• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التوعية الأخلاقية

عمار كاظم

التوعية الأخلاقية

لقد انتهج الاسلام سبيل التوعية الأخلاقية وتكوين المعرفة بالخلق والقيم الانسانية النبيلة، وتحديد نوعية السلوك القويم، والحثّ على الالتزام به، والتحذير من سوء الخلق وتنفير المؤمن منه. انتهج الاسلام هذا الأسلوب من أجل ان يكوِّن وعياً أخلاقياً سليماً وفهماً علمياً لكلِّ سلوك يمارسه الانسان، ليعرف قيمته ونتائجه وجزاءه؛ وليتعامل معه بوعي وتقدير واقعي لما يستحق من العناية والأهميّة. وقد تواردت الآيات والأحاديث والتوجيهات الاسلامية للتأكيد على اهتمام الاسلام وعنايته بهذا الجانب الانساني النبيل وتحريك وجهة الانسان المسلم نحوه. ومن هذه النصوص مدح القرآن الكريم للنبيّ العظيم محمّد (ص) بقوله: (وَاِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4). وقوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا اِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود/ 112). وقوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 10). وقوله الرسول الكريم (ص) حينما سُئل: «أيّ المؤمنين أفضلهم ايماناً؟ فقال: أحسنهم خُلُقاً». وقوله (ص): «انّ الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حُسْن الخُلْق كما يعطي المجاهد في سبيل الله». وقوله (ص): «انّ الصبر والصدق والحلم وحُسْن الخُلْق من أخلاق الأنبياء، وما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة شيء أفضل من حُسْن الخُلْق». وقوله (ص): «انّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم ببسط الوجه وحُسْن الخُلْق». وقوله (ص): «انّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق».وكما حثّ الاسلام على حُسْن الخُلْق، واهتمّ بتنمية الوعي الأخلاقي وزيادة المعرفة الأخلاقية والتوجيه نحو القيم والمفاهيم الانسانية السامية، حذّر كذلك من سوء الخُلْق ومن انحدار الانسان نحو الرذيلة والتسافل الأخلاقي، وقد اعتبر الاسلام سوء الخُلْق تشويهاً للطبيعة البشرية وعذاباً للنفس الانسانية، لأنّ الأخلاق الفاضلة منسجمة مع الاستقامة الفطرية للانسان، وسوء الخلق انحراف مضاد للطبيعة الانسانية النقيّة، فقد ورد في الحديث الشريف: «مَن ساء خُلقه عذّب نفسه». لأنّ صاحب الخُلْق السيِّئ يعيش دوماً في صراع نفسي بسبب التوتّر الحاصل بينه وبين مَنْ يتعامل معهم من الناس لنفورهم منه ورفضهم لمواقفه وسوء تعامله، وهو بعد ذلك أبعد الناس عن الله، لأنّ الله سبحانه متّصف بصفات الكمال، وله الأسماء الحسنى، فكلّما اكتملت أخلاق المرء كلّما كان قُرْبه من الله سبحانه متسامياً الى الدرجات الكمالية العُلْيا، وكلّما كان سيِّئ الخلق كان بعيداً عن الله محروماً من قربه وفيوضات حبّه ورحمته. لذلك ورد في الحديث الشريف: «تخلّقوا بأخلاق الله». فحُسْن الخُلْق في الاسلام دعوة الى تكامل الجانب المتعالي في الانسان؛ جانب الخصائص الانسانية المتعالية عن الانفعالات والدوافع الغريزية التي لا تعرف سوى التعبير عن ذاتها والاستجابة لمثيراتها، كالغضب الطائش والشّهوة والظلم والانتقام والأنانية والجشع... الخ. أمّا الخطوات العملية لتربية الحسّ الأخلاقي النبيل وتكامل الشعور بالفضيلة والاندفاع نحوها بدافع ذاتي طبيعي فهي:

- تربية الضمير الأخلاقي (وهو الاحساس الباطني بالخير والشر) الذي يساعد على تمييز مواقف الخير والتطابق معها، وادراك المواقف الشرِّيرة والابتعاد عنها. ويتكوّن الضمير الأخلاقي من التأثّر بفكرة العقاب والثّواب وترتيب الجزاء وتنامي الشعور بالذّنب والاساءة عند مقارفة الرّذيلة، وتولّد أحاسيس الارتياح والرِّضا عند ممارسة أفعال الخير والفضيلة؛ فالمسلم عندما ينصر مظلوماً؛ أو يغيث ملهوفاً، أو يساعد محتاجاً، يشعر بالرِّضا والسّرور وهو يمارس هذا العمل، أمّا عندما يسيء ويقارف رذيلة، فيكذب أو يخون أو يغش، فانّ الضمير الأخلاقي سيتصدّى له، ويقوم بمعاقبته وفرض الندم والألم النفسي عليه، ولن يتركه حتى يُكفِّر عن سقطته هذه، ويعلن توبته واستقامته. وقد جعل الاسلام هذا الاحساس الأخلاقي علامة ايمانيّة يتميّز بها المؤمن عن غيره، فقد ورد في الحديث الشريف: «المؤمن مَن اذا أحسن سَرّته حسنته، واذا أساء ساءته سيِّئته». ويُروى عن رسول الله (ص) قوله: «اذا سرّتك حسنتك وساءتك سيِّئتك فأنت مؤمن».

- أوجد الاسلام قيماً ومُثُلاً أخلاقية ثابتة كمبادئ أخلاقية واضحة يلتزم بها الانسان المسلم، ويعتبرها قيماً حياتيةً ثابتةً، كالعدل والرّحمة والاخلاص والأمانة والصدق.. الخ، وذات قيمة كلِّيّة مطلقة تنطبق على الجميع وتُراعى في كلّ الظروف والأحوال.

- ايجاد القدوة الأخلاقية التي يقتدي بها الانسان المؤمن، وهم الأنبياء والرّسل، وفي مقدّمتهم المثل الانساني الأعلى الرسول الكريم محمّد (ص): (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) (الأنعام/ 90). (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21). وبذا رسم الصيغة الأخلاقية العملية للانسان، ليجد أمامه تجربةً أخلاقيةً فذّةً، ونموذجاً انسانياً يوضِّح له الطريق الى التكامل والنضج الأخلاقي.

ارسال التعليق

Top