• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قيم الحوار والتعايش في الرؤية الثقافية/ ج1

الشيخ محمد علي التسخيري

قيم الحوار والتعايش في الرؤية الثقافية/ ج1
◄حول الرؤية الثقافية الإسلامية:

الرؤية الثقافية رؤية هادفة، تنطلق من مرجعية مقدسة للحياة الإسلامية فتعطيها شكلها ومضمونها المتميزين. وتستبطن هذه الرؤية مجمل أسس عملية التغيير الاجتماعي الشامل: فهي الإطار الذي يجمع في داخله مختلف مجالات التغيير. ومهما اختلف علماء الاجتماع والنفس وعلم الإنسان والإعلام في تحديد مفهوم الثقافة أو الرؤية الثقافية، فإنّهم يتفقون على دورها الأساس في رسم تفاصيل حياة المجتمع والفرد وتحديد أنماطها أي إنها، بكلمة أخرى، العنصر المركب الذي يحدد الأفكار والسلوك والظواهر الاجتماعية وتعد "المصنع الذي يصنع الإنسان" و"طريق اصلاح المجتمع" أو أنها – كما يقول المرحوم مالك بن نبي – الدستور الذي تتطلبته الحياة العامة، بجميع ما فيها من ضروب التفكير والتنوع الاجتماعي.

من هنا فالتصور الإسلامي يتلخص في تصور الإسلام للحياة أو أنّه "الإسلام حين يصبح الحياة" كما عبّرت ورقة "الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي"

ولهذه الرؤية مرجعية تعطيها مشروعيتها ومضمونها ومنهجها في تطويع الحياة للإسلام، وتتمثل مرجعيتها في القرآن الكريم والسنة الشريفة، فهناك حقائق الخلق والكون، التي تشكل مصدراً معرفياً دائم الحركة.

ولكي تحقق هذه الرؤية نياتها ومقاصدها في بناء الحياة الإسلامية، فقد وضعت مهمة رسم خطابها العصري وتحديد مناهجها على عاتق أصحاب الاختصاص من فقهاء ومفكرين وخبراء ومثقفين إسلاميين، وعلى أسس علمية تتيح للأصالة استيعاب متطلبات المعاصرة: لكي يكون العصر الذي تعيش فيه المجتمعات الجديدة لصيقاً بالإسلام ورؤيته الثقافية.

ولا يمكن بلورة هذه الرؤية ومراجعتها باستمرار دون عقول أصيلة متحرّرة من الجمود على الفهم. وأجواء منفتحة على النقد البنّاء والحوار الهادف اللذين يمنحهما مناخ الحرية الفكرية المتوازنة.

من هنا فالحوار والتعايش في الرؤية الثقافية الإسلامية، محكومان بقيم المرجعية الإسلامية الملزِمة (القرآن الكريم والسنة الشريفة): فقيمهما الشرعية والعقلية والأخلاقية هي نفسها قيم الدين الحنيف، أو القيم الإنسانية العامة التي لا تتعارض معه.

  أهمية الحوار:

الاختلاف سنة كونية أعطت للحياة ألواناً مختلفة من التفكير والسلوك، وجعلت التباين بين الناس في رؤاهم ونظرتهم للأشياء هو الأصل، بعد أن كانوا أمة واحدة (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) (يونس/ 19)، ومرد ذلك إلى الاختلاف في الطبائع الوراثية والتنشئة والتكوين والتجربة والأهواء وغيرها. ممكناً في الواقع وجود شخصين متفقين في كلِّ الأشياء بنسبة مائة بالمائة، كما لا وجود لشخصين مختلفين بنسبة مائة بالمائة أيضاً، فالاختلاف والاتفاق قضيتان نسبيتان تتراوح نسبتهما بين الواحد بالمائة والتسع والتسعين بالمائة. وهذا لا يعني عدم وجود حقّ مطلق، ولكن هذا الحقّ المطلق هو الذي يحدده الله تعالى فقط أو من يخولهم من عباده كالأنبياء والأوصياء والملائكة. وكذلك تعتبر الفطرة نافذة إلهية لمعرفة الحقّ كما لا يعطي هذا الاختلاف حقوقاً متساوية لكلِّ المختلفين في الانتساب للحقّ؛ بل إنّ للاختلاف مرجعية مطلقة ليست من اختراع المختلفين يقول تعالى:

