• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العمل الإيجابي للإسلام

الشيخ عبدالله عبدالغني الخياط

العمل الإيجابي للإسلام
استهل المقال بالعبارة الآتية – وهي لأحد المتحمسين للإسلام من أبنائه الغيورين عليه، الداعين للعمل الإيجابي من أجله يقول... إذا انهزم دينك بين يديك فلم تمسح عنه غباراً – وأقبل عليك الجمهور – أي يستنجد بك ويطلب منك الإسهام في العمل للإسلام، فكان قصاراك أن تبدأ معه حديث ألف ليلة – لا ينتهي كلام حتى يتبعه كلام – فكن كما تريد، ولكن إحذر أن تحسب نفسك رجل الإسلام أو حامل لوائه أو ترجمان دعوته.   -        منهج حياة: وإذن فلابدّ من العمل الإيجابي من أجل الإسلام عن واقع ودون تهرّب. فالإسلام جعله الله منهجاً للحياة – والحياة في كل دروبها وكل مقتضياتها وكل أساليبها ومناحيها في حاجة إلى العمل الإيجابي وإلى تضامن الجهود – والمتأخر عن ركب العاملين أو المتقاعس عن حمل مسؤوليته تجاه هذا المنهج هو عضو أشل أو هو عبء ثقيل على الإسلام وأهله، لا يصح أن يحسب نفسه إلا في عداد الثرثارين الذين يقولون ما لا يفعلون فإذا حزب الأمر وجدّ الجد وطلب منه القيام بقسطه في العمل الإيجابي للإسلام، كمسلم في أي مجال لنصر الإسلام ودعمه أو الوقوف إلى جانب العاملين تخلى عن واجبه وترك موقفه في الصف وأخذ كما وصف واقعه الكاتب آنف الذكر – يبدأ مع الجمهور العامل، حديث ألف ليلة، لا ينتهي من كلام حتى يتبعه كلام، ولعلّ هذا هو صنيع الكثيرين في أعقاب الزمن لإختلاف نظرتهم عن الإسلام عن نظرة سلفهم الكرام، إذ كانوا يفهمون أي السلف انّ الإسلام هو منهج للحياة، بمعنى أنّه يجب أن يكون المهيمن على تصرفات المسلم وشعوره ونزعاته وأفكاره وإنفعالاته وإتزانه، وفي عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، تمشيّاً مع ما جاء به الإسلام وأن لا تكون له الخيرة من أمره بعد أن يقول الإسلام كلمته في أي موضوع يتصل بحياة الإنسان – ذلك انّ الإسلام كما يقول أحد العلماء عن فهم السلف له... الإسلام الذي فهمه الرسول (ص) وفهمه عنه أصحابه وأتباعه – هو إسلام النفس لله – هو أن يكون كيان المسلم متوجهاً إلى الله، هو أن تكون أفكار الإنسان ومشاعره وسلوكه العملي محكوماً بالدستور الذي أنزله الله. إنّ الإسلام نظام متكامل كما يشمل العبادات يشمل المعاملات وسياسة المال، والحكم والحرب والسلم وينظم العلاقات بين المجموع ويقيم عدالة اجتماعية تحفظ التوازن في الأُمة وصدق الله إذ يقول: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ...) (النحل/ 89)، نقل الحافظ ابن كثير – رحمه الله – قول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود (رض) حيث يقول: "قد سنّ لنا في هذا القرآن كل شيء" ثمّ علّق أي – ابن كثير بقوله – انّ القرآن شمل كل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي وكل حلال وحرام وما الناس محتاجون إليه في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم. ومن أجل ذلك كان الإسلام الذي اختصه الله بكتابه القرآن منهج حياة للبشر لا يصح العدول عنه إلى غيره، ويتحتم على المسلم العمل من أجله، تلك هي نظرة سلف الأمة عن الإسلام، أما نظرة الخلف فتختلف كثيراً عن نظرة السلف، انّها نظرة سطحية تترجم عنها مذاهبهم وإتجاهاتهم التي لا يتقيدون فيها بالإسلام وفي نظرهم، انّ المرء يمكنه أن يكون مسلماً بمجرد الانتساب للإسلام، أو أن تكون عواطفه طيبة نحو الإسلام، ولو لم يلتزم شعائر الإسلام، أو أن يكون الإسلام في نظر بعضهم مجرد مظهر فقط وطقوس دينية لا أقل ولا أكثر يشملها أداء الصلوات والإكثار من الابتهالات في وضع صوري، كتقليد متوارث، لكل من وجد في بيئة إسلامية امّا أن يكون الإسلام منهجاً للحياة يتقيد به المسلم، ويسير طبق ما يرسمه من مناهج في كل مجال، فقد أسقطه هذا البعض من حسابه. يقول أحد العلماء في وصف واقع أصحاب هذه النظرة عن الإسلام.. لقد بلغ الانجراف في المجتمع الإسلامي أقصى مدى حيث وجدت فيه الأفكار الغريبة التي تقول: ما للدين ونظام المجتمع – ما للدين والاقتصاد – ما للدين والمرأة – ما للدين والصحافة والإذاعة – وبالاختصار – ما للدين والواقع الذي يعيشه البشر على الأرض. ويقول البعض – أنا مسلم ما دمت أصلي وأصوم، ولكن لا عليَّ أن آخذ النظام الاقتصادي من أية فكرة على الأرض غير إسلامية، أي ومن ثمّ استبيح تعاطي الربا وقام عليه الاقتصاد في بعض المجتمعات الإسلامية. ويقول أيضاً – لا عليَّ أن آخذ أفكاري وتقاليدي من أي نظام على الأرض غير مسلم ومن ثمّ احتضن البعض الفلسفة الغربية وقلدها وسار في ركابها ودعا إليها جرياً وراء تحقيق هذه الفلسفة، وهي أخذ الأفكار والتقاليد من أي نظام على الأرض غير إسلامي، ومن ثمّ أيضاً دخلت المبادئ الهدامة وعششت في بعض الأفكار، بدعوى انّ في نظمها عدالة التوزيع والمساواة بين الطبقات، وما إلى ذلك من العبارات البراقة الخادعة التي لا تصور حقيقة. وهذه النظرة الخاطئة التي فصلت الحياة عن المنهج الراشد المسدد، منهج الإسلام الذي يجب أن يسير عليه المسلم في حياته وأن يتقيد به ويعمل له نظرة متداعية، لأنّ الإسلام في الواقع هو الموجه والرائد والقائد – فإذا فقد المسلم الموجه والرائد، كان كمن يقطع الطريق في ظلام دامس لا يتبين معالمه. الإسلام هو المشعل الذي ينير الطريق فيأمن السالك من العثار والتخبط في أي مجال يسلكه في حياته، سواء كان دينياً أم سياسياً أم اقتصادياً أو غير ذلك – من المجالات. الإسلام هو الحياة، فلا حياة بدون إسلام. فمن فصل الإسلام عن أن يكون منهجاً للحياة فليس من الإسلام في شيء – انّه ممن اتَّبع الهوى وأعرض عن الهدى وممن وصف واقعه ربّ العزة بقوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص/ 50). من أجل ذلك كان العمل الإيجابي للإسلام لا مندوحة عنه لكل مسلم لدعم الإسلام ونصره وإشاعة تنظيماته والنضال في سبيله، وهو أي العمل للإسلام مسؤولية لا يتخلف عنها إلّا المهازيل الذين لا يقدرون المسؤولية. أمّا بعد فإنّ الإسلام دين ودنيا ومصحف في المحراب وسيف في الميدان ولن تستقيم الدنيا إلّا بالدِّين كما لا تستقيم صلاة العابد في محرابه إلّا بتلاوة الكتاب ولا النضال والجهاد في ميدان الشرف والبطولة إلا بعتاد يكون فصل الخطاب، والعمل للإسلام هو الدعامة التي لا تتزعزع وحجر الأساس الذي لا يُقتلع. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105).   المصدر: مجلة هدي الإسلام/ العددان 5 و6 لسنة 1981م

ارسال التعليق

Top