• ٦ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

وحدات الزمن في القرآن الكريم

رضا علوي سيد أحمد

وحدات الزمن في القرآن الكريم

◄وحدات قياس الزمن التي استعملها القرآن الحكيم نتناول بعض منها وهي كما يلي:

 

1-  الحقب:

قال تعالى:

(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا)[1] (النبأ/ 21-23).

وقال سبحانه:

(لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (الكهف/ 60).

وردت لفظة "أحْقَاب" في القرآن الكريم مرّة واحدة، وهكذا الحال بالنسبة للفظة "حُقُب"، فقد وردت مرّة واحدة أيضاً.

 

2-   السنة:

قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة/ 96).

وقال سبحانه في يوم القيامة:

(وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (الحج/ 47).

وقال جلّت قدرته في دعوة نبيّه نوح (ع):

(فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا) (العنكبوت/ 14).

وقال تعالى في قصّة أصحاب الكهف:

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) (الكهف/ 25).

تكرّرت مفردة "سنة" في القرآن الكريم سبع مرّات، وجمعها "سنين" وتكرّرت اثني عشر مرّة، ثلاث منها بصيغة النّكرة، وتسع أُخر بصيغة المعرفة..

ومن مقاييس السنوات.[2] التي ذكرها القرآن، القمر، حيث يقول تعالى في الآية الخامسة من سورة يونس (ع):

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس/ 5).

 

3-   الشهر:

وكما هو معلوم، تتألّف السنة من اثني عشر شهراً بمنطق القرآن الكريم، ويتألف الشّهر من تسعة وعشرين إلى ثلاثين يوماً حسب نظام الأشهر العربية. الإسلامية، أمّا حسب نظام الأشهر الإفرنجية. فيتألف الشّهر من ثلاثين أو واحد وثلاثين يوماً، باستثناء شهر واحد وهو فبراير (شباط) فقد يشتمل على ثمانية وعشرين أو تسعة وعشرين يوماً..

تكرّرت لفظة "شهر" في القرآن الحكيم أربع مرّات، ولفظة "شهراً" مرّتين، ولفظة "الشّهر" ست مرّات، ولفظة "شهرين" مرّتين، ولفظة "الشّهور" مرّة واحدة فقط، ولفظة "أشهر" خمس مرّات، ولفظة "الأشهر" مرّة واحدة فقط..

وكأمثلة على ذلك قوله تعالى:

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185).

(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرً)[3] (الأحقاف/ 15).

(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ) (المائدة/ 97).

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) (المجادلة/ 4).

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ) (التوبة/ 36).

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة/ 197).

(فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة/ 5).

 

4-   اليوم:

وكما هو معلوم أيضاً يتألّف الشّهر من أربعة أسابيع، والأسبوع يتألّف من سبعة أيّام، وسمّي اسبوعاً لأنّه يتكّن من سبعة أيام..

وجاءت مفردة "يوم" في القرآن الحكيم – بين نكرة ومعرفة ثلاثمائة واثنتين وخمسين مرّة، ولفظة "يوماً" ستة عشر مرّة، ولفظة "يومكم" خمس مرّات، ولفظة "يومهم" خمس مرّات أيضاً، ولفظة "يومين" ثلاث مرّات، ولفظة "أيام" ثلاث وعشرين مرّة، ولفظة "أيّاماً" أربع مرّات، ولفظة "يومئذ" سبعين مرّة.

وكأمثلة على ذلك، يقول تعالى:

(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة/ 4).

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة/ 8).

(وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) (البقرة/ 48).

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) (الأنعام/ 130).

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (الذاريات/ 60).

(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْن) (فصّلت/ 12).

(قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا) (آل عمران/ 41).

(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) (البقرة/ 80).

(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) (المؤمنون/ 101).

ومن خلال التأمّل في الآيات القرآنية التي وردت فيها لفظة "يوم" ومشتقاتها، يتبيّن أنّها أكثر صيغ التعبير عن عامل الزّمن على وجه الاطلاق. كما يظهر بوضوح أنّ لفظة "يوم" جاءت في القرآن الكريم – في الأغلب – للتعبير عن أمرين:

1-   اليوم الآخر، وهو يوم البعث، وهو الحياة الأخروية التي تلي الحياة الدنيويّة..

2-   اليوم بما هو يوم عُرفاً[4]، أو بما هو موقِت..

الّا أن كمّاً  كبيراً – يمثل الأغلبيّة الساحقة – من التكرارات لمفردة "يوم" ومشتقاتها جاء ليعني: القيامة والحياة الآخرة، الأمر الذي يؤكّد الأهمية البالغة التي تتميز بها، والعلاقة الوطيدة بينها وبين عامل الزمن، إذ أنّ زمن الحياة الدنيا سيمتدّ وسينتهي إلى الآخرة، وأنّ استثماره واغتنامه بخير هو الطريقة الموضوعية للفوز في الحياة الآخرة..

وجدير ذكره أنّ من وحدات ومعايير الزمن التي جاءت في القرآن الحكيم: "بعض يوم"، والأرجح أنها تعني جزءاً من اليوم، أي ساعات. ومثال ذلك قوله تعالى في سورة الكهف:

(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) (الكهف/ 19).

 

5-   الساعة:

ومن الحقائق الاصطلاحيّة المسلّمة أنّ اليوم يتألّف من أربع وعشرين ساعة. وردت لفظة "ساعة" نكرة ومعرفة في القرآن الكريم تسع وأربعين مرّة، بصيغة النكرة وردت سبع مرّات، وبصيغة المعرفة اثنين وأربعين مرّة..

ومثال ذلك قوله تعالى:

(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف/ 34).

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ) (يونس/ 45).

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) (الأعراف/ 187).

(لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا) (الكهف/ 21).

ويجد المتأمّل في الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر لفظة "ساعة" أنّها – في الأغلب – أتت لموردين:

1-   بمعنى مدّة من الزّمن، أو وحدة قياس زمنيّة، تشترك مع وحدة "ساعة" المعروفة المتألّفة من (3600) ثانية، في اللفظ..

2-   بمعنى يوم البعث أو القيامة..

وبتتبّع تلك الآيات يظهر أنّ مفردة "الساعة" جاءت في أغلب الأحوال للتعبير عن يوم البعث وبدء الحياة الأخروية.

 

6-   لمح البصر:

وكما هو معلوم تُقسّم السّاعة إلى ستّين دقيقة، والدقيقة تُقسّم إلى ستّين ثانية. وفي القرآن الكريم ما قد يُفهِم بأنّه إشارة إلى الثانية أو الجزء منها، وهو "لمح البصر"، أي الفترة الزمنيّة القصيرة التي يلمح فيها الإنسان بنظره شيئاً ما. واللمح: تصويب البصر إلى الشيء، والنظرة بالعجلة. يقال: "رأيته لمحة البصر أو البرق" أي قدر لمحة البصر أو لمعة البرق من الزمان..

قال تعالى:

(وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)[5] (النحل/ 77).

(وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر/ 50).

وتكرّرت وحدة "لمح البصر" في القرآن الكريم مرّتين فقط.

 

الزمن والعلم الحديث:

أمّا بالنسبة للعلم الحديث فقد تمكّن من تجزئة، الثانية إلى آلاف الأجزاء، قد تصل إلى عشرة آلاف جزء أو أكثر. وفي عالم الذرّة والإلكترون تكون الأزمنة بالثّواني، وكسور الثانية الواحدة، بينما الثانية ما هي إلّا القفزة الواحدة التي يقفزها عقرب الثّواني..

والإشارة إلى عامل الزمن في القرآن الكريم لا تقتصر على ما ذكر، بل أنّ أغلب ما ورد فيه من آيات – إن لم يكن كلّها – مرتبط بعامل الزمن، فعلى سبيل المثال انّ الانتظار والصبر، واللبث، والمكث، و...، وصيغ الأفعال المستخدمة، من ماضي، وحال، واستقبال كلّها ترتبط بعامل الزّمن، وتؤكّد ضرورته وأهميته، وذلك لأنّ الزّمن ظرف تقع فيه أحداث ومجريات حياة الإنسان، هو وظرف المكان، ولا يوجد حدث أو قضيّة، أو موضوع في الحياة الّا ويكون محكوماً بهذين السؤالين: متى؟ وأين؟، بكلِّ ما يحملان من معانٍ.

الهوامش:


[1]- يفهم من مفرده "أحقاب" المدة الطويلة من الزّمن.

[2]- عن طريق دورة القمر، تقاس الأشهر التي هي وحدات من السنة، وبتلك الدورة تعرف بداية الشهر ووسطه ونهايته، وكلّ الوقت فيه.

[3]- تبين الآية الكريمة أنّ أقل مدة حمل يمكن أن يبقاها الإنسان في بطن أُمّه مع خروجه حياً سالماً ستة أشهر، وبإضافة أقصى مدة للرضاعة وهي سنتان (حولان، أي أربعة وعشرين شهراً)، فيكون الناتج ثلاثون شهراً. وهذا يرينا الدقة الزمنية في خلقة الإنسان.

[4]- تطلق مفردة "يوم" على المدة الزمنية التي تساوي ليلاً ونهارا (أربع وعشرون ساعة)، وتطلق أيضاً على فترة النهار.

[5]- يقصد من لمح البصر أيضاً، الوضوح، كأن تقول: لأرينك لمحاً باصراً، أي أمراً واضحاً. وأكثر استعماله في مقام الوعيد.

المصدر: كتاب كيف تستثمر وقتك؟

ارسال التعليق

Top