(إِلَى اللَّهِ مرجعكم جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة/ 48)، و(إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الزّمر/ 3)، فالحكم لله في مواطن الاختلاف، وحكمه عبّر عنه في كتابه الكريم، الأمر الذي يلغي مفهوم التعددية في مرجعية الاختلاف بالنسبة للمسلمين.

وهنا يأتي الحوار ليعطي للاختلاف بُعداً إنسانياً يضعه في شكله الطبيعي، ولا يسمح له بالتحول إلى طاقة تدميرية، بل إنّ الحوار يخفض من مستوى سلبيات الاختلاف ويرفع من مستوى إيجابياته: ليكون الاختلاف في هذا الإطار رحمةً وخيراً، ودافعاً للإصلاح والمراجعة المستمرة. وهذا البُعد يمنح الحوار مضموناً مصيرياً وموقعاً مهمّاً في استمرار الحياة بطعمها المستقر، وإبقاء الجنس البشري بمستوى ما حباه الله من عقل وقدرة على التفكير والاختيار.

إنّ الحوار أداة للكشف عن الحقائق والأشياء الخفيّة، ومن خلاله تتم الإجابة عن كثير من علامات الإستفهام والإشكاليات العالقة في الذهن، أو تزيد من القناعات الذاتية، كما يمكن من خلاله كشف الباطل ودحضه وكشف مؤثرات بطلانه. ودلائله وبشكل مجمل فإنّ الحوار ينضج الأفكار والقرارات؛ ففي الجانب الفكري والثقافي – مثلاً ينمي الحوار الأفكار ويعمقها، ويشذِّ بها مما يعلق بها من انحراف أو جمود أو شوائب، ويحرك العقل باتجاه الإبداع والتجديد والتحرر، في الحدود التي تفرضها مرجعية الاختلاف. وفي الجانب السياسي والاجتماعي، يلعب الحوار الدور نفسه في تنضيج القرار الاجتماعي والسياسي وإشعار الآخرين بالمسؤولية وبأهمية الموقع الذي يحتلونه، بل إنّ بعض أنماطه تعد في دائرة المسلمين لوناً من ألوان الشورى.

وبالتالي بالحوار في الإسلام يعبر عن قيمة حضارية؛ لأنّه أسلوب الأنبياء في التبليغ والدعوة فقد انتشر الإسلام والوعظ والمحاجة والقول الحكيم، والذي أوصله إلى أقاصي الدنيا، ولا سيما أفريقيا وشرق آسيا وأمريكا، هو الحوار. هذه البلدان التي يقطنها اليوم مئات الملايين من الناس، دخلت الإسلام بالحوار، فالإسلام هو دين الحجة ودحض الباطل بأسلوب الحكمة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125)، ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الحوار ليس النهج الوحيد في نشر الدين والدعوة والتبليغ، رغم أنّه نهج أساس، ورغم أنّه موقف يتخذه المسلم أساساً في الحركة، إلا أنّ النهج يتغيّر بتغيّر موقف الطرف الآخر.

  مجالات الحوار:

تتنوع مجالات الحوار الإسلامي بتنوع أطرافها ووسائلها وموضوعاتها. ولهذا التنوع أكثر من معيار للقيم. فعلى أساس معيار أطراف الحوار، يمكن تقسيمه إلى:

حوار بين الأفراد (عامة الناس، أو النخب، علماء دين ومفكرين وجامعيين ومثقفين وغيرهم).

-          حوار بين الشعوب.

-          حوار بين الجماعات.

-          حوار بين المذاهب.

-          حوار بين الحكومات (ثنائي أو في إطار المنظمات والمؤسسات).

-          حوار مع الأديان الأخرى.

-          حوار مع المدنيات والحضارات الأخرى.

كما ينقسم على أساس معيار الوسائل إلى:

-          حوار مباشر، يتم بين أطرافه بحضور عامة الناس أو عبر وسائل الإعلام (التلفزيون، الإذاعة... إلخ)، وهو الحوار المباشر المفتوح الذي يصطلح عليه عادة "المناظرة"، أما الحوار المباشر المغلق، فهو الذي يجري بعيداً عن الآخرين، ويقتصر على المتحاورين وبعض المراقبين.

-          حوار غير مباشر، عبر الصحافة أو الرسائل أو (المراسلات) أو عبر طرف ثالث.

وعلى أساس معيار المادة أو الموضوع، ينقسم الحوار إلى:

-          علمي (فقهي، عقائدي، أو مختلف العلوم الإسلامية والإنسانية والاجتماعية أو البحتة والتطبيقية).

-          سياسي (ما يرتبط بالشأن السياسي العملي أو النظري).

-          فكري (ثقافي، اجتماعي وغير ذلك).

ومن خلال استعراض هذا التنوع في الحوار، نريد القول أنّ لكلِّ منها أساليبه الفنية وآدابه وقواعده ومنهجه، وبالتالي فإنّ القيم العلمية والأسلوبية تختلف إلى حدٍ ما بينها. ولكن القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية تبقى قاعدة مشتركة لها جميعاً فقد ركّزت المرجعية الإسلامية، من خلال النصوص، على هذه القيم وفصّلها وشرحها الفقهاء وعلماء الكلام والحديث والأخلاق، كلّ من زاويته ومدخله العلمي. ومع التطور الهائل والتغييرات المتسارعة في أنماط الحياة وأساليب الحوار والتخاطب، دخلت معادلات قيمية جديدة في صياغاتها، وليست جديدة في أصولها، وهي مما ينبغي اكتشافه وتعرّفه وأسلمته.

  عناصر الحوار:

يمكن تقيم أهم عناصر الحوار إلى الأطراف، الموضوع، الأهداف، الإدارة والتحكيم، الزمان، المكان، المنهج، الأسلوب والنتائج. ومن خلال استعراض هذه العناصر بشيء من التفصيل نأتي إلى البعد القيمي الإسلامي حيال كلّ منها، بالصورة التي تحقق غايات الحوار، كالغاية الفنية المتمثلة بتيقن حالة الاختلاف والتركيز على إيجابياتها وتفتيت سلبياتها.

1-    أطراف الحوار: ينبغي توفر مجموعة من المؤهلات في شخصية المتحاورين، على الصُّعُد الذاتية والموضوعية، تكفل لنجاح الحوار مدخله الأساس. ومن أهم هذه المؤهلات هي:

أ‌-        التساوي في الرغبة والتكافؤ في حرية الطرح، فلابدّ أن لا يكون أحد أطراف الحوار مقحماً أو مجبراً على الحوار أو مضطراً له تحت ضغوط التهديد، بأنواعه: الاجتماعي والسياسي، بالسجن أو الموت أو الطرد أو تلبيس التهم، أو تحت ضغوط الحياة والإنجرار. فمثل هذا الحوار مهما كانت نتائجه، ليست له قيمة علمية أو دينية أو أخلاقية: لأنّه يفتقر إلى أبسط أسس الحوار الحقيقي وآدابه: لأنّ أطراف الحوار هنا لن تكون متكافئة في القدرة والحرية، فبعضها يحاور من موقع القوة والإقتدار والاستكبار والآخر من موقع الضعف والإضطهاد، فهناك، إذن، فرق كبير بين الحوار (الثقافي والفكري والسياسي) بين أطراف متكافئة، والحوار بين الغازي (العسكري والثقافي والسياسي) والمنهزم أو المدافع، فالحوار الثقافي والحضاري الحقيقي مثلاً يدور في إطار الاحتكاك أو التبادل الثقافي، في حين أنّ الحوار في إطار الغزو ليس له أي معنى فالغازي الثقافي يسلب من الحوار كلّ إيجابياته؛ ويمكن أن يجري الحوار حتى خلال المعارك العسكرية، فضلاً عن المعارك الفكرية والسياسية، بهدف إلقاء الحجة على الخصم، شرط ضمان عنصر التكافؤ في حرية الرأي، وألّا يكون حواراً من طرف واحد.

وفي السيرة والتاريخ الإسلامي نماذج فذة من مواقف الحوار أثناء الحرب: لإقناع الخصم ومحاججته؛ في محاولة لتجنب ويلات الحرب ولكف شرها عن المسلمين.

ب‌-   التسلح بالعلم والمعرفة في موضوع الحوار، فهو أساس لدخول الحوار وكسبه موضوعياً: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) (آل عمران/ 66)، فالحوار الحقيقي ينبغي أن توضع له مقدمات موضوعية ويسير وفق أسس علميةٌ، ولا يتحقق هذا الجانب دون تخصص المتحاورين في موضوع الحوار وإحاطتهم الكافية بحقائقه، ويضرب الله تعالى مثلاً في من يحاوره في أمر وجود الله ووحدانيته وهو لا يفقه شيئاً في هذا المجال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (الحج/ 8). وحتى لو كان الحقّ مع الطرف الضعيف علمياً: فإنّ هذا الحقّ سيضيع بين ثنايا الجهل، وقد تترتب عليه آثار سلبية تؤدي إلى ظهور الباطل بمظهر المنتصر، مما يتسبب في تزييف الواقع وانحراف وجهات نظر عامة الناس. وإذا كان الهدف من الحوار تحقيق فائدة علمية، فينبغي كذلك أن كون الأطراف ضليعة في مجال موضوع الحوار. وهنا يشترط الإمام الغزالي على طرف الحوار "أن يناظر مع من هو مستقلٌ بالعلم ليستفيد منه إن كان يطلب الحقّ".

ت‌-   التحلي بسلوكية لائقة، فالغضب والتشنج والتهريج والحقد والرياء والفرح بمساندة الطرف الآخر والاستكبار عن الحقِّ، ستنزع من الحوار كلّ قيمة وتدخله في دائرة المنازعات والصراع، بينما الصفات المعاكسة كالهدوء والتروي وضبط النفس واللين والمرونة، وعموماً التوازن في المشاعر، سترفع من مستوى الحوار إلى دائرة النجاح والتأثير وتحقيق أفضل النتائج.

وهنا يبيّن الله تعالى لرسوله الكريم قاعدة عامة في التحاور مع الآخرين، تقف على أساس اللين والمرونة والتسامح: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) (آل عمران/ 159). فالله تعالى يأمر الرسول (ص) بالتشاور مع من قد أساءوا إليه، بعد أن يعفو عنهم ويستغفر لهم كما أمر من قبل موسى وهارون (عليهما السلام): (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه/ 43-44). ونقل المفضل – أحد تلاميذ الإمام جعفر الصادق (ع) – حادثة تحمل دلالة قيمية مشرفة في هذا المجال: فخلال تحاوره مع أحد الزنادقة، تشنج الموقف وغضب المفضل عليه، فقال له الزنديق:

إن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا ولا بمثل دليلك يجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا، وإنّه الحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي إلينا ويتعرف حجتنا، حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظنّنا أنّا قطعناه وغلبناه، دحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير، يلزمنا به الحجة ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه رداً فإن كنت من أصحابه فخاطبنا مثل خطابه.

2-    موضوع الحوار: ينبغي قبل بدء الحوار تحديد نقاط الإبهام والاختلاف، والعادة التي يتعين التحاور فيها: ليكون الموضوع واضحاً ومحدداً، فالحوار قد ينحرف باتجاهات أخرى ويكون مضيعة للوقت إذا تبيّن لأطراف الحوار أنهم كانوا يتحاورون في موضوعين أو موضوعات مختلفة. وهذا العنصر أطلق عليه العلماء القدامى إصطلاح "تحرير محل النزاع" وقالوا بضرورة تشخيص أبعاد النزاع؛ ليكون الاستدلال منتجاً وعدّوه شرطاً منطقياً لا حاجة للاستدلال عليه ويفترض هنا لحاظ جميع الجوانب ذات العلاقة بالموضوع، فهناك جوانب مهمة قد لا تلحظ، ولكنها تترك أثرها على النتائج.

3-    أهداف الحوار، تكمن قيمة الحوار في هدفيته، والمتمثلة في اكتشاف الحقيقة ومعرفتها وبلورة شكلها ومضمونها على اعتبار أنّ "الحكمة ضالة المؤمن" هذا الهدف يعطي للتجرد والنزاهة والموضوعية في الحوار معنىً حقيقياً، بالصورة التي يطرحها القرآن الكريم: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (سبأ/ 24). أمّا الحوار الذي لا يحمل هدفاً معيناً ولا يترك أثراً علمياً أو فكرياً، فهو عديم القيمة والفائدة وتنطبق هذه القاعدة أيضاً على الحوارات التي تدور حول أمور افتراضية وخيالية ولا علاقة لها بالواقع. وتتنوع مناهج الحوار بتنوع أهدافه، فهناك الحوار النقدي الذي يتلخص في تقويم كلّ طرف لممارسات الطرف الآخر وأفكاره بشكل نقد موجه. وللنقد من جانبه آداب وشروط، تبقيه في حدوده الشرعية والعقلانية، وتحافظ فيه على روح الإنعتاق والتقويم الصحيح والمحاسبة الهادفة والنقد البنّاء. أيضاً المدارسة التي هي لون من ألوان الحوار، وهدفها يدور حول الموضوع فقط، وليست لها أهداف خاصة أو ذاتية، وبالتالي الوصول إلى نتائج متفق عليها، ولا توجد لدى أطرافها أحكام نهائية سابقة أما المحاجة فهي حوار الإقناع وإقامة الدليل، وهدفها تفنيد وجهات نظر الطرف الآخر ومحاولة استيعابه وجذبه وهديه، أو إيصال رسالة إلى الآخرين وتنبيههم وتوعيتهم.

4-    الإدارة والرقابة والتحكيم: هذا العنصر الغني ضروري جدّاً لتحسين أداء الحوار وضمان تحقيق أهدافه وتنفيذ نتائجه، فالإدارة لا تدخل طرفاً في الحوار بل تتلخص مهمتها في تنظيم الحوار وضبطه وتوفير الفرص المتكافئة للمتحاورين ومراقبة أساليبهم ومناهجهم، ثمّ التحكيم بينهم في حالات معينة وتفرض هذه المهام شروطاً ومواصفات في عنصر الإدارة والرقابة والتحكيم أهمها: المقبولية لدى أطراف الحوار كافة، والحياد والموضوعية والتجرد، وحساب النتائج بدقة، وعدم تغليب طرف على حساب آخر، إلّا في حدود الحقيقة، وحتى لو كان لهذا الجهاز أو بعض أفراده خلفيات فكرية وسلوكية ورؤى تتفق أو تختلف مع أحد الأطراف، فلا ينبغي أن يكون لها مدخلية في الإدارة والتحكيم.

يتبع...  

المصدر: مجلة آفاق الحضارة الإسلامية/ العدد 7 لسنة 2001م

ارسال التعليق

Top