◄قال تعالى:
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة/ 183-184).
الصوم في اللغة هو الكف عن الفعل، وهو الإمساك، ومنه يقال للصمت صومٌ لأنّه امساك عن الكلام.
وقيل انّه الكف عن شهوات النفس، وما تتوق إليه.
قال تعالى عن لسان مريم:
(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (مريم/ 26).
وهذا يعني انّها لا تكلّم أحداً، وقد نذرت هذا الصيام، أي الكف عن الكلام.
وامّا ما اصطلح عليه من الصوم، وهو ما تعنيه الآية السابقة، فهو الصيام عن الأكل والشرب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والصيام واجب فرضه الله سبحانه على عباده، كما فرضه على الأُمم السالفة.
(كما كتب على الذين من قبلكم)، وقد بيّنت الآية انّه واجب على بعض الأصناف من المكلّفين، كمن يكون حاضراً سليماً، وساقط عن غير هؤلاء، مثل المسافر والمريض إلى حين يستطيعان الصيام.
فالمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود إلى بلده أو يقيم، ولا يخفى انّه سبحانه قد اسقط الصوم في هذه الأيام – أي أيام شهر رمضان – عن تلك الأصناف رخصة وعزيمة، فللمريض رخصة، وللمسافر عزيمة، وقد ذكر الفقهاء وفصّلوا مسوغات الإفطار، فمن هذه المسوغات والتي يلاحظ فيها اليسر في التشريع:
1- عن الإمام الصادق (ع)، قال:
"كلّما أضرّ الصوم فالإفطار واجب له".
وعن الإمام عليّ بن الحسين (ع)، قال:
"مَن صام في السفر، أو في حال المرض فعليه القضاء".
2- الحامل المقرب، أو المرضع القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما، أو الولد ولم يمكن استرضاع غيرهما، افطرتا ويجب عليهما القضاء والتصدّق عن كلِّ يوم بمد من الطعام.
3- يسقط الصوم عن الشيخ والشيخة، ويجب عليهما أن يتصدّقا بمد عن كلِّ يوم، ولا يجب عليهما القضاء إذا استمر بهما العجز.
4- ذو العطاش وهو الذي لا يقوى على العطش ولا يطيق ترك شرب الماء، فله أنْ يفطر، وله أيضاً أن يصوم ويشرب ما يسد الرمق.
5- من يحس بألم أو ضعف في عينيه له أن يفطر.
عن الإمام الصادق (ع) قال:
"والصائم إذا خاف على عينيه الرمد أفطر".
6- المسافر ونعني بالمسافر الذي يقطع مسافة 24 كيلومتر، ولا يحق للمسافر أن يصوم بحال من الأحوال.
قال رسول الله (ص):
"إنّ الله تصدّق على مرضى أمّتي ومسافريها بالتقصير والإفطار، أيسرّ أحدكم إذا تصدّق أن تردّ عليه".
وسمع أبو عبدالله الصادق (ع) يقول:
"لو انّ رجلاً مات صائماً في السفر ما صليت عليه".
7- الحائض والنفساء تفطران وتقضيان فيما بعد ولا شيء عليهما من الفدية، ولا يخفى ما في هذا من المنافع والمصالح المفيدة، والتي تراعى فيها سلامة الإنسان وصحته.
8- المريض يرجع إلى تشخيص الطبيب، فإذا أمره بالإفطار وجب حتى وإن كان يرى نفسه قادراً على الصيام، وإذا احتمل هو الضرر بالصوم لا يصوم وإن لم يعرض نفسه على الطبيب.
وهذه الموارد وغيرها تدل بالدلالة الواضحة على سعة صدر الإسلام، ورحمته وألطافه، وصدق سبحانه حيث يقول:
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة/ 185).
وهناك رخص أخرى في فريضة الصوم نذكر منها:
1- لا تجب المبادرة إلى القضاء إلّا أن يدركه رمضان الثاني، فهناك تجب عليه الفدية مع القضاء، ولا تزداد الفدية مع تكرار عدم القضاء إلى الحول.
2- من مضى عليه شهر رمضان وشك هل انّه عليه قضاء هذا الشهر أو بعض أيّامه أو انّه صامه ولا قضاء عليه، وهنا لا يجب عليه القضاء.
3- إذا شكّ في الواجب عليه من القضاء بين الأقل والأكثر، بنى على الأقل، وإذا شكّ فيما اتى به من القضاء بين الأقل والأكثر بنى على الأكثر.
4- إذا أفطر الإنسان في شهر رمضان، وكان مريضاً أو مسافراً، ثمّ مات فيه، فلا يجب قضاؤه على ولده ولا القضاء مطلقاً.
5- إذا أفطر الإنسان المسلم شهر رمضان لعذر المرض واستمر به إلى شهر رمضان الآخر، ثمّ تحسّنت صحته بعد ذلك لا يجب عليه قضاء ذلك الشهر الذي افطره بسبب المرض الذي استمر من رمضان إلى رمضان.
6- يجوز للمكلّف السفر في شهر رمضان، ولو بقصد التخلّص من الصوم ونية قضائه في وقت أخر.
7- المكلّف الذي تتوقّف معيشته على العمل حتى في شهر رمضان بحيث لا يمكنه تدبير أمور معيشته بدون العمل في شهر الصوم، وكان الصوم يمنعه عن العمل، ويضرّ به ضرراً معتداً به، كان له أن يفطر بقدر الضرورة ويقضي بعد ذلك.
المصدر: كتاب الشريعة السمحاء
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق