• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نجاحُكِ في التعامل مع الوقت

مجيد الصائغ

نجاحُكِ في التعامل مع الوقت

1-  نعمة الوقت:

إنّ الوقت والعمر نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان، وهو كنز عظيم لا يُقدَّر بثمن والجوهرة الثمينة التي يُبحث عنها.

والوقت مقرون بعمر الإنسان فهو يلازمه إلى آخر لحظة من الحياة.

يقول الإمام علي (ع):

"إنما أنت عدد أيام فكلّ يوم يمضي عليك يمضي ببعضك"[1].

وعن النبيّ (ص) قال:

"اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك"[2].

فالإنسان في هذه الحياة شاء أم أبى محاسَب على كلِّ دقيقة وثانية من عمره سيُسأل في يوم الحساب عن كلِّ لحظة، في أيِّ مجال قضاها؟ أقضاها في الخير أم في الشرِّ أم في الفراغ؟

ولو أعطينا الوقت حقه، وقدَّرناه حقّ التقدير، لبلغنا أعلى المراتب من الرقي، ولم نصل إلى ما وصلنا إليه الآن، لأنّ الحياة قصيرة جدّاً، والفرص تمرُّ فيها مرَّ السحاب فلابدّ للإنسان أن يجعل أوقاته مثمرة في خيره وخير البشرية بقدر الاستطاعة والإمكان، فقد يقضي الإنسان كثيراً من أوقاته دون أي فائدة وقد يكون قضاؤه هذه الأوقات في المعاصي التي ستكون عاقبتها وبالاً عليه يوم الحساب حتماً.

فالصلوات الخمس وتوزيعها الدقيق على أوقات محددة ما هو إلا المثل الرائع على الاهتمام بتنظيم وقت المسلم وعمارته على مدار اليوم حتى صارت الصلاة على وقتها أحبُّ الأعمال إلى الله.

فقد سُئل النبيّ (ص): "أيُّ عملٍ أحبُّ إلى الله؟ قال (ص): الصلاة في وقتها"[3].

فإنّ لكلِّ صلاة وقت محدد مخصوص فإذا فات هذا الوقت ولم يصلِّ فيه المسلم فقد ارتكب إثماً كبيراً وصار ممن قال عنهم الله سبحانه وتعالى:

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون/ 4-5).

فإذا فات وقتها فلا تُصلَّى إلا قضاءً. فالوقت لا ينتظر أحداً. قال سبحانه وتعالى:

(إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103).

وكذلك الصيام، فإنّ الإمساك يكون في وقت محدّد لا يُتأخّر عنه دقيقة واحدة والإفطار في وقت محدد لا يتقدّم دقيقة واحدة وإلا يكون المسلم في الحالتين قد أفطر ووجب عليه القضاء وكذلك الحج ومناسكه والزكاة وغير ذلك من العبادات.

فالإسلام دين سماوي يعرف قيمة الوقت ويقدِّر خطورة الزمن، وقد رتَّب الحياة الإسلامية وقاسها بالدقائق في نظام مُحكم دقيق من الصباح إلى المساء.

قال رسول الله (ص): "إنّ الله (عزّ وجلّ) يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"[4].

وفي هذا دلالة على نعمة الوقت وقيمته حيث جعله الله (عزّ وجلّ) فرصة لعباده لكي يتوبوا إليه ويعبدوه وميداناً يتنافس فيه العباد على العمل الصالح ويكون التقدم فيه بحسب كثرة الأعمال الصالحة ولمن جاء بالأفضل.

وهذا هو التنافس الحقيقي في الأوقات لقوله سبحانه وتعالى:

(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/ 26).

وهذا أيضاً هو الانتفاع الأعظم بالأوقات الذي تكون نتيجته الخلود في جنات النعيم.

 

2-   عمر الإنسان ووقته:

الوقت هو أجل الإنسان، والعمر الذي سوف يقضيه في هذه الحياة وهو وقت قد تم تحديده بدقة تامة بتقدير الخالق تبارك وتعالى بحيث لا يتقدم ساعة ولا يتأخر عن المدة المحددة. قال الله سبحانه وتعالى:

(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف/ 34).

وبعد انقضاء الوقت المحدد لوجود الإنسان في الدنيا يأتيه الموت وتُقبض روحه كما نُفخت فيه أوّل مرّة في رحم أُمّه. قال سبحانه وتعالى:

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام/ 60-62).

