قبل أن نتعمَّق بالأخلاقيات الإعلامية لابدّ لنا من تعريف بعض المصطلحات التي ترتبط بالأخلاقيات وذلك على النحو الآتي:
الأخلاق:
إنّ كلمة خلق وجمعها أخلاق هي عربية أصيلة في اللغة العربية وأكثر من ذلك فقد احتفظت بمعناها الأصلي إلى اليوم.
وقد جاءت كلمة الأخلاق على ضوء الإسلام بأنّها المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقاته بغيره على نحو تحقيق الغاية من وجوده في هذا العالم ألا وهي عبادة الله عزّ وجلّ.
والأخلاق هي دراسة وتقييم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات وواجبات تتم بداخلها أعماله أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لعلم الأخلاق وجعله عنصراً مكيفاً، أي انّ الأخلاق هي التطبيق العلمي والواقعي للمعاني التي يديرها علم الأخلاق بصفة نظرية ومجردة.
والأخلاق في اللغات الأجنبية: جاءت هذه الكلمة من كلمة (Ethic) وهي مستخلصة من الجدار اليوناني التي تعني خلق وتكوّن الأخلاق طبعاً من المعتقدات أو المثاليات الموجهة والتي تتخلل الفرد أو مجموعة من الناس في المجتمع.
أخلاقيات المهنة الإعلامية:
يمكن اعتبار أخلاقيات المهنة الإعلامية بأنّها مجموعة من القواعد والواجبات المسيرة لمهنة الصحافة، التي من الضروري أن يلتزم بها الصحفي أثناء أدائه لمهامه، كما وانّها مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية التي من الضروري أن يلتزم بها الصحفي بشكل إرادي بحيث يفرض على نفسه رقابة ذاتية.
ويعرّفها الدكتور مصطفى حسيبة 2009، "بأنّها بيان المعايير المثالية لمهنة من المهن تتبناه جماعة مهنية أو مؤسسية لتوجيه أعضائها لتحمل مسؤولياتهم المهنية ولكلِّ مهنة أخلاقيات وآداب عامة حددتها القوانين الخاصة بها.
ويعرّفها الأستاذ بسام المشاقبة 2012، بأنّها الأخلاقيات المتعلقة بمهنة الإعلام والصحافة بشتى أنواعها وأنماطها وهي تشمل واجبات الصحفيين وحقوقهم وطبيعة أعمالهم.
ويمكن تعريف الأخلاق عموماً بأنّها مسألة فردية تتعلق بالضمير الإنساني الذي يختلف من فرد لآخر، وتأتي من مصادر متعددة دينية – اجتماعية – ثقافية... إلخ، بطريقة ذاتية اختيارية نابعة من داخل الإنسان نفسه. وهي ليست مجرد قضية معايير للسلوك أو تلك القواعد التي ينبغي اتباعها، أو عقوبات تزداد وتتناقص كيفما شاءت. انّها ذات علاقة بالمبادئ المتعلقة بالحقوق وأخطاء السلوك البشري، ومبادئ ذات أساس نظري وتطبيقي يجب أن تطبق بكلِّ حيادية وموضوعية.
والأخلاقيات في الإعلام تعني الرقابة الذاتية وتحمّل الصحفيين مسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه مهنتهم وتجاه مجتمعهم، كما وتعني الالتزام بمبادئ المهنة الأخلاقية التي تشمل عدم التحيز والموضوعية في نشر الأخبار والأمانة والعدالة والتوازن والمصداقية والدقة والوضوح في بث الأخبار ونشرها.
ويمكن القول بأنّ الأخلاقيات شكل من أشكال الوعي الإنساني. وبما انّ الأخلاقيات فرع من الفلسفة التي تتناول الصح والخطأ والخير والشر لذا فهذه النظرة جاءت من الفلسفة الغربية.
ويرى خبراء الإعلام انّ الذي يجعل الخصومة بين الصحافة والأخلاقيات ليس لأنّ الأخلاقيات تتعامل مع قضايا معنوية، بل لأنها فرع من الفلسفة حيث انّ الصحافة تتعامل مع الواقع بينما الفلسفة تتعامل مع قضايا نظرية.
ولقد أعاقت هذه النظرة تطور علم الأخلاقيات بشكل عام وجعلت الإعلاميين والصحفيين ينظرون للأخلاقيات على أنها مجموعة من المبادئ المعقدة، إضافة إلى تناقض نظرتهم للأخلاق وحاجتهم لتبرير أعمالهم للناس.
وهذه النظرة أدت في أغلب الأحيان إلى تناقض المصداقية في وسائل الإعلام وثقة الناس فيها.
ومن الأسباب الرئيسة أيضاً هو انّ الأخلاقيات لم تدخل بعد لعقول الكثير من الصحفيين والإعلاميين وضمائرهم بشكل جدي لأنّ المشكلة كما يقول خبراء الإعلام لا تأتي من الارتباط بين أخلاقيات الإعلام والفلسفة ولكنها تأتي من الارتباط بين أخلاقيات الإعلام ومدارس الفلسفة الغربية، وهو ما يجعل أخلاقيات الإعلام ليست صالحة لكلِّ المجتمعات.
ولابدّ من البحث عن ما يميز القاعدة القانونية عن القاعدة الأخلاقية وضرورة التحرر من مفاهيم فرضها الغرب. فالصحفيون والإعلاميون بشكل خاص هم بشر يحملون في أياديهم وقلوبهم حزمة غامضة منظمة من القيم الأخلاقية التي يمكن أن تشكل تحيزاً أو ضرراً وهذه القيم نابعة من طبيعة المهنة والقيم السائدة في مجتمعاتنا.
ونجد أنّ الصحفيين يمارسون العمل الصحفي في جميع الأوقات ضمن ثلاثة ضغوط ومؤثرات أخلاقية تتضمن وظيفته كمهني ودوره كمواطن ووجوده كبشر أو كائن إنساني فعند مواجهة أيّ قضية أو أيّ صراع تدخل هذه المقاييس الثلاثة ضمن المنظومة الأخلاقية التي يجب التعامل معها وتطبيقها في هذه الحالات.
والصحفيون كالريشة في مهب الريح تتقاذفهم أمواج المهنة لترمي بهم تارة بين صراعات الخير وتارة بين صراعات الشر والشر وهم وحدهم يستطيعون أن يختاروا الطريق الصحيح فما عليهم إلا أن يكونوا قادرين على أن يصلوا إلى جوهر هذه المهنة التي تعتبر غذاء روحياً بالنسبة لهم.
القانون:
إنّ كلمة "قانون" هي اقتباس من اليونانية حيث كلمة (Kanon) وتعني "العصا المستقيمة" ويعبرون بها مجازياً عن القاعدة (Regula: la Regle) ومنها إلى فكرة الخط المستقيم الذي هو عكس الخط المنحني أو المنحرف أو المنكسر، وهذا تعبير إستعاري للدلالة على الأفكار التالية: الاستقامة (la Rectitude) والصراحة (la Franchise) والنزاهة (la Loyaute) في العلاقات الإنسانية.
ويستخلص من هذا أنّ كلمة "قانون" تستعمل كمعيار لقياس انحراف الأشخاص عن الطريق المستقيم أيّ عن الطريق التي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معاملاتهم.
ويرى (شوك) بانّ القانون هو أحكام للحياة والسلوك يتم فرضها بواسطة قوة خارجية ويستخدم القانون وسائل للعقوبات.
ولا شك بأنّ هناك فروقات شاسعة ما بين الأخلاقيات والقانون "حيث يرى ميريل انّ الأخلاقيات تقوم على أساس التشريع الذاتي Self Legislation، ومع انّها تتصل بالقانون إلا انها ذات طبيعة مختلفة. ومع انّ القانون ينبع من القيم الأخلاقية للمجتمع في فترة زمنية معينة إلا انّ القانون يتم تحديده وفرضه بواسطة المجتمع، لكن الأخلاقيات يتم تحديدها وفرضها بشكل ذاتي، فالأخلاقيات تمدّ الصحفي بمجموعة من المبادئ أو المعايير التي يستطيع بها أن يحكم على عمل معين هل هو صحيح أم خطأ، جيد أم رديء مسؤول أم غير مسؤول؟".
ويضيف ميريل: "انّه من الصعب عادةً أن نناقض الأخلاقيات، فمناقشة القانون أسهل بكثير. فالكثير من الأعمال تكون قانونية أو شرعية لكنها ليست أخلاقية، فالأخلاقيات شخصية/ والقانون اجتماعي، والأخلاقيات تتناول الأعمال الاختيارية، فإذا كان الصحفي لا يملك السيطرة على قراراته وأفعاله فمن العبث أن نتحدث عن الأخلاقيات".
ويعتبر القانون علم من علوم الاجتماع وهو مرن وواسع ومتغير، لكنه صعب ومعقد ويهدف لتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع والمحافظة على النظام العام.
ولكن هل يمكن تطبيق قانون دولي للإعلام؟ لعل الإجابة على هذا السؤال هي: لا يمكن تطبيقه، والسبب هو ثورة تكنولوجيا المعلومات التي أدّت لظهور الأنترنت التي تولد عنها الصحافة الألكترونية بحيث أصبح يختلف تطبيق القانون عمّا كان عليه سابقاً في الوسائل التقليدية، كما وانّ الرقابة لم تعُد بنفس الكفاءة التي كانت عليها سابقاً.
الشرف الإعلامي:
إنّ الشرف الإعلامي يعني التزام الصحفيين بمسؤولية المهنة الأخلاقية حيال مجتمعهم، وتوخي الأمانة والصدق في بسط الآراء والاحتفاظ بسرية المصادر والسعي لإيجاد سياسية إعلامية بناءة.
المصدر: كتاب الإعلام رسالة ومهنة
ارسال التعليق