• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التوجهات الرئيسية لإستراتيجية الأمن الغذائي العربي

د. سالم توفيق النجفي

التوجهات الرئيسية لإستراتيجية الأمن الغذائي العربي

تشير التوجهات الرئيسية لأوضاع الأمن الغذائي العربي، سواء في ظل مدى توافر الغذاء وفقاً لمعدلات النمو السكاني الراهنة أو في ظل التغيرات الحاصلة في الدخل، إلى أنّ هناك تراجعاً محسوساً في ممكنات العرض من الغذاء في مواجهة الطلب عليه. وقاد ذلك إلى بقاء العجز والنقص النسبي من الغذاء في بعض البلدان العربية، وإلى تزايده في بلدان عربية أخرى، الأمر الذي دعا بعض المنظمات العربية والمجتمع المدني، وفي مقدّمتها مجموعة خبراء "المنظمة العربية للتنمية الزراعية"، إلى دراسة هذه الحالات. وقد وضع هؤلاء الخبراء، وفقاً لمعطيات البيئة الاقتصادية العربية ومؤشرات الأداء الراهن للزراعة العربية والتحديات التي تواجهها في ظل تغيرات النظام الدولي الجديد، مسارات رئيسية لتطوير الزراعة العربية المستدامة. ويمكن توصيف تلك المسارات في إطار متضمنات الأمن الغذائي العربي لصوغ توجهات رئيسية لتقليص أعباء انعدام الأمن الغذائي، وتمكين المتغيرات الساعية إلى تعظيم منافعه، فضلاً عن خفض مستويي العجز والنقص النسبي في الغذاء في الأقطار العربية اللذين تعانيهما.

وقد تطلب ذلك العمل على تفعيل المسارات والتوجهات الآتية:

- التنسيق بين الاقتصادات الزراعية العربية على الصعيد الإقليمي، وذلك وفقاً للميزة النسبية والمكانية للإنتاج الغذائي، التي تقود إلى الصيغ التكاملية التي تتمتع بها بلدان الأقاليم العربية. ويمكن أن تتكون الأقاليم وفقاً لمفهومها الجغرافي أو تطوّرها الاقتصادي، ومن هذا المنطلق يضمّ الوطن العربي إقليماً عربياً مشرقياً وآخر مغربياً، وكذلك الإقليم الأوسط، ثمّ إقليم مجموعة البلدان العربية الخليجية. وبذلك، فإنّ الوطن العربي سيتكوّن من الأقاليم التي تعتمد البُعد الاقتصادي دون تأثير الأُطر الأيديولوجية أو السياسية، باعتبار أنّ أهدافها الرئيسية ليست حماية البُنى الفوقية للنظم العربية، بقدر ما تتطلبه تلك التكوينات من إشباع الحاجات الأساسية من الغذاء لأفراد المجتمع الإقليمي العربي، وتخفيف حدة فقره البشري. ويمكن أن يتم التنسيق بين الأقاليم وفقاً لإستراتيجية الأمن الغذائي، ولا سيما في المشاريع الغذائية الكبرى التي تعدّ محدودية السوق الإقليمية غير مناسبة لجدواها الاقتصادية.

- الاهتمام بتنمية الموارد المالية والمشتركة من خلال تطوير قاعدة البيانات والتشريعات المحددة لنمط توظيفها، واعتماد القواعد الاقتصادية في ترشيد سياسات استخدامها، وكذلك تحفيز الاستثمار في نظم الري المختلفة، سواء على الصعيد الزراعي أو المزرعي، باعتبارها جزءاً من البنية الرئيسية لتطوير الزراعة العربية.

- تطوير الموارد الأرضية الزراعية وتنميتها، سواء من خلال التوسّع الأفقي في الأراضي الزراعية الملائمة أو من خلال المحافظة على البيئة الزراعية، فضلاً عن التنسيق الإقليمي للسياسات التشريعية المرتبطة باستخدام الأراضي لإنتاج الغذاء أو الأراضي الرعوية وغيرها من الأراضي، والاهتمام بالدراسات والمشاريع لمكافحة التصحّر، والحد من تدهور الأراضي على الصعيد القطري والإقليمي.

