وهو النظام الذي يُبيِّن لنا كيف نحصل على الثروة، وكيف نستثمرها، وكيف ننفقها ونوزِّعها.
والنظام الاقتصادي الإسلامي يريد أن يحقِّق العدالة بين الناس لكي لا يبقى أحدٌ فقيراً محتاجاً.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) (النحل/ 90).
أسس توزيع الثروة في الإسلام:
نقصد بالثروة الأموال والممتلكات التي ينتفع بها المسلمون كالأراضي والمعادن والنقود والحيوانات والمياه والغابات والمزروعات والأطعمة والملابس والأثاث ووسائل النقل والدور وغيرها.
فالله سبحانه قد خلق للإنسان كلّ ما يحتاجه لحياته في هذه الأرض، وجعل فيها ما يكفيه ويسد حاجته، فليس هناك نقصٌ في الخيرات ولا في الرزق، ومن حقِّ كلّ إنسان أن يأخذ من هذه الخيرات التي خلقها الله سبحانه، فهي للناس جميعاً.
قال الله تعالى: (وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ) (الرحمن/ 10).
ولكن الدِّين الإسلامي قد وضَّح لنا كيفية الحصول على هذه الخيرات وامتلاكها، فالإنسان يحصل عليها ويمتلكها عن طريقين هما:
1- العملُ: قال الله تعالى:
(فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15).
فالإنسان يعمل ويكسب من الخيرات بقدر ما يستطيع، عن طريق الزراعة، أو الصناعة أو التجارة أو الحِرَف والمِهَن المختلفة.
وهذا هو الأساس الأوّل للحصول على المال والثروة والرزق. فالإنسان يملك ما يحصل عليه بسبب جهده وعمله.
2- الحاجةُ: فالإنسان المحتاج الذي لا يحصل على الأشياء التي يحتاجها بسبب مرضه أو كِبَر سنّه أو عجزه عن العمل، أو عدم وجود عملٍ، أو أنّ واردهُ لا يكفيه، فعندئذٍ يُعطى هذا الإنسان المحتاجُ من الأموال العامة: كالزكاة والخمس أو المساعدات من الدولة الإسلامية، فكلُّ إنسان مضمون المعيشة في الإسلام، وعلى الدولة أن توفِّرَ له حياةً معاشية لائقةً به، من السكن والطعام والتعليم والعلاج وغيره، إذا كان عاجزاً عن ذلك، أما إذا كان يستطيع العمل ولا يعمل، فلا يعطى شيئاً من المعونات المالية: كالزكاة والخمس والصدقات أو معونات الضمان التي تقدِّمها الدولة للعاجزين.
إنّ الإنسان يريد من الإنسان أن يكون عاملاً منتجاً نشيطاً يعتمد على نفسه في توفير حاجته ورزقه.
مشكلة الفقر وحلُّها في الإسلام:
"إنّ الله عزَّ وجلَّ جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، ولَوْلا ذلك لزادَهُم، وإنما يؤتَوْنَ من منع مَن منعهم"[1].
من هذا النص الشريف نعرف اهتمام الدِّين الإسلامي بمعالجة مشكلة الفقر والقضاء عليها، وإنقاذ الناس من شرورها، فالفقر مشكلةٌ خطِرةٌ على حياة المجتمع، وهي سببٌ من أسباب التأخُّر والإنحطاط، فكثيراً ما يكون الفقر سبباً للجهل والجريمة والمرض والكفر والفساد، لذلك إهتم الإسلام بمعالجة هذه المشكلة وشرع القوانين والتوجيهات الكثيرة لحلِّها كفريضة الزكاة التي أوجبها اللهُ على الأغنياء، والحَثِّ على العمل، والنهي عن التبذير والاحتكار وغيرها.
وفيما يأتي أهم أسباب الفقر في نظر الإسلام:
1- قلَّة الإنتاج.
2- سوء الاستهلاك.
3- سوء التوزيع.
1- قلَّةُ الإنتاج:
إنّ أحد أسباب الفقر هو قلّة إنتاج المواد والسِّلَع والأشياء التي يحتاجها الإنسان كالطعام واللِّباس وغيرهما من المواد والحاجات.
ومن أسباب قلّة الإنتاج ما يلي:
(أ) الكسل والبطالة: وقد نهى الإسلام عن الكسل والبطالة، وأمرنا بالجدِّ والعمل والسعي من أجل كسب الرزق وتحصيل الحاجات، واعتبر العمل عبادة يحبها الله.
قال الله تعالى:
(فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/15).
وقال رسول الله (ص):
"إنّ الله يُحِبُّ المحتَرِفَ[2] الأمين".
وقد سمّى الرسول الكريم (ص) العمل وطلب الرِّزق بـ"الجهاد الأكبر".
(ب) الجهل بعلوم الصناعة والزراعة وغيرهما يعتبر سبباً من أسباب قلّة الإنتاج. فالإنسان الذي يعرف كيف يصنع الآلات والأدوات التي تساعده على زيادة الإنتاج، ويعرف كيف يحسنها ويطوّرها، يستطيع أن يوفّر إنتاجاً كثيراً وجيداً، وبالتالي يسدُّ حاجة المجتمع من الغذاء واللباس والسكن والدواء والحاجات الإنسانية الأخرى.
