• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سورة لقمان.. آداب وأحكام

سورة لقمان.. آداب وأحكام
◄دلالة الآيات:

دلت هذه الآيات على طائفة من الآداب والأحكام ودونك هذه الآداب وتلك الأحكام:

1-  إنّ القرآن الكريم من عند الله وليس من عند بشر، والدليل البدء بهذه الأحرف "ألم"، والإخبار عنها بأنها مادة هذه الآيات التي يتألف منها القرآن الكريم، فهل يستطيع من ينكر هذه الحقيقة وهو يحفظ هذه الأحرف أن يأتي بقرآن مثل هذا القرآن، أو بعض منه: عشر سور أو حتى سورة واحدة، لقد حاول هؤلاء من قبل وعجزوا وبقى العجز ديدنهم، ودأبهم إلى يومنا هذا وسيظل كذلك إلى يوم الدين.

وجاءت آيات أخرى تسند إنزال هذا القرآن إلى الله عزّ وجلّ وحده ومنها قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء/ 192-195)، وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (الدخان/ 3-7)، وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر).

2-     إنّ القرآن الكريم هو تمام وكمال الحكمة والإتقان، قال تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) (لقمان/ 2)، ولم لا يكون كذلك، وقد نزل من لدن حكيم خبير كما أخبر – سبحانه – بذلك في كتابه فقال: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود/ 1)، (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصّلت/ 41-42)، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء/ 82).

3-     إنّ القرآن الكريم مصدر الهداية، والسبب في تنزيل الرحمات ولاسيّما عند تلاوته والعمل بأحكامه وآدابه قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة/ 2)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس/ 57-58).

4-     إنّ المحافظة على الصلاة ومراعاة حقوقها واستيفاء شروطها والإيمان اليقيني بالآخرة ذلك كلّه أبرز صفات المحسنين، الذين تحدثت عنهم الآيات قال تعالى: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (النمل/ 3).

5-     إنّ الإحسان – هو الظفر بكلِّ مطلوب، والفرار من كلّ مرهوب ولاسيّما في الآخرة قال تعالى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لقمان/ 5)، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97)، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون/ 1-11).

 

ما يستفاد من الآيات:

وعلى ضوء ما دلت عليه الآيات يمكن أن يستفاد منها ما يأتي:

1-  الارتماء في أحضان القرآن الكريم، واتخاذ هذا القرآن شرعة ومنهاجاً وعدم الرضا بغيره هادياً ودليلاً، ويعين على ذلك:

أ‌)       أنّ هذا القرآن من عند الله الذي يعلم السرّ وأخفى، والمصلح من المفسد وإذا كان هذا شأن مَنَزِّله، فإنّ هذا القرآن لن يدع شيئاً مما يتصل بحياتنا إلا دخل فيه كما قال سبحانه: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام/ 38)، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل/ 89).

ب‌) أنّ هذا القرآن قد أخرج للإنسانية أعظم الرواد والقادة حين فقهه هؤلاء فارتموا في أحضانه، وعملوا به في كلِّ شأن من شؤون حياتهم وفي كلِّ ناحية من نواحيها، وما ثبت نجاحه ولو مرة يمكن أن يتكرر ألف مرة بشرط أن يأخذه المسلمون بقوة وصدق وإخلاص.

ت‌) إنّ المناهج والأنظمة التي تحاكمت إليها البشرية بالأمس واليوم قد ثبت فشلها، وبانت خسارتها، وما أغنت أهلها الذين قاموا بصنعها وتوريدها للبشرية من شيء فضلاً عن أن تغني فتسعد غيرهم من الناس.

2-  ضرورة الإحسان في كلِّ شيء فقد جاء في الحديث: "إنّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيء"، ويعين على ذلك:

أ‌)       دوام النظر في نعمة الله التي تغمرنا من أعلى إلى أدنى، نعلم منها ما نعلم، ونجهل منها ما نجهل: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان/ 20)، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (إبراهيم/34)، فإنّ شهود النعمة يقود حتماً إلى شهود المنعم، وتلك أولى درجات الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك".

ب‌) سماع صوت الفطرة، ولاسيّما في وقت الشدة والمحنة فإنّه ينادي بأنّ الله عالم بكلِّ شيء، رقيب على كلِّ شيء قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ) (الإسراء/ 67)، (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ) (لقمان/ 32)، (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين) (يونس/ 22).

ت‌) النظر إلى هذا الإحسان وهو الفلاح في الدنيا والآخرة، فإنّ من لاح له بريق الأجر هان عليه ظلام التكليف.

ث‌) محاسبة النفس أوّلاً بأوّل حتى تتعود هذا الإحسان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر/ 18).

3-  ضرورة الاهتمام بالصلاة والزكاة فإنّ الصلاة نور وضياء في ديننا الحنيف، والزكاة برهان الصدق في الالتزام بهذا الدين إذ يقول (ص): "... والصلاة نور والصدقة برهان"، يعين على ذلك:

أ‌)       أن نتذكر أنّ الصلاة هي أوّل ما يحاسب عليه يوم القيامة، فإن صلحت صلح ما بعدها وإن ضاعت ضاع ما بعدها، وأنّ الله بدأ وختم بها صفات المؤمنين في سورتين من كتابه "المؤمنون – المعارج"، وأنّ من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبَيّ بن خلف.

ب‌) وأنّ الزكاة تطهير وتزكية للنفس، (نفس المعطي والآخذ)، وللمال قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة/ 103)، وأنها تكون سبباً في الوقاية من النار، إذ يقول (ص): "أتقوا النار ولو بشق تمرة".

4-  أن تكون الآخرة حاضرة نصب أعيننا في كلِّ شيء، فإنّ ذلك طريق الاستقامة وتقوى الله، وعدم السماع لشياطين الأنس والجن، كما قال سبحانه: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (الأنعام/ 113)، (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) (النمل/ 4)، (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) (المؤمنون/ 74)، وقال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر/ 92-93)، وقال (ص): "لن تزولا قدما عَبْدِ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ وعنْ مالَه من أين اكتسبه وفيما أنفَقَهُ وعن عِلمِهِ ماذا عمل به".

ويقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (لقمان/ 6-7)، يقول الحافظ ابن كثير –رحمه الله – في بيان مناسبة هاتين الآيتين لم قبلهما: "لما ذكر تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استعمال المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب".

وذكر الحافظ السيوطي سبب نزول هاتين الآيتين نقلاً عن ابن جرير الطبري فقال: "أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قوله: ومن الناس من بشتري لهو الحديث – قال: نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية، وأخرج ابن جويبر عن ابن عباس قال: نزلت في النضر بن الحارث اشترى قينة (أي جارية مغنية)، وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فقال: أطعميه واسقيه، وغنيه، وقال: هذا خير مما يدعوك إليه محمّد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه فنزلت الآية".

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1962 لسنة 2011م

ارسال التعليق

Top