• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ماذا يعني الحلال والحرام؟

أسرة البلاغ

ماذا يعني الحلال والحرام؟

    ◄يحمل الكائن البشري بين جنبيه طاقة خلاقة هائلة، ويملك إرادة قائدة فاصلة، يستطيع عن طريقها أن يوجه تلك الطاقات والإمكانات الوجهة التي يريدها: فهو بهاتين الوسيلتين – القدرة والإرادة – يستطيع أن يحدث أي فعل يمكن أن يقع في حدود دائرتهما، أو يتجنب حدوثه ووقوعه فيبتعد عنه.

    فبالقدرة على صنع الأفعال وإحداث ماهيتها وإخراجها من مرحلة الإمكان إلى التحقق الفعلي يستطيع أن يفعل ما يشاء من الأفعال البشرية، فهو يستطيع أن يأكل ويشرب ويزرع الأرض ويصنع الطائرة والدواء، ويبني المدن وينظم المصانع و... إلخ، كما يستطيع أن يمارس القتل وشرب الخمر والظلم والتخريب.. إلخ.

    وبالإرادة التي يسيطر بها على قواه المختلفة، ويتمكن من استخدام هذه القوى وتوجيهها الوجهة التي يشاء، يستطيع أن يختار ويقرر الأفعال المختلفة في صفتها وطبيعتها.. سواء الخيرة النافعة منها، أو الشريرة الضارة، وبالإرادة يستطيع أن يوقع الفعل المتطابق مع فكرة الخير العام فيتطابق بهذا الاختيار مع مسيرة الوجود الخيرة، ليضيف إلى سلسلة الخير حلقة جديدة، ترتبط بها وتوسع دائرة تأثيرها، فيكون بفعله هذا قد أحدث وجوداً خيراً – أي حسناً ونافعاً – كامتداد لنوازع الخير الكامنة في أعماق الإنسان الفاعل، فيكون هذا الفعل ثمرة طيبة ينتجها تفاعل الذات البشرية مع الموضوعات والأشياء القابلة لإيجاد مثل هذه النتيجة..

    وبذا يصبح هذا الفعل جائز الحدوث والوقوع في عالم الوجود لأنه إنماء لفكرة الخير والحسن في هذا العالم، بعد أن كان ممكناً للإنسان ومقدوراً لإمكانياته في مرحلة الاستعداد والإمكان، فيسمح له الإسلام بإحداثه وإيقاعه لأنه متطابق مع إرادة الخير ولا يشكل خطراً على مسيرة الحياة.

    ويطلق الإسلام على هذا الفعل اسم المباح أو الحلال، فيمنحه جواز الوقوع والحدوث، لأنّه خال من الضرر والفساد، ولأنّ في حسن توجيهه واستعماله خيراً للبشرية.

    وكما استطاع الإنسان باختياره أن يمارس العمل المباح ليضيف حلقة جديدة من الأفعال الإنسانية النافعة، فإنّه يستطيع كذلك أن يختار أفعالاً ومواقف تتناقض مع استمرار مسيرة الوجود الخيرة، وتجهض نموها وأهدافها.. كالظلم والغش والزنى والسرقة.. إلخ.

    لذلك فالإسلام يحظر عليه مثل هذا السلوك، ويسمي هذا الحظر حراماً...

    وهو بعد ذلك – الإسلام – يكرس كلّ الوسائل لاجتثاث أسباب وجود هذا الحرام ودواعي حدوثه.

    وينطلق الإسلام في عملية تقويم الأفعال وتشخيصها كالظلم وشرب الخمر والأكل والشرب والكسب والتملك... إلخ من مبدأ: (أنّ لكلِّ فعل أوصافاً وخصائص وآثاراً ترتبط بذات الفعل وماهيته وهي التي تقرر جواز فعله – أي تجعله حلالاً ومباحاً – أو عدم جواز فعله – أي حراماً وممنوعاً ).

    فالإسلام إذن لم يحرم أو يحلل اعتباطاً.. بل ينطلق في إصدار أحكامه هذه من أسباب ترتبط بآثار الفعل وطبيعته.

    وهذه المقدمات والأسس التشريعية تقودنا إلى استنتاج مفهوم الإسلام عن الحرام، وسبب اعتباره بعض الأفعال والمواقف السلوكية الإنسانية نشاطاً محرماً دون غيرها من النشاطات الإنسانية الأخرى... فنعرف أنّ الإسلام لم يحرم الفعل المحرم ولم يحظره إلا لسبب وعلة تكمن في أثر الفعل وطبيعته.. وليس هدف الإسلام من التحريم هو فرض السلبية والتضييق على الإنسان والتنكر لطيبات الحياة.. بل الهدف من التحريم هو الحفاظ على سلامة الحياة وانتظام مسيرة الإنسان.

    ومن استقرائنا ومتابعتنا للمحرمات في الإسلام ندرك أنّ العلة في تحريم أي فعل هي الضرر والخطورة الكامنة في هذا الفعل.. تلك الخطورة التي يرتد أثرها السلبي الهدام على الإنسان والحياة، وعلى العلاقة بخالق الوجود، ورب الإنسان، لذلك قيل: (جاء الإسلام لدرء المفاسد وجلب المصالح).

    وقد استطاع الإنسان بتقدم العلوم والمعارف، وتنامي الوعي والفهم العلمي والاجتماعي أن يشخص كثيراً من أسباب التحريم والحظر في الإسلام.. كالخمر والزنى والربا والاحتكار... إلخ.

ارسال التعليق

Top