- تطوير القدرات البشرية الزراعية وبناؤها وتنميتها، وذلك من خلال برامج تتضمن مكونات التنمية البشرية، ولا سيما الخدمات الصحّية والتعليمية والتدريبية، وتمكين القدرات الشرائية للعمل الزراعي من خلال إعادة توزيع استخدامه داخل المناطق الإقليمية العربية، في ضوء أوضاع سوق العمل الزراعي في بلدان الإقليم من أجل تحسين أجوره، فضلاً عن إعادة توزيع ثمار النمو الزراعي والفائض الاقتصادي الزراعي لصالح الأجور أكثر مما هو باتجاه عوائد رأس المال المزرعي.

- تطوير استخدام رأس المال الزراعي، وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال توفير المناخ الملائم لتدفقاته، وتأمين مخاطره، ولا سيما البيئة التي قد تعرّضه لمسارات الجفاف والتقلّبات المناخية.

- السعي إلى التطوير والتحديث التقني الزراعي، وذلك لتبني مسارات متسارعة لتنمية الغذاء، سواء من خلال نقل التقانات الزراعية أو من خلال تطوير المستخدم منها في الزراعة العربية، وتحفيز نُظم البحث الزراعي العربي والمجالات البحثية المشتركة، وتوفير التمويل المحفّز على تطويرها، سواء من خلال القطاع العام أو من خلال القطاع الخاص، والعمل على إيجاد منظومة علمية زراعية على الصعيد العربي تعمل على تفعيل البحث العلمي الزراعي وتنسيقه على الصعيد القطري والإقليمي والعربي.

- تعظيم مزايا الأمن الغذائي من خلال تفعيل التجارة الخارجية الزراعية، سواء العربية البينية أو الإقليمية أو الخارجية غير العربية، وذلك من خلال إزالة القيود والمحددات من أمام انسيابية الصادرات والواردات الزراعية في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتنسيق السياسات المتعلقة بالصحّة النباتية والبيطرية، وقواعد المنشأة والمقاييس والمواصفات للسلع الزراعية والتشريعات الحاكمة لانتقال السلع الغذائية، سواء على الصعيد العربي البيني أو على الصعيد غير العربي.

- الحد من الفقر في الريف العربي من خلال برامج إقليمية عربية متكاملة، والاهتمام بالأنشطة الريفية، والصناعات الزراعية الصغيرة، والاستفادة من النواتج الزراعية الثانوية، وتفعيل أداء مؤسسات الدعم والإرشاد الزراعي وبرامج العون الاجتماعي الريفي، وذلك لتعظيم القدرة الشرائية للأفراد ذوي الدخل المنخفض في القطاع الزراعي.

- تطوير مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص في برامج تطوير إنتاج الغذاء، سواء من حيث تمويل الغذاء وتسويقه أو من حيث توفير المستلزمات الزراعية، والمساهمة في عمليات الإنتاج، والسعي نحو وضع أُسس وتشريعات محفزة ومساندة لمساهمة أنشطة المجتمع المدني في المجالات المذكورة.

- مراعاة التطوّرات الاقتصادية الدولية، ومحاولة التكيّف معها في حدود عدم الإضرار بتدفّقات الغذاء محلياً أو عالمياً، والمؤدية إلى تعظيم أوضاع الأمن الغذائي. وفي حالة تأكد التوقعات التي تعدّ في غير صالح الأمن الغذائي الإقليمي أو العربي، فإنّ التحوط تجاه تلك المتغيرات يعدّ مسألة أساسية، ولا سيما من خلال تفعيل الإستراتيجيات المحلية والإقليمية لمواجهة المخاطر الغذائية ودرئها.

إنّ اعتماد هذه التوجهات الرئيسية، التي تسعى إلى التنمية الزراعية المستدامة وتعظيم أوضاع الأمن الغذائي العربي، يعدّ مسألة في غاية الضرورة في المدى القصير، ولا سيما أنّ التغيرات الساعية إلى النظام الدولي الجديد قد تعيد أوضاع توزيع الغذاء في غير صالح الاقتصادات العربية غير التنافسية، الأمر الذي قد يعرض بعض المجتمعات العربية لمخاطر غياب الأمن الغذائي، سواء من حيث سيادة العجز والنقص في الغذاء، أو من حيث تزايد معدلات الفقر، ولا سيما في الريف، سواء على الصعيد القطري أو الإقليمي أو العربي.

 

المصدر: كتاب الأمن الغذائي العربي (مقاربات إلى صناعة الجوع)

ارسال التعليق

Top