وقد أمرنا الإسلام بطلب العلم والتفكُّر وتطوير الحياة عن طريق الاكتشاف والاختراع والصناعات المختلفة.
فقد قال رسول الله (ص):
"طلب العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم ومسلمةٍ".
وهكذا يعالج الإسلام مشكلة الإنتاج، ويدفع الإنسان لزيادته عن طريق العلم والاختراع والعمل والنشاط، واستعمال أفضل الوسائل في العمل والإنتاج.
2- سوء الاستهلاك:
والسبب الثاني من أسباب الفقر، هو سوء الاستهلاك، ونعني به، التبذير والإسراف، أو استعمال الأموال والثروة وصرفها في الأشياء المحرمة كالخمر والرقص والغناء والفساد وصناعة الأسلحة المدمِّرة للبشر وأمثال ذلك.
إنّ سوء الاستهلاك يتلف الثروة والأموال، ويحرم الإنسان منها، ويسبِّب الفقر والحاجة.
لذلك حرَّم الإسلام التبذير والإسراف وصرف الأموال في الأعمال المحرمة ليجعل الثروة والمال لسد حاجات الإنسان، والقضاء على الفقر.
3- سوء التوزيع:
ونقصد به حصول فئةٍ من الناس على المال والثروة بكمياتٍ كبيرةٍ، وحرمان فئةٍ أخرى من سدِّ حاجات العيش.
فينقسم المجتمع إلى طبقتين:
1- طبقة الأغنياء، أصحاب الثروة والأموال.
2- طبقة الفقراء والمحرومين، كما في النظام الرأسمالي وأمثاله من النظم التي وضعها الإنسان.
إنّ الدين الإسلامي قد أوجب العدالة في توزيع الثروة والأموال، ليعيش الجميع عيشةً مرفَّهةً كريمةً. فحرّم الرِّبا والاحتكار، وجعل القوانين المالية، مثل قانون الزكاة والخمس والكفارات والنذور والصدقات، وغيرها، وتكوِّن هذه الأموال ثروة كبيرةً تؤخذ من الأغنياء، والأشخاص الذين تجبُ عليهم، وتعطى للفقراء والمحتاجين.
كما تقوم الدولة الإسلامية بتوفير مجالات للعمل والإنتاج لكلِّ العاطلين، وتقدِّم المعونات والمساعدات المالية للمحتاجين والعاجزين، كالشُّيوخ والأطفال والمرضى والفقراء الآخرين.
وقد حرّم الإسلام الرِّبا، والرّبا هو الرِّبح الذي يأخذهُ الدّائنُ من المدين، كما تفعل البنوك والمصارف والشركات والأشخاص، حرَّمه الإسلام لكي لا تجتمع الأموال عند فئة من الناس، وتحرم منها فئةٌ أخرى.
كما حرّم الإسلام الاحتكار: وهو عبارةٌ عن حجز السِّلَع والمواد الضرورية التي يحتاجها الناس – كالطّعام – وعدمُ إنزالها إلى السوق لتزداد حاجةُ الناس إليها فيشتروها بأثمان غاليةٍ.
لقد حرَّم الإسلام الاحتكار لكي لا يتلاعب التُّجّار بالحاجات الضرورية، أو بأسعار الأشياء، فيجمعوا الأموال الكثيرة، ويحرِّموا عامة الناس منها.
الخلاصَةُ:
1- إنّ النظام الاقتصادي، هو النظام الذي يُبيِّن لنا كيف نحصل على الرزق والمال، وكيف ننفِقُ ونتصرَّف في الأشياء التي نحصل عليها، وكيف نحقِّق العدالة المعاشية بين الناس.
2- إنّ نظام الاقتصاد في الإسلام قائمٌ على أساس العدالة، وتوفير حاجات الناس، لإنقاذهم من الفقر والحاجة.
3- إنّ سببُ الفقر هو: البطالة، وسوء الاستهلاك، وسوء التوزيع، والغشُّ، والتلاعب بالأسعار.
4- إنّ الإسلام حرَّم الرِّبا، والاحتكار، وأوجب الفرائض المالية، كي لا تجتمع الأموال عند فئةٍ من الناس، ويحرم الأكثرية، فيعيشوا فقراء محتاجين.
5- إنّ الإسلام عندما حرَّم الإسراف والتبذير، وحرَّم الغناء والرقص، وشرب الخمر، والقمار، وأمثالها، حافظ على الثروة البشرية من التلف والضياع، وجعلها لسد الحاجات وتوفير الغنى لجميع الناس.
6- أوجب على الدولة الإسلامية أن تتكفل الفقراء، والعاجزين عن العمل، الذين لا يجدون مصدراً للعيش، ولا يجدون مَنْ يكفلُهُم.
الهوامش:
[1]- الكليني، الكافي، ج3، ص497، ط3.
[2]- المحترف: صاحب الحرفة؛ كالنّجار والخيّاط وغيرهما من أصحاب الأعمال.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق