• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم التسامح الديني وساحاته

أ. د. الشيخ محمدرضا رضوان طلب

مفهوم التسامح الديني وساحاته
◄قال الله تعالى في محكم كتابه مشيراً إلى اعزّ نعمة أكرم بها على الإنسانية وهي بعثة نبيه المصطفى (ص): (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) (آل عمران/ 103). رغم ذلك نجد من ينعت الإسلام بالعنف والإرهاب ويتهمه بعدم التسامح وبمعاداة جميع البشر واثارة الحروب ضد البشرية. ونحن في هذه الدراسة سنتطرق إلى مناقشة هذا الموضوع لمعرفة مكانة السلام في الإسلام ومدى العلاقة بينهما. يعترف الكثير من المستشرقين والعلمانيين بأنّ الاعتراف بوجود الآخر المخالف – فرداً كان أو جماعة – هو من ميزات الثقافة الإسلامية وانّ المسلمين حريصون على تنفيذ تلك الثقافة في حياتهم بدافع من إيمانهم وطاعة لربهم وانّهم يعتبرون التسامح من أوائل القيم التي عرفتها الإنسانية، قال الله تعالى على لسان هابيل: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة/ 28)، وقال سبحانه: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الزخرف/ 89)، وقال عزّ وجلّ: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/ 40).   مفهوم التسامح: التسامح من سمح بمعنى جاد بماله وسمح، سماحة وهو الموافقة فيما طلب[1] يقال سمح واسمح إذا جاد واعطى عن كرم وسخاء، وقيل إنما يقال في السخاء سمح وأما اسمح فإنما يقال في المتابعة والانقياد، ويقال اَسمحت نفسه أي انقادت[2]، وقال ابن منظور سمح أي فعل شيئاً فسهّل فيه ويقال سمح البعير بعد صعوبته إذا ذلّ واسمحت قرونته لذلك الأمر، إذا اطاعت وانقادت[3]. وقال القلعجي السماحة مصدر سمح (بضم الميم وفتحها) الجود والكرم، اللين والسهولة، بذل ما لا يجب بذله تفضّلاً[4]، وقال عليّ بن أبي طالب (ع) لابنه الحسن: يا بنيّ ما السماحة؟ قال: البذل في اليسر والعسر[5]، وقال في حديث آخر في معنى السماحة، هي إجابة السائل وبذل النائل[6]، وفي رواية: السماحة بذل المسامحة[7]، وقال المناوي: السماحة أي الاعطاء بطيب نفس[8]. ومما تقدم يتبين انّ التسامح يستعمل في الموارد التالية: 1- بذل المال جوداً وكرماً، 2- الاتيان بما يطلبه الناس موافقة لهم واعترافاً بهم، 3- المتابعة والانقياد لما يراه ويفعله المرافقون في سفر أو حضر، 4- التسهيل في كل ما يفعله الإنسان أو يرجع إليه، 5- اللِّين والرفق في المعاملة مع جميع الناس.   الإسلام والتسامح: الإسلام دين التسامح والسلام، فقد ورد عن رسول الله (ص) "بعثت بالحنيفية السمحة"[9]، وقال (ص): "أحبّ الأديان إلى الله الحنيفية السمحة"[10]، وقال (ص): "خير خصال المسلمين السماحة والسّخاء"[11]، وقال (ص): "رحم الله امرءاً سهل البيع وسهل الشراء وسهل الأخذ وسهل العطاء وسهل القضاء وسهل التقاضي"[12]، وقال (ص): "حرمت النار على الهين اللِّين السهل القريب"[13]. وللتسامح قيمة كبرى في الإسلام فهو نابع من السماحة بكل ما تعنيه من حرية ومساواة من غير تفوق جنسي أو تمييز عنصري، وقد حثنا ديننا الحنيف على الاعتقاد بجميع الديانات، قال الله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ...) (البقرة/ 285). ولا يعني التسامح التنازل أو التفريط بالحقّ، بل هو الاعتراف بالآخر، والاحترام المتبادل والاعتراف بحقوق الآخرين وحرِّياتهم، بما فيه من تنوع واختلاف، ويمكن رصد قسمين هامين للتسامح: الأوّل التسامح الديني: وهو التعايش بين الأديان، بمعنى حرية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري. والثاني التسامح الفكري: وهو عبارة عن الالتزام بآداب الحوار والتخاطب وعدم التعصب للأفكار الشخصية واعطاء الحق للآخرين من أجل الإبداع والاجتهاد. والتأريخ خير شاهد على النزعة الإنسانية للإسلام، وبالتسامح الذي ربط علاقات المسلمين بمعتنقي الأديان الأخرى، حيث دعا القرآن إلى مجادلتهم بالتي هي أحسن ومحاولة إقناعهم بالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125). وبصورة عامة، يمكن أن نلاحظ مدى أهمية مسألة التسامح في المنهج الإسلامي من خلال عدة أمور، منها: 1- لا إكراه في الدِّين: فالدِّين أمر قلبي ولا يدخل شيء في القلب إلّا بعد القبول والإيمان به، قال الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى...) (البقرة/ 256). وبخلاف ما كان يتّبعه زعماء أغلب الديانات من استخدام العنف كوسيلة للدعوة إلى أديانهم ولو أدّى ذلك إلى القتل والبطش، فإنّ المسلمين عند انتصارهم في الحروب كانوا يبذلون قصارى جهدهم في حماية السكان على اختلاف أديانهم ويتركونهم على ما يدينون ويقبلون منهم الجزية، وفي الحديث الشريف: "اتركوهم وما يدينون". يقول المفكِّر المعاصر "محمد أركون" في كتابه "أين هو الفكر الإسلامي المعاصر": "إنّ التسامح وعدمه لا يرتبط بالدِّين والعقيدة وإنّما يأتي من التاريخ والمجتمع والسلطات السياسية ولا شكّ انّ الحكومة الدينية ليست بسلطة سياسية وإنّما لها ميزاتها الملائمة مع العقيدة الكائنة في الصدور. ويشهد بذلك تطور الاستراتيجية اليابانية من سياسة الافراط في استخدام العنف طوال قرون عديدة إلى سياسة الإفراط في تمجيد مقولة "الغفران والتسامح" منذ هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية حتى الآن وقد لعب العامل الإقليمي من جهة والضغوط الخارجية من جهة أخرى دوراً ملحوظاً في تحول اليابان من دولة ضعيفة تخاف الاحتلال إلى دولة ذات نزعة عسكرية توسعية قادت إلى احتلال دول مجاورة، وانّ سياسة الغفران والتسامح تشكل المدخل الأساسي لإعادة تطبيع العلاقات بين الدول الكبرى التي مارست الاستعمار بأشكاله والشعوب التي خضعت لاحتلالها". ولعله أراد بقوله انّ التسامح وعدمه لا يرتبط بالدِّين انّ الدِّين لا يمكن له أن يسمح بالإكراه والعنف والعدوان على الآخرين واخضاعهم بالسيف. 2- حرمة أماكن العبادة: فقد أكّد الإسلام أنّ أماكن العبادة على اختلافها محترمة، قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) (الحج/ 40)، وقد وردت روايات كثيرة في انّه لا تهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم[14]. 3- حرمة الإنسان: فالدين الإسلامي يؤكد على المسلمين أنْ ينظروا إلى غيرهم على أنّهم بشر، لا يرضون لهم إلّا بالخير والإحسان، وقد أوصى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) مالكاً حينما وجهه إلى مصر بقوله: "واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فانّهم صنفان إما أخ لك في الدِّين وإما نظير لك في الخلق"، وقال أحد العرفاء: انّ العارف يرى كلّ العالم من مظاهر وجود الله وتجلياته ويرى الإنسان مظهراً تامّاً له جلّ وعلا فيحب كلّ العالم لنسبتهم إلى الله تعالى والخلق كلهم عياله ويشفق على خدمتهم ويعتبرها من أفضل العبادات. 4- الدعوة إلى الأخوة والمحبّة: فقد دعا الإسلام الجميع إلى السلام، فبنى علاقة المسلمين ببعضهم ببعض على أساس المحبة والأخوة. قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 20)، وعلاقة المسلمين مع غيرهم على أساس التعارف والتعاون (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...) (الحجرات/ 13)، لا بل دعا المسلمين إلى البر بهم والإحسان إليهم، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة/ 8). كما انّ الإسلام قد قضى على مظاهر التفرقة والطبقية وأكّد لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر إلّا بالتقوى، وساوى بين الأفراد في الحقوق والواجبات، وأمر المؤمنين كافة بالدخول في السلم كي يتسنّى لهم تبادل المنافع وإشاعة الخير بينهم، وجعل علاقة المسلمين مع غيرهم قائمة على المسالمة والأمن وعدم الاعتداء إلا إذا اعتدي عليهم، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة/ 190). وقد اعترف الكثير من المفكرين المسيحيين واليهود بتسامح الإسلام، يقول توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام": لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأوّل للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أنّ القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة وحرية، وأنّ العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح". وهذا درس عملي لما ينبغي أن يكون عليه التسامح الديني الذي يجب أن يتبع بنفس النهج الذي سلكه السلف الصالح، وأن ينطلق من موقف القوة والاعتزاز لا من موقف الضعف والإستسلام.   مقتطفات من مشاهد التسامح في السيرة النبوية الشريفة: شهدت سيرة النبي الأعظم (ص) بأنّه كان يتعامل بالتسامح والتسهيل والمحبّة والإكرام مع غير المسلمين في مواطن عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- إنّ المصطفى (ص) استقبل وفد نصارى الحبشة، وأكرمهم بنفسه وقال: "إنَّهم كانوا لأصحابنا مكرمين، فأحبّ أن أكرمهم بنفسي". 