◄من هو الإنسان في تكوينه النفسي..؟ أهو ابن القرون الأولى..؟ أهو ابن القرون الوسطى..؟ أهو ابن القرون الأخيرة لاسيّما العشرين الميلادي..؟ انّه في كلِّ القرون منذ أوّل عهده مع الأرض وإلى يوم يبعثون هو الإنسان ذو النفس التي تشترك لدى كل البشر في أساسيات تكوينها وأصول فطرتها.
سيقال انّه عالم رحب فسيح ذلك هو عالم النفس الإنسانية منذ الإنسان الأوّل وإلى الإنسان الأخير بمختلف الأزمنة وتباين الأمكنة وشتى المؤثرات وتغاير النوازع وتناقض التطلعات..!
وقد يبالغ البعض فيقول انّه عوالم من الأنفس وبمقتضى عدم التطابق يزعم انّ لكلِّ نفس عالمها الخاص الذي لا تنضبط وتقاد فيه إلّا بقانون يصلح لها دون اشتراك نفس أخرى معها أي أنّ لكلِّ نفس مقادها المستقل ومنظم شؤونها المستقل وقانونها المستقل..!
حسناً.. ما رأيك بأنّ هناك قانوناً أوحد وضع ليحكم الأنفس منذ أوّل نفس منها وإلى آخر نفس تلتزمه كلّ الأنفس فيستقيم شأنها ويلبي جميع متطلباتها ويعطي للحياة أسمى مبرر للكينونة والوجود..!؟
تسألني عن هذا القانون الأوحد أو المنهج المحيط بالنفس الإنسانية ما هو..؟ دعني الآن أؤجل الإجابة لاسألك: قل لي من بمقدوره أن يعد قانوناً أوحد لكلِّ البشرية من مبتدئها إلى منتهاها فوق الأرض..!؟
أظنك تستعرض بذهنك الآن صعوبة تشريع قانون وضعي يحكم جزءاً جد بسيط من مجتمع العالم في قرننا الحالي مثلاً ولفترة جد يسيرة بحيث يكون خالياً من الثغرات والنواقص والتناقضات.
كيف إذن بهذا القانون الأوحد الذي يجمع البشرية كلها عليه إيماناً بدون حدود وتطبيقاً منقطع النظير رغم الفروق النفسية الهائلة بين عصر وعصر ومكان ومكان ومجتمع ومجتمع وإنسان وإنسان..!؟
وأريدك أن تدع سؤالي جانباً وتتفكر قبل الجواب عليه بخلق الإنسان وتصميم الأنفس وفق الطراز الذي نراه سواء ما تتبعناه عبر التاريخ منذ أقدمه وهذا النموذج الماثل أمامنا أنت وأنا والآخرين.. ألا يدعو هذا الأمر كلّ عاقل أن يتفكر فيه لينظر من أين جاء الإنسان..!؟ وماذا..!؟ وكيف بلغ ما هو عليه..!؟ وإلى أين المصير..!؟
ويحسن في هذا التفكير أن يكون المرء مستقلاً عن تأثيرات المحيط والاستقراءات الجاهزة لمن أقاموا أنفسهم أوصياء على البشر لأجل تنمية أطماعهم الخاصة ونزعاتهم الشريرة.
أعتقد انّ مسألة الخلق والخالق ستتفاعل عميقاً لدى التفكير والتحري والتحليل والاستنتاج حتى يصل الإنسان لاسيّما ذي القدر المحترم من غناء المعلومات وجودة الرأي وسداد العقل إلى انّ المخلوق الإنساني ينطق كلّ جزء فيه ويشير إلى إبداع الخالق وتدبير الخالق وعظمة الخالق ثمّ يرى نفسه في نهاية المطاف واقفاً على الجسر القائم بين الله تعالى وعباده الصالحين.
وبعد هذا الاقتناع أجدك تجيبني على السؤال المطروح آنفاً خير إجابة تدل على فكر سليم وعقل رصين.. ستقول: انّ الله تعالى خالق الإنسان ومبدعه ومدبر شؤونه والمهيمن على كلِّ مقدراته في الدنيا والآخرة لهو جلّ جلاله أقدر على إيجاد ذلك القانون الأوحد وأحقّ من سواه بفرض هذا القانون على عباده.
