للقاص عطية زهري
رواية جديدة ترفد الأدب الإسلامي، وتخص أدب الأطفال والفتيان لأنها تمزج بين الحقيقة والخيال، وتعني بنواحي التربية والإعداد لشباب المسلمين، وهي تصور المجتمع الإسلامي الذي يتشكل رويداً رويداً، بالدعوة الصادقة إلى الله عزوجل على بصيرة، والإعداد الجيد القائم على فهم كتاب الله، وسُنة رسوله، والتفقه في دين الله عزوجل والالتزام بشريعة الله في كافة الشؤون. إنها ترسم للفتى المسلم طريق الإعداد الحقيقي ليكون مسلماً واعياً، يعبد الله على بصيرة، وينهض بمسؤوليته على هدى من الله وبصيرة. وتبين للشاب المسلم أن تحمل المسؤولية لا يقوم على جهل وعاطفة، وإنما يحتاج إلى التفقه والعمل والإعداد الشامل، وتبين أيضاً أنّ هدف المسلم هداية الناس، وإنقاذهم من الضلال الذي يتبعه الظلم والفساد والطغيان وشتى الشرور والآثام والآلام.
تتحدث الرواية عن ملك ظالم، يعيث في الأرض فساداً، ويستعبد الناس ويأمرهم أن يتركوا كل ولاء لغيره، فهو الملك وهو الآمر الناهي، وهو المعبود من دون الله عزوجل. لقد منع إقامة شعائر الله، وطارد العلماء والدعاة إلى الله. واستخدم الكاتب بعض الرموز التي تتناسب مع الشخصيات والأحداث، والأفكار. فالسلطة الطاغية المتجبرة رمز لها بالقمة والمطاردون من العلماء والدعاة والمظلومين يهربون إلى السفوح والغابة، والشاب الذي ينشأ مسلماً واعياً، يفهم دينه، فيحفظ كتاب الله، ويدرس حديث رسول الله (ص)، ويفهم شرع الله ويدرس التفسير والسيرة، والتاريخ والفقه، هذا الشاب يرمز له باسم (المحمدي). وابنة الملك التي تهتدي على يد العالم الداعية والد المحمدي يرمز لها باسم (جميلة)، وكلها رموز لها علاقة بصفة صاحبها. ونتيجة لطغيان الملك، وملاحقته للعلماء، ومحاولته القبض على العالِم (والد المحمدي) الذي كان يعلم الناس دينهم، ويدعوهم لرفض العبودية لغير الله، نتيجة لذلك يهرب العالِم، مع زوجته التي فقدت بصرها وولده المحمدي ليعيشوا على أطراف الغابة، ويختار لهم العالِم مغارة بعيدة ومخبأً سرياً يصل إليه عبر سرداب مغلق لا يعرفه غير زوجته.
وتبين القصة كيف يربي العالِم أُسرته، حتى تصبح الزوجة عالِمة تحفظ كتاب الله مع ولدها، وتعرف سُنّة النبي (ص) وتدرس شريعة الله، وتتدرب على مواجهة كل ظروف الحياة، فالعالِم يتقن الرمي والصيد ويستطيع تأمين حاجات أُسرته من الغابة، وكذلك يدرب ابنه على ذلك، ويربيه التربية الإسلامية الصالحة.
وينشأ المحمدي وقد عرف حقائق الحياة، وتفقه في دين الله.
وأما الملك فلقد استمر في مطاردة المؤمنين، وبعث جنوده ليبحث عن العالِم الصياد حيث اتهمه بخطف ابنته (جميلة) التي اختفت من القصر، وفي أحد الأيام ألقت إحدى الدوريات لجنود الملك القبض على الصياد العالِم، وأَسَرَتْهُ، وأخذته للملك فزج به في السجن، وتوالت إرساليات الملك لمطاردة الهاربين من طغيانه.
ونهض المحمدي، الفتى الصغير بمسؤوليته بعد سجن والده، فصار يحصل على حاجات الأسرة، يصطاد ويقدم ما تحتاجه والدته. ويتابع دراسته معها. وفي أحد الأيام استطاع قتل نمر في الغابة، ثم أخذ جلده ورأسه، واستخدمه للتخفي بواسطته، والتظاهر بأنّه وحش مفترس إذا واجهته طوارئ صعبة.
وبهذه الطريقة استطاع قتل بعض جنود الملك، وسلب سلاحهم، ثم التقى فجأة بابنة الملك الهاربة (جميلة) التي كانت تبحث عن العالِم، وبعد أن اطمأنت للمحمدي ذهبت معه إلى المغارة، وهناك عاشت مع والدته، وتعلمت أمور دينها، والقيام بمسؤولية البيت، وتعلمت بعد ذلك الصيد، والرمي، وبدأت تشعر بمسؤوليتها تجاه دينها ومجتمعها. وانتشرت في الغابة المجموعات التي خرجت على سلطان الملك الطاغية، وأكثرها من العصابات التي لا تريد غير السلب والنهب، ما عدا مجموعة واحدة التقى بها المحمدي، وكانت تريد عبادة الله عزوجل والخلاص من حكم هذا الطاغية الكافر، فأنس بهم وأنسوا به، وكوّنوا معاً مجموعة تسعى لفهم كتاب الله، ومواصلة الدعوة.
كان طريقهم طريق الدعاة الذين يدرسون كتاب الله وسنة رسوله، ويعلمون أمور دينهم، ويتأدبون بأدب الإسلام، ويتخلقون بأخلاقه ويبنون حياتهم على أساس الأخوة والتعاون، والسعي لمرضاة الله عزوجل.
ونجحت هذه المجموعة بالاتصال بالمجموعات الأخرى الخارجة على سلطان الطاغية، والعصابات التي خرجت للسلب والنهب فاستطاع المحمدي إقناعهم وهدايتهم، وبدأ بتعليمهم أمور دينهم ثم تعاونوا جميعاً على تكوين جيش مؤمن، يعبد الله، ويلتزم بشرعه، ويتدرب على قتال الكفار، ويتهيأ لإقامة شرع الله وتحرير الناس من الطاغية والفساد.
واستطاع هذا الجيش أن يزحف على القمة، وشاركت في ذلك ابنة الملك جميلة التي خرجت على فرسها ودخلت قصر أبيها مع الجيش المسلم الذي انتصر على جيش الكفر واستولى على القصر، وخضع الملك الذي رأى نفسه بين يدي ابن العالِم الذي سجنه، وبين يدي جند الإيمان، ومعهم ابنته المؤمنة، فضرب المسلمون المثل الحسن، فلم يريقوا الدماء، وإنما دعوا الملك للإيمان والتوبة، فتاب وأسلم وزوّج ابنته للمحمدي وعادت المملكة إلى حياة الإسلام والسلام والطمأنينة والعدل والإرخاء.
لقد أراد كاتب القصة أن تكون روايته هذه للفتيان والأطفال. ولذلك كان الخيال عنصراً أساسياً فيها، ولكنه الخيال الإيجابي الذي يعزز صفات الشجاعة، والأمل، والثقة بالله، والطمأنينة إلى وعد الله، وعدم الخوف .. إلخ.
وكانت صور البطولة والشجاعة والوعي تتمثل بالفتى المحمدي الذي تربى في أسرة مسلمة، وبجميلة التي هربت من حياة الترف لتحفظ دينها. وكانت تربيتهما تعطي نموذجاً وتوضح منهجاً لتربية الأطفال، وتحدد المسؤولية الملقاة على الأبوين.
وجميلة كانت مثال الفطرة السليمة التي تستجيب للخير مهما كانت ظروفها، إذا أحسن الدعاة مخاطبتها.
والقصة بعمومها تبين كثيراً من الخطوط المهمة في مسائل التربية، والدعوة، والإعداد المتكامل.
المصدر: في القصة الإسلامية المعاصرة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق