين الناس محناً شديدة، لكنها في حقيقتها وجوهرها  كانت منحاً ربانية عظيمة.

لقد كانت كلمات ابني – بالنسبة إليَّ – من أطيب ثمرات محنتي، فلقد سرَّني كثيراً، بانتقائه لمحنة يوسف (ع)، إذ تضمنت ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وفي السطور القليلة التالية سوف أقف بالقارئ عند ثلاث محن ألَّمت بيوسف (ع)، وهي وقفات للاعتبار، عملاً بقول الله تعالى في خواتيم سورة يوسف (ع): (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف/ 111).

 

1-   محنة الجُبّ ومنحته:

لقد قرر الإخوة أن ينفذوا مؤامراتهم النكراء بأخيهم، وألقوه في غيابة الجب، فيغيب عنهم: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) (يوسف/ 10).

لكن الله عزّ وجلّ من رحمته يُلقي في روع يوسف (ع) أنها محنة وستنتهي بمنحة، وأنّه سيعيش، وسيذكّر إخوته بموقفهم هذا منه وهم لا يشعرون أنّه هو أخوهم يوسف، وفي ذلك يقول ربّ العزة سبحانه: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (يوسف/ 15).

ثمّ يأتي الفرج بعد الشدة في المشهد الأخير من حلقة الجب: (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (يوسف/ 19-20).

وكيد الإخوة الكبار الأشداء لإخوتهم الصغار الضعفاء يحدث في كلِّ زمان ومكان، فما كيد إخوة يوسف له إلا نموذج يسوقه القرآن الكريم لتتعلم منه البشرية قاطبة، وأعرف إخوة كثيرين ظلموا إخوتهم الضعفاء وحرموهم حقهم في الميراث الشرعي، بسلطانهم وقوتهم، وما هي إلا سنوات قليلات إلا وأبدل الله الأقوياء ضعفاً، ومنح الضعفاء قوة، وكم كاد الأخ لأخيه، فأوقع الله الكايد في كيده، ونجى الله المظلوم"!! وصدق ربنا إذ يقول: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) (فاطر/ 43).

 

2-   محنة المراودة ومنحتها:

تلك محنة أشد من المحنة الأولى، إنّها الفتنة العاصفة الخطيرة، عندما تراود المرأة الناضجة الجميلة زوجة الرجل الكبير، ذات الحسب والنسب، وقد افتتنت بذلك الشاب العبراني المُشْتَرى، ولندع القرآن الكريم يصوّر لنا هذا المشهد: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يوسف/ 23-25).

يقول صاحب الظلال - رحمه الله –: "إنّ التجربة التي مرّ بها يوسف – أو المحنة – لم تكن فقط في مواجهة المراودة في هذا المشهد الذي يصوره السياق، إنما كانت في حياة يوسف فترة مراهقته كلها في جو هذا القصر، مع هذه المرأة بين سن الثلاثين وسن الأربعين، مع جو القصور، وجو البيئة التي يصورها قول الزوج أمام الحالة التي وجد فيها امرأته مع يوسف: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) (يوسف/ 29).

ذلك الجو الذي اكتفى فيه زوجها بهذه الكلمات، وأنهى الحدث وكأن شيئاً لم يكن.. فلما تحدث النسوة عن أمر امرأة العزيز كان جوابها عليهنّ مأدبة يخرج عليهنّ يوسف فيها بحُسنه ووسامته، فتفتتن النساء به، ويصرحن بذلك، وتصرح امرأة العزيز: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف/ 32).

 

وتأتي المنحة الإلهية:

في هذه البيئة المترفة بمغرياتها ووسائلها وميوعتها، تدعو امرأة العزيز الفاتنة، وهما يعيشان تحت سقف بيت واحد، شاب يعيش بفتوته وقوته تتكامل، وامرأة تعيش أنوثتها وهي ناضجة، فإذا بحماية الله تتولاه، وبرعاية الله تعصمه: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف/ 23).

لقد أيده ربه سبحانه بأن قوّاه وثبَّته وأنطقه بالحقِّ ليدافع عن نفسه فيقول: (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) (يوسف/ 26).. كما أيَّده ربه بشاهد من أهلها حسم النزاع، وأظهر الحقّ في خضم تهمتها الباطلة له، ورده ودفاعه عن نفسه، قال تعالى: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف/ 26-28).

ولقد أكد القرآن الكريم طهارة يوسف (ع) ونقاءه وعصمته بقول الله تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف/ 24).

 

واقعنا المعيش وفتنة النساء:

إنّ فتنة النساء لهي من أشد الفتن على البشرية في عصرنا، لذا تفنن أعداء الإسلام في محاربة القيم، فبذلوا قصارى جهدهم لعقد المؤتمرات وتسخير وسائل الإعلام وكلّ ما أوتوا من سلطان وقوة في إبراز مفاتن المرأة، وتحريك شهوات الشباب والرجال تجاهها.. بل تفننت النساء ذوات الهوى وضعيفات الدين في إيقاع الرجال والشباب في فتنتهن، وربما كدن للرجال والشباب وهددنهم، بل اتهمن الرجال الأبرياء بهتاناً وزوراً.

 

3-  محنة السجن بعد تأكد البراءة:

ما أكثر المظلومين بالسجون، فالدنيا دار ظلم، أما الآخرة فهي دار العدل المطلق، ذلك أنّ كثيراً من قضاة الدنيا يظلمون، كما أنّ كثيراً منهم تغيب عنهم الحقائق بسبب شهود الزور، أو تضليل المحققين، أو اتباعهم لأهوائهم، أو تزوير الطرف الظالم لإلحاق الضرر بالطرف المظلوم.. أما في الآخرة فليس هناك إلا الله يحكم بين عباده، وهو الحَكَم المتصف بالعدل المطلق، وهو الذي يعلم السر وأخفى، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ومن ثمّ فهو لا يظلم ولا يخطئ، ولكن لحكمة يعلمها هو سبحانه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ويشاء سبحانه ويصقل بناءهم كرجال، ويجزل لهم الأجر والثواب، ويزيد خصومهم من الذنوب والآثام.

لقد كانت محنة السجن هي آخر المحن في حياة يوسف، فكلّ ما بعدها رخاء بعد شدة، ويسر بعد عُسْر.. ولقد كانت محنة شديدة، إذ أدخل يوسف (ع) بعد ظهور براءته، فالسجن للبريء المظلوم أشد وأقسى، يشعر معه المظلوم بمرارة الظلم في حلقه، وإن كان في البراءة طمأنينة للقلب وسلوى.

ولكن سبحان الله، تتجلى نعمة الله على عبده يوسف (ع) في أثناء هذه المحنة، بما وهبه ربه من علم لدني، وبقدراته الإبداعية التي تمكنه من استنتاج الأحداث والنتائج بعد إطلاعه على المقدمات، وإجادته لعلم التخطيط، ثمّ تتجلى آلاء الله عليه أخيراً بإعلان براءته الكاملة إعلاناً رسمياً وبحضور الملك، وظهور مواهبه التي تمكنه من أن يفرض نفسه وزيراً للاقتصاد، ويختاره الملك لتلك المهمة بعد أن يثق به وبقدراته وتميزه وإمكاناته.

ويسجل القرآن الكريم هذه المحنة وتلك المنح التي تخللتها: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (يوسف/ 35).

ذلك أنّ امرأة العزيز هددته: إما أن يستجيب لنزوتها، وإما أن يُسجن، فقال: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يوسف/ 33-34).

ودخل مع يوسف (ع) فتيان من خدم الملك، يبدو أنّهما كانا قد أغضبا الملك، فألقى بهما في السجن، فرأى كلّ منهما رؤيا في منامه، وكانا قد استأنسا بيوسف، فقصَّ كلّ منهما رؤياه عليه، ويستثمر يوسف الفرصة قبل أن يقضي حاجتيهما، فلم ينسَ دعوته، وظل يبث في نفسيهما العقيدة الصحيحة، ويُعلِّمُ يوسف بذلك جميع الدعوة ألا ينسوا دعوة الله حتى في أحلك الظروف وأشدها، وظل يوضح الشيء بنقيضه، يجلي عقيدة الإيمان والتوحيد بعد أن يبين معالم الكفر والشرك.

ثمّ يُفْرَج عن أحد الفتيين، ويخرج من السجن، ويرى الملك رؤيا، ويطلب من حاشيته تأويلها، وهنا تذكّر الفتى يوسف وهو الذي أوّل رؤياه بالسجن – فيفسر يوسف للفتى رؤيا الملك، ثمّ يأمر الملك بأن يأتوا بيوسف، ويرسل إليه الرسول، ولو أرسل الرسول لأحد غير يوسف لفرح بالأمر، وتعجل الخروج من السجن بعد طول مكثه فيه.

يقول صاحب الظلال في ذلك: "لقد رباه ربُّه وأدّبه، ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة، فلم يعد معجلاً ولا عجولاً".

لقد أثبت القرآن الكريم ردّ يوسف عليه السلام، حيث قال لرسول الملك: (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيم) (يوسف/ 50).

ويجمع الملك النسوة ويسألهن: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف/ 51-53).

تلك شهادة كاملة ببراءة يوسف (ع) ونقائه وطهره وصدقه.. وبذلك تنتهي محنة التهمة إلى منحة البراءة، ومحنة السجن إلى منحة الإفراج، بل طلبه الملك ليتخذه لنفسه وزيراً وصديقاً ومستشاراً، ثمّ طمأنه ومكّنه وأمّنه: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) (يوسف/ 54).

وتسير حياة يوسف بعد ذلك رخاء وعزاً وأنساً، ويتحقق وعد الله له، فيأتيه إخوته ويخبرهم يوسف بما ألقى الله به في روعه سابقاً، وجمع الله بينه وبين أبيه بعد أن ردّ الله على أبيه بصره، وتتحقق الرؤيا التي رآها يوسف (ع)، وابتدأت بها السورة الكريمة، ويتحدث يوسف ذاته بنعم ربه تعالى عليه: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ *

 رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف/ 100-101).

 

* أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية المساعد

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1855 لسنة 2009م

ارسال التعليق

Top