2- استقبل النبي (ص) وفد نصارى نجران، وسمح لهم بإقامة الصلاة في مسجده. 3- صالح رسول الله (ص) أهل نجران على أن لا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قسّ ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثاً أو يأكلوا الربا. 4- تلقى النبيُّ (ص) هدية من المقوقس في مصر، وهي الجارية التي أنجبت إبراهيم ابن المصطفى (ص)، فوقف وقال: "استوصوا بالقبط خيراً، فإنّ لي فيهم نسباً وصهراً"، والقبط هم نصارى عرب يستقرون إلى الآن بمصر. 5- استجار رسول الله (ص) برجل مشرك يقال له مُطعم بن عدي، حيث دخل النبي (ص) في حماه حينما دخل مكة عائداً من الطائف، وذهبت الأيام، وتوالت، وإذا بمطعم يموت كافرا، فوقف حسان بن ثابت (رض)، ورثاه بالقصيدة التي مطلعها: فلو أنَّ دهراً أخلدَ مجدَه اليوم واحداً *** لأخلدَ الدَّهرُ مجدَه اليوم مطعماً فبكى النبي (ص) اشفاقاً على مطعم ولطفه بالنسبة إليه قبل هجرته (ص). 6- كان (ص) يتزاور مع أهل الكتاب، فقد روي أنّ الرسول (ص) كان يحضر ولائم أهل الكتاب كما ويحضر جنائزهم، ويعود مرضاهم، ويزورهم، ويكرمهم، وقد روي أنّه لما زاره وفد نصارى نجران فرش لهم عباءته، ودعاهم إلى الجلوس.   الجهاد والتسامح: يتساءل البعض: كيف يمكن التوفيق بين دعوة الإسلام إلى التسامح من جهة ودعوته إلى الجهاد من جهة أخرى؟ نقول: لا شكّ وانّ الجهاد أوسع مفهوماً من الحرب والقتال وله ساحات ومجالات تغطي كل حياة الإنسان، ولا يوجد في جل تلك المجالات إلا العطوفة والمحبة والتعاون والتآخي، وقد نظر القرآن الكريم إلى هذا المفهوم من منظار راق ينسجم تماماً مع موقفه المؤيد لحقوق الإنسان، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ) (التوبة/ 20)، وحثّ الناس على الاجتهاد فيما يرتضيه تعالى والابتعاد عما يغضبه سبحانه. ويدخل في هذا الباب مكافحة الفقر والجهاد بالأموال، وجهاد القلب وهو مجاهدة الشيطان والنفس والشهوات المحرمة ويسمى بالجهاد الأكبر، وجهاد اللسان وهو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لائمة المسلمين والناس أجمعين، وجهاد اليد وهو التعبئة العامة والوقوف بقوة السلاح بوجه العدو الذي يشهر سلاحه ويقاتل المسلمين أو من يمنع الناس من أن يسمعوا كلام الله أو يجيبوا داعي الله. وبصورة عامة فإنّ الإسلام منع القتال بدون سبب، ودعا إلى قبول المبادرة إلى السلم، ونهى عن التوسع والانتقام والتخريب والدمار، كما منع عن قتل من لا يقاتل، من النساء والأطفال والشيوخ والعجزة، فعن أنس أنّ النبي (ص) قال: "انطلقوا بسم الله وعلى ملة رسول الله (ص) ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة"، وحرّم التمثيل بالقتيل، ونهى عن إساءة معاملة الأسرى والإضرار بهم، بل جعل إطعامهم من صفات الأبرار المقربين إلى الله، قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (الإنسان/ 8-9). وبناء على ما سبق، وبملاحظة سائر الآيات الكريمة التي تدعو للجهاد كقوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) (النساء/ 75)، التي تحث على إنقاذ المستضعفين، وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (الأنفال/ 39)، التي تؤكِّد لزوم القتال من أجل درء الفتن ورفع الظلم، يتضح انّ الجهاد له نفس ما للتسامح من أهداف سامية تصب بمجملها في خدمة الإنسانية، فكما انّ التسامح هو التعاطف بهدف مراعاة حقوق الإنسان، فالجهاد أيضاً كذلك، فهو تعاطف مع المستضعفين بهدف الدفاع عن حقوقهم، ورفع للظلم والاضطهاد عن البشرية.   الهوامش:
[1]- العين للفراهيدي، ج3، ص155. [2]- النهاية في غريب الحديث، ج2، ص398. [3]- لسان العرب، ج2، ص489. [4]- معجم لغة الفقهاء، ص249. [5]- كنز العمال، 16/215. [6]- معاني الأخبار، ص401. [7]- فيض القدير، ص591. [8]- المصدر السابق، ص591. [9]- النهاية لابن الأثير، ج1، ص424. [10]- كتاب العين للفراهيدي، ج2، ص248. [11]- مستدرك الوسائل، ج15، ص258. [12]- مجمع الزوائد، ج4، ص74. [13]- مجمع الزوائد، ج4، ص74.

[14]- السنن الكبرى، ج9، ص202.

    المصدر: مجلة رسالة التقريب/ العدد 70 لسنة 2009م

ارسال التعليق

Top