• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إدارة الخلاف.. حالة صحية ضرورية

أ. رياض الحسيني

إدارة الخلاف.. حالة صحية ضرورية
◄علينا جميعاً أن نقوم ببناء الأفكار الإيجابية المنطلقة من روح الأخوة والمحبة والاستشارة وفسح المجال للآخرين وإعطاء الفرصة والحرِّية للغير لإبداء رأيه وأفكاره. فهذه فرصة نادرة يجب أن ننتهزها ونحن في بداية الطريق، وإلا فمن يضمن إننا لا نقوم بتكرار ما عملته بعض الدكتاتوريات في عالمنا الإسلامي؟ خاصة إذا علمنا أنّ الطبائع البشرية لا تتحمل الإنقلاب الدفعي بل هي تدريجية النمو، كما أنّها تدريجية الزوال.

إنّ الاختلاف في الآراء والنظريات وتعددها حالة صحية ضرورية لكلِّ دولة ودليل عافية وخير، لأنّ وجود الاختلاف يترتب عليه طبيعة نظام الحكم وكلّ نظام تصوغه عقول متعددة أكمل وأقوى من نظام لم يكن نصيبه إلا الاستفادة من عقل واحد.. وإنّ السماح بتحرك من لهم وجهات نظر مخالفة للحكومة أو ما يطلق عليه حديثاً بمراكز القوى المخالفة أو المعارضة تحقيق أكيد للديمقراطية والتعددية، والقضاء على التعددية على اختلاف صورها تحقيق للدكتاتورية. وصدق من قال أنّ التقدم والرقي لدولة ما يرجع أساسه لممارسة وتشجيع التعددية، وأنّ التخلف والإنحطاط لا يأتي إلا من خلال الإنفراد بإتخاذ القرار وضرب التيارات المخالفة.

وهذه النظرية ما زالت تحكم أنظمة متقدمة عديدة أما أنظمتنا فلا يوجد في قاموسها هكذا أطروحات إلا اللّهمّ في بعض الكتب الموضوعة في المكتبات وإذا أردت معرفة السبب فسيكون المصير معلوماً هنا...

المهم أنّ عالمنا الإسلامي لا زال يترنح تحت سياط الدكتاتورية والإنفراد وغلق المنافذ والمسالك أمام الآخرين! ويبدو أنّ القضية تحتاج إلى وقت طويل حتى يبدأ الحاكم الفلاني بترك (عادة) الاستبداد و(ملكة) الدكتاتورية؟! وحتى إذا أراد فسيكون مصيره الزوال ليأتي الذي الدمى بعده ليعيد الكرة من جديد وبصورة أفضح وأبشع من سلفه! فما الحل إذن؟

الحل يكمن في أن نقوم بترويض أنفسنا منذ بدء على هدم هذه السلبيات وبناء أفكار إيجابية منطلقة من روح الأخوة والمحبة والاستشارة وفسح المجال للآخرين وإعطاء الفرصة والحرية للغير لإبداء رأيه وأفكاره، فهذه فرصة يجب أن ننتهزها ونحن في بداية الطريق، وإلا فمن يضمن إننا لا نقوم بتكرار ما عملته بعض الدكتاتوريات في عالمنا الإسلامي؟! خاصة إذا علمنا أنّ (الطبائع البشرية) لا تتحمل (الانقلاب الدفعي) بل هي تدريجية النمو كما أنّها تدريجية الزوال فسيء الخلق لا ينقلب بين ليلة وضحاها إلى حسن الأخلاق والمغرور المتكبر لا يتحول فجأة إلى متواضع خاصة إذا حالفه الحظ وتعاظمت قدرته يوماً بعد يوم! وكيف ينقلب الدكتاتور مع أصدقائه – وهو لا يملك شيئاً – إلى ديمقراطي يتنازل عن آرائه وأفكاره وأطروحاته – وهو في أوج قوته وقواته؟!

انّ الصفات النفسية (بذور داخلية ذاتية) تنمو شيئاً فشيئاً إذا لقيت العناية والرعاية وتذبل تدريجياً إذا ما ووجهت بالأعراض والتجاهل وإذا أمكن أن تتنامى بذرة (البرتقال) شيئاً فشيئاً ثمّ تنتج بعد سنين "الموز" دفعة امكن أن يعيش الإنسان دكتاتوراً فترة من حياته يترعرع في ظلالها ويسير على منوالها ثمّ ينقلب دفعة وبسحر ساحر – وبمجرد وصوله للسلطة – إلى حاكم استشاري أصيل، ولأنّ رفع شعار الديمقراطية فما هو إلا ذئب في هيئة خروف؟! وديمقراطية العالم الثالث بذلك شاهده!! وليست تنمية ملكه الاستشارية بالعمل الهين حتى نؤجلها أو نستصغرها فالفرصة تمر أمامنا ونحن في غفلة عنها، وحقاً أنّه لعمل عظيم يستدعي منا التوجه الكامل والتوكل المطلق على الله سبحانه وتعالى، وما لم يتم ذلك فلا نلم إلا أنفسنا.

كانت تلك مسألة فردية نأتي الآن إلى معارضتنا الإسلامية بكلِّ ساحاتها باعتبارها معارضة لم تصل بعد إلى الحكم ولها أنداد تختلف نسبة قوتهم وصولتهم لنشاهدها هل تراعى وتشجع على اختلاف الآراء وبالتالي التعددية؟ أم أنها تعتبر ذلك عاملاً سلبياً ومخرباً؟.

وتجدر الإشارة هنا إلى أننا لا نريد تشريح أقوال وأعمال التنظيمات الإسلامية المعارضة ولكن لنا وجهة خاصة حول الاختلاف وكيفية إدارته وهو بحثنا القادم ننشره هنا لعل بعض الخيرين من أبناء أمتنا الإسلامية يروق لهم هذا الكلام ويعملوا وفقه أو يذكرهم أن اتعبتهم المشاغل الكثيرة حتى يعطوا الوقت اللازم لهذه المسألة للعمل على طرح صيغة مشتركة أو تكوين جلسات حوار عامة وخاصة ربما تؤدي إلى إيجاد اسلوب تعاون وتعامل منطقي لكافة الأطراف وإيجاد تيار إسلامي عالمي واحد مترابط له هدف مشترك وإن اختلفت الآراء في التكتيك وبعض الجزئيات.

أليس هذا الشيء (التيار الإسلامي الكبير أو الحركة الإسلامية العالمية) مطلب جماهيري ملح بدأ يفرض نفسه علينا، أليس من حقّ المعارضة العراقية أن تتعرف إلى أساليب وأهداف المعارضة المصرية؟ وكذلك التونسية إلى الأفغانية؟ ومع وجود بعض الاختلافات أليس من المفروض وجود إداري قدير أو شورى إدارية تقوم بربط هذه الحركات والتنظيمات ليحقق الهدف المطلوب وتكون فوق تلك الاختلافات الشكلية والجزئيات الهامشية؟

أما وجهة نظرنا حول الاختلاف فنقول:

الاختلاف في الرأي والتوجهات أمر طبيعي وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومنذ بدء الخليقة وإلى الآن فإنّ الخطوات التي خطاها الإنسان وأجتاز مراحلها بنجاح ووصل إلى شاطيء التقدم والرقي يعود الفضل فيها إلى اختلاف النظرة العقلية عند بني البشر للأمور والأشياء، وكذلك إلى اختلاف الأذواق والأهواء، وحتى اختلاف المصالح بين فرد وفرد وبين تنظيم وتنظيم يرجع أحياناً كثيرة إلى النظرة العقلية.

فالرأسمالي والشيوعي نظرتهما العقلية للأمور أوجدت عندهما هذا اللون من التعامل والاختلاف كذلك الحال إلى الفرد المسلم، بينما المصالح جاءت متأخرة لأنها نابعة من النظرة العقلية ولا يعني ذلك إنكار وجود حالات كثيرة يكون الأمر بالعكس فيها تماماً حيث تكون الأهواء والشهوات هي الموجهة للإنسان حيث سير وفق ما تتطلبه وإن كانت نظرته العقلية مناقضة لتلكم الشهوات مئة بالمئة قال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ) (النمل/ 14)، فالاختلاف طبيعي.. ولكن كيفية التعامل مع أطراف الخلاف قد يكون غير طبيعي ومنطقي فهل كيفية التعامل هي أسلوب الرسول الأعظم (ص) حيث عفا عن ألد أعدائه عندما سيطر عليهم وأسلوب وصية عليّ (ع) وحيث فتحا باب الحوار على مصراعيه للصديق والعدو وهما في أوج قدرتهما الظاهرية أم أسلوب لينين وستالين وقادة الثورات عادة في العصر الحديث حيث يبدأون بتصفية أصدقائهم وأعدائهم قبل كل شيء!!.

ومن هنا نرى – وكنموذج عملي – أنّ علينا إلا ننعت الطرف الآخر المعارض وغير المعارض بالتقصير والجهل والخيانة، ولو أنّ هذه الحالة أصبحت صفة ملازمة لإعلامنا الإسلامي فترى صحيفة إسلامية لها بعض الوزن تقوم بإدراج آخر ما توصل إليه العقل من كلمات بذيئة لتلحقها بطرف أو أطراف لا لشيء إلا لكون الطرف قد اختلف معها في فهمه لمسألة معينة.

وكذلك علينا أن لا نسرع في الحكم على آراءنا أو على أحد المختلفين فالأفكار معرضة للخطأ والصواب والأفراد وحتى القيادات لا تكون دائماً على الحقِّ فكثيراً ما تتعرض للزلات والاشتباهات الطبيعية.

سيرة النبيّ (ص) مع أعدائه ومخالفيه فيها من القصص المعبرة الكثير وفي قصة المباهلة مع نصارى نجران تتجلى عظمة النبيّ (ص) بأعظم صورها، حيث نرى النبيّ (ص) مع منزلته وعصمته والقدرة الكبيرة التي