ومن يا ترى يكون سواه..!؟ أمخلوق من مخاليقه يمكن أن ينافسه في إيجاد القانون وينازعه هذا الحقّ..!؟ هراء، إذ لا أحد يستقل بهذا الاختصاص غير الخالقّ ولا أحد بمقدوره أن يضارعه ولو بجزء ضئيل مهما كان يسيرا.
حسناً.. نأتي الآن إلى القانون الأوحد الذي سنه الخالق عزّ وجلّ للبشرية كلها على لسان الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وتضمنته الكتب المنزلة التي تدور تفاصيلها حول محور القانون الأوحد ورغم تنوع موضوعات التفاصيل ورغم انّ كلّ رسالة جاءت استكمالاً للتي سبقتها حتى اكتملت كلها بالإسلام المهم انّ البشرية منذ أوّل أيامها كانت مستعدة لتطبيق هذا القانون الأوحد وتبقى هكذا حتى لو بلغت الحياة أوج رقيها المادي إذ انّ تفاصيل الرسالات المتدرجة مع البشر في مسألة الارتقاء المادي تكفلت بمعالجة وضبط هذا الأمر وبما يؤدي أخيراً إلى أفضل التزام بالقانون الأوحد وأسمى تطبيق له.
وإليك هذا القانون مجملاً بكلمات ربانية عددها قليل ولكن مدلولها بضخامة مجموع الرسالات والتعاليم التي جاء بها الرسل والأنبياء إلى البشر على مدى قرون لا يحصيها إلا الله عزّ وجلّ: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ...) (النحل/ 36).
وتأمل: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر/ 24)، (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (النساء/ 163-164)، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 25).
وكما ترى فإنّ هذه الآيات تخبرنا انّ التوحيد كان المحور الأساسي لجميع الرسالات، أما التفاصيل فكان شأنها في كلِّ حقبة هو تمكين البشرية من تحقيق منهج التوحيد وفق إرادة الخالق في التدرج مع عباده بتفاصيل التكليف من حدها الأدنى الوارد بأوّل الرسالات ووصولاً إلى حدها الأعلى وهو اكتمال الدين بآخر الرسالات.
وفي هذا الموضوع جانب على قسط كبير من الأهمية هو ضرورة التأمل في انّ الله تبارك وتعالى بكونه خالق النفس الإنسانية عارف بتفاصيل تكوينها يعرف الزوايا والمنعطفات والضيق والسعة في دهاليزها ولا تخفى عليه رغباتها الكاذبة منها والحقيقية مهما تموهت ولا تفلت منه أي حركة فيها بكلِّ ما يرتبط بها من دوافع وأغراض (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) (الشمس/ 7)، وهو سبحانه خبير بما يصلح شأن هذه النفس في الحياة التي انشأها هو أيضاً وفق ما يريد من النفس أن تؤديه (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس/ 14).
فالله جلّ ثناؤه وحده القادر على الإحاطة بالنفس التي تكاد تبدو لمخلوق آخر سواها أشبه بعالم مجهول الأبعاد والأعماق والمفردات وهو وحده القادر فعلاً على وضع قانون يحكم البشر في ضوء تكوينهم الذي أبدعه هو ويدبر شأنه هو.. انّه قانون معجز حقاً في نظر العقلاء كما الإنسان خلق معجز حقاً في نظرهم.. إعجاز يليق بإعجاز ولا يعطي ثماره الكريمة إلّا في ظروف هذا التجانس والتلاقي..!
اما سوى الله تعالى من المخاليق إن أراد أن يشيح بوجهه عن أمر الخالق وينازعه الحكم فيشرع للناس ما يستعبدهم به – في المحصلة النهائية شاء ذلك أم أبى – تحت أي واجهة من التبريرات فشأنه عجيب حقا..!
انّه أعمى واتباعه أشد منه عمى..!
قرأت لكاتب فاضل قوله: "الإنسان يفسد ويصلح تبعاً لوحي غريزته وخضوعاً لهوى منفعته.. وهل الإنسان إلّا كائن تؤثر فيه تيارات مختلفة تعصفت به مرة وتغرقه أخرى، تنأى به عن شاطئ الأمان وقلما توصله إليه.. تيارات لا تكاد تنحصر.. وراثة تحمل خصائص آباء وأُمّهات امتد بهم الماضي السحيق وبيئة تحيط به من كلِّ مكان، مشاعر نفسية عديدة يتكون منها مزاجه فيعتل أو ينحرف.