فينبغي على المرأة العاقلة والذكية أن ترتب حياتها وتعرف ماذا يجب عليها وما يجب أن تقوم به بما ينفعها ويما يضرُّها عند انقضاء أجلها.

 

3-  الحساب على الوقت:

لما كان الوقت محسوباً ودقيقاً، ولفترة معينة من عمر الإنسان، فلابدّ أن يُحسب على ورقة، ويُحدَّد فيها الاستغلال، والشاعر يقول:

دقاتُ قلبِ المرءِ قائلة له *** إنّ الحياة دقائق وثواني

ويقول الإمام عليّ (ع):

"لو اعتبرت فيما أضعت من ماضي عمرك لحفظت ما بقي"[5].

إذاً لابدّ من حساب الوقت وعدم جعل الأعمال تتراكم على الإنسان، ومن الصحيح أن يُجعل لكلِّ عمل زمن محدَّد، ليكون الحساب بدقة متناهية.

قال سبحانه وتعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (الملك/ 2).

فالحياة اختبارُ مَن مِنَ الناس سيكون عمله خيراً؟ وهذا يعني أنّ مَن قضى عمره ولم يستغلَّه في حُسن العمل فقد ضيَّع عمره ووقته سدىً، ثمّ يُسأل عن العمر ويُحاسب على تضييعه وما عمله فيه من أعمال سيئة.

والمرأة التي تريد أن تنجح في حساب وقتها وعمرها لابدّ أن تجعل أعمالها وخطواتها مدروسة تماماً إذ إنّ المفرطة في وقتها وعمرها تندم عند الاحتضار وتسأل ربَّها تمديد عمرها ولو مدّة يسيرة لتعمل فيها ما تَبيَّن لها أنّه أفضل الأعمال بعد فوات الألوان. قال سبحانه وتعالى:

(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون/ 10).

فهي تريد أن تتصدق وتعمل الأعمال الصالحة التي تؤهلها أن تكون في عداد الصالحات كما قال سبحانه وتعالى:

(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) (المؤمنون/ 99-100).

قال رجل للنبيّ (ص): "يا رسول الله أي الناس خيرٌ؟ قال: من طال عمره وحسن عمله. قال: فأيُّ الناس شرٌّ؟ قال من طال عمره وساء عمله"[6].

فالعمر أو الوقت يحسن أو يسوء بحسب العمل وكذلك المرأة تكون خيراً أو شراً بحسب عملها والناجحة في استغلال الوقت بالصالحات لا تنتفع بعمرها فقط؛ بل تعمل أيضاً بالأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً في زيادة العمر، كصلة الرحم فإنّ رسول الله (ص) قال:

"من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه فَلْيَصِل رحمه".

فقد أمر الإسلام بصلة الرحم، ومما رتَّب على وصلها زيادة العمر، وهي منفعة عظيمة جدّاً تتمناها المحتضرة، وتدفع أمواجها جميعاً فيما لو زِيْد في عمرها يوم واحد وهكذا الأعمال الصالحة جميعاً فإنّها ما تستغل بها المرأة وقتها لما فيه خير لها في الدنيا والآخرة.

 

4-  استغلال الوقت:

إنّ استغلال الوقت هو عدم تضييع أي دقيقة دون الانشغال في عمل مفيد سواء أكانت فائدته دنيوية أم أخروية وإلا ضاع جزء من العمر سدىً فرأس مال المرأة الناجحة عمرها، وإذا كان قد تحدد عمر امرأة ما بستين سنة أو أكثر من ذلك فما هذه السنوات إلا من أيام وما الأيّام إلا من ساعات. ومن خصائص الوقت سرعة انقضائه فهو يمرُّ مرَّ السَّحاب ويجري جريَ الرياح، وليس بالإمكان استعادته أو تعويضه، وهو أثمن ما تملكه المرأة. فالواجب على كلِّ امرأة أن تعرف قيمة أيامها وساعاتها فتغتنمها وتستغلها أحسن استغلال وبذلك تحقق النجاح مع الوقت.

فالسيطرة على الوقت واستثماره استثماراً أمثل أشبه ما يكون بالعثور على كنز مفقود، والوقت هو مفتاح النجاح وبدون تنظيمه واستثماره لن تستطيع المرأة أن تنجح في المجالات المختلفة لحياتها. وليس على المرأة أن تقضي عمرها ووقتها بالعبادات كالصلاة والصوم والذكر.

فقد أذن الله تعالى لعباده في السعي في معايشهم وطلب رزق الله.

قال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15).

فإنّ من كَرم الله (عزّ وجلّ) أن جعل الأجر والثواب بأيِّ عمل دنيوي مباحين إذا أخلصت المرأة النية لله تعالى، فالأكل والشرب والجماع، بل النوم والقيام وكلّ عمل دنيوي آخر حلال مباح، يمكن بالنية الصالحة أن يحتسب عبادة، ويكون للمرأة فيها الأجر والثواب؛ فإذا استطاعت المرأة أن تعرف قدر وقتها وشرف زمانها، وأن تترك أهمية استغلال الوقت وفائدته، فإنّها لن تترك لحظة تضيع من حياتها دون أن تستفيد منها ومن حالها هكذا فلن تحتاج أن يضع لها أحد برنامجاً خاصاً لاستثمار وقتها، لأنها هي أعلم بنفسها وأدرى بالأعمال التي يمكن أن تفعلها في ساعات يومها.

إنّ من أسباب النجاح مع الوقت استثمار أوقات الانتظار التي تواجه كلّ امرأة، فإذا أمنت استثماره فستجد أنها أنجزت أشياء كثيرة.

وباستخدام الوقت استخداماً أمثل، ستشعر المرأة بالسعادة والراحة النفسية والاطمئنان القلبي وستشعر بأنّ قدرتها على العمل أصبحت أعلى وأنّ ثقتها بنفسها أصبحت أكبر وأنها حققت نجاحاً باهراً في مجريات حياتها.

ولاستغلال الوقت آداب يجب مراعاتها، ومنها:

1-   على الإنسان أن يختار وقتاً معيَّناً يكون فيه فارغاً من كلِّ عمل وذلك ليريح جسمه وأعصابه ولينطلق بعد ذلك نشيطاً إلى العمل من جديد.

2-   ليعلم الإنسان أنّ الحياة قصيرة جدّاً والفُرص تمرُّ فيها مرَّ السحاب، وليحاول أن يستغلَّ أوقاته استغلالاً مثمراً على قدر الاستطاعة والإمكان.

3-   ليحاول الإنسان أن يعوّد لسانه على ذكر الله (عزّ وجلّ) والصلاة على النبيّ وآله في كلِّ مكان، ويساعدُه على ذلك تعويدُ يده على التسبيح.

4-   ليسجِّل الإنسان برنامجاً أسبوعياً منظماً على ورقة مثلاً ويحدد فيه كيفية الاستفادة من أيامه ولياليه فمثلاً:

1-   يحدِّد وقتاً معيَّناً يومياً يحاسب فيه نفسه.

2-   يحدِّد ساعاتٍ في كلِّ يوم يقرأ فيها الكتب المفيدة.

3-   يحدِّد أوقاتاً معيّنة يزور فيها الوالدين في كلِّ يوم.

4-   يحدِّد وقتاً لراحته الجسدية ولنومه.

5-   يحدِّد وقتاً لزيارة الأقرباء والأصدقاء.

6-   يحدِّد وقتاً لقراءة القرآن والأذكار.

7-   يحدِّد وقتاً لأفراد أسرته لإسعادهم والجلوس معهم وبحث مشاكلهم.

ومن الضروري جدّاً المحافظة على الحياة والعمر بعيداً من التلف والضياع باستعماله في البناء والعطاء والعمل الصالح فالوقت هو الحياة.

ولتعلم المرأة العاقلة والناجحة أنّ سرَّ التوفيق في نجاح الوقت في أن تلاحظ المرأة كلَّ ما ذكرناه من الآداب والشروط وما تحدثت به الروايات المباركة عن النبيّ (ص) وأهل بيته الأطهار ومن طلب العُلا سهر الليالي، ولا يكتب النجاح والمحبوبية إلا بالجهد والمثابرة والتعب، والمرأة المؤمنة جديرة بأن تكون مثالية أمام قريناتها من النساء الفاضلات ومثلاً أعلى في سلوكها وتعاملها وأخلاقها وعفتها وشرفها وأن لا تضيع وقتها بما لا نفع فيه والله سبحانه هو المسدد والمعين.

الهوامش:


[1]- غرر الحكم ودرر الكلم.

[2]- الأخلاق الإسلامية، ص932.

[3]- وسائل الشيعة.

[4]- معاني الأخبار.

[5]- غرر الحكم ودرر الكلم.

[6]- معاني الأخبار.

المصدر: كتاب كيف تكون المرأة ناجحة ومحبوبة

ارسال التعليق

Top