وكما انّ الإنسان ابن أبويه هو ابن شعبه أيضاً تحد من رغباته الخاصة قيم مجتمعه بصرف النظر عن سلامتها أو ضآلتها تتحكم فيه طريقة حياته وأسلوب معيشته وسائر ظروفه الشخصية.. وكلّ هذه بلا شك مؤثرات على فطرته وفكره وأخيلته وعواطفه.. فإذا طالب غيره أن يحتكم إلى ما يراه هو خاصة أو يحس به كان متجنياً على غيره الذي يخالفه فيما يرى ويحس"[1].
من خلال ملاحظتي لأكثر القوانين والمبادئ التي دبجها يراع البشر لتكون بديلاً عن منهج الله وملاحظتي لأكثر مجتمعاتها وجدت انها تتحاشى تناول الأفق الداخلي للإنسان لأنها تعتبر ذلك (الأفق المغمور) أشبه بالدهليز المظلم أو العالم المجهول الذي يجرها إن هي دنت منه إلى جوانب لا تريد الاقتراب منها إذ تخشى (التورط في الغيبات) كما يبرر هذا الهروب بعض المتفلسفين..!
ومن هنا نرى انّ الأفق النفسي قد ترك في قبة القوانين الوضعية لكلِّ فرد يتصرف فيه كما يشاء وكما يجتهد وكما يحلو له ما دام لا يخرج على الإطار العام لهذه القوانين..!
ولقد سمعنا صيحات كثيرة تتردد من اتباع هذه القوانين تقول انّ هناك أسئلة على جانب خطير من الأهمية لا تجد جواباً في إطار المبدأ الأرضي المعتنق ولا لدى مؤلفيه من القادة والمفكرين.
وكثيراً ما كانت هذه الصيحات المفعمة نفوس أصحابها بالقلق والحيرة والاضطراب سبباً يدعو إلى لفظ تلك المبادئ بعد الضيق بها ذرعاً إذ انها تفتقر إلى الاستيعاب المنطقي المقبول لتساؤلات النفس التي يجدها المعاني أساسية في الغالب وليست هي من قبيل الأمور التي لا يتدخل فيها المبدأ ولا تعنيه، فإذا كان المبدأ الأرضي المعتنق لا يتدخل في مثل هذه الحاجات الأساسية فبماذا يتدخل..!؟
أهو يهتم بالقشور وتنميقها ولا يلتفت إلى الجوهر..؟! (إذن فليذهب المبدأ إلى الجحيم).. هذه آخر عبارة يطلقها الكثيرون وهم يديرون ظهورهم متجهين إلى ما يشفي الغليل ويذهب السقم ويجد التجاوب المعقول والعميق في أغوار النفس..!
يقول هذا كلّ واحد من هؤلاء رغم طول الزمن الذي أمضاه في أحضان ذلك المبدأ الملفوظ، ويكفر به رغم انّه كان (الموجه والملقن والمانح للفرص والمعزز للتجربة)..! (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ) (الرعد/ 17).
عيب يشين آدمية الإنسان ويزري بكلِّ قيمه إن هو نحّى قوانين الخالق جانباً واستمد قوانينه من مماثل له في الإنسانية.. انّ العمى هو الذي يدفع الإنسان إلى ارتضاء ذلك عندما يتشبث بمصالح مهما كانت في نظره ذات حجم فهي صغيرة جدّاً فنراه لا يبالي لأجل هذه المصالح أن يهدر كرامته ويرتضي لنفسه الهوان مؤلها أحد المخاليق تحت أي ستار وناسيا الخالق الذي لا تخفى عليه خافية.
والإنسان العاقل يقتضيه الأدب الجم مع ربه قبل مسألة أن تكون قوانين الله المراد تطبيقها على العباد في شؤون حياتهم هي أحقّ واجدى من سواها بالالتزام والتنفيذ أن لا يسلم قياد نفسه إلّا لمن خلقها نعم الخلق وسواها أبدع التسوية ودانت له بحقِّ العبودية حتى لو عرضت أمامه قوانين المخاليق بأزهى حلة وسار في موكبها أكثرية الناس وحتى لو كانت هناك من يطبق قوانين الله بما يسيء إليها وحتى لو كانت الأقلية تلاقي من أجل تمسكها بقوانين الله عذاب أشد المخاليق جبروتا.
وما أقوله هنا ليس افتراضات بل يخبرنا القرآن الكريم انّ أشياء من ذلك قد حصلت فعلا.. لنقرأ قوله تعالى وهو مثل واحد: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج/ 4-10).
الموضوع المباشر الذي تتحدث عنه هذه الآيات هو (انّ فئة من المؤمنين قبل الإسلام قيل انّهم من النصارى الموحدين ابتلوا بأعداء لهم طغاة أشرار قساة أرادوهم على ترك عقيدتهم والارتداد عن دينهم فأبوا وتمنعوا بعقيدتهم. فشق لهم الطغاة شقاً في الأرض وأوقدوا فيه النار وكبوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقاً على مرأى من الجموع التي حشدها المتسلطون لتشهد مصرع الفئة المؤمنة بتلك الطريقة البشعة ولكي يتلهى الطغاة بمشهد الحريق يحوّل أجساد المؤمنين إلى رماد.
وما كان لهؤلاء المؤمنين ذنب عندهم ولا ثأر: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) فهذه جريمتهم أنهم آمنوا بالله العزيز القادر على ما يريد الحميد المستحق للحمد في كلِّ حال والمحمود بذاته ولو لم يحمده الجهّال..! وهو الحقيق بالإيمان والعبودية له.
لقد كان في مكة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم مقابل الهزيمة لإيمانهم. ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم في الدنيا قبل الآخرة..؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر..؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير: معنى رخص الحياة بدون عقيدة وبشاعتها بلا حرية وانحطاطها حين سيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد..! انّه معنى كريم جدّاً ومعنى كبير جدّاً هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض.. ربحوه وهم يجدون مس النار فتحترق أجسادهم، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار..! وبعد ذلك لهم عند ربهم حساب ولأعدائهم الطاغين حساب.
انّ عبيدا من رقيق هذه الأرض، عبيد الواحد من البشر ليلقون بأنفسهم إلى التهلكة لكلمة تشجيع تصدر من فمه أو لمحة رضاء تبدو في وجهه وهو عبد وهم عبيد فكيف بعباد الله الذين يؤنسهم الله بوده الكريم الجليل، الله (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ)، العالي المهيمن..!؟ ألا هانت الحياة وهان الألم وهان العذاب كلّ نفيس عزيز في سبيل لمحة رضى يجود بها المولى الأوحد العظيم.
فماذا تكون الحياة التي يضحي بها المؤمن وهي ذاهبة لا محالة..!؟ وماذا يكون العذاب الذي يحتمله وهو موقوت غير دائم بل بعده الجزاء الكريم..!؟ ماذا يكون هذا كله إلى جانب قطرة من ود الله وإلى جانب لمحة من ذلك الإيناس الحبيب..!؟)[2].
والآن يا صاحبي دعنا نتساءل: هل شهد التاريخ البشري تضحيات من أجل المعتقد على هذا المستوى الوارد في سورة البروج مثلا!؟ الجواب لا بالتأكيد..! ولا كيف ينوه ربنا بعباده هؤلاء في كتابه الخالد والنص لا يخلو من إيماء المباهاة بهم والحث على الاقتداء بصلابتهم!؟ وفي الحقِّ أنهم أهل لما حازوه من تشريف وتكريم دون التقليل من تضحيات أخوتهم في الإيمان على مدار الزمان..!
انّ الفرق بين تضحية لأجل انتصار منهج الله وبين تضحية لأجل قانون وضعي من صنع المخاليق لهو أشبه بالفرق بين الفوز بالجنة وبين إلقاء النفس في التهلكة وكذلك أشبه بالفرق بين خلق أبدعه الحكيم الخبير ويقوم على تدبيره أبداً وبين دمية يصنعها الإنسان يحف بها الفناء من كلِّ جانب ويجللها النقص الكبير لأنّها عديمة الروح وتفتقر إلى الإبداع.
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ...) ..!؟ (النحل/ 17)، أفمن يخلق الخلق العظيم وبيده مقاليد كلِّ شيء كمن هو مخلوق ولا يملك من أمر نفسه شيئاً..!؟ انّها لسخرية كبرى أن يعطي إنسان قياد نفسه لإنسان آخر مماثل له في الإنسانية بدل أن يقدم هذا الحقِّ لخالقه رضوخاً للعبودية واحتراماً لوضع الأمور في نصابها..!
الهامش:
[1]- الدكتور محمد القيعي مقاله (منطق المسلمين في التسليم والنظر) المنشور في مجلة الفيصل السعودية، عدد شباط 1983م.
[2]- (في ظلال القرآن) المجلد الثامن، ص525-531 بتصرف قليل.
المصدر: كتاب الله يخاطب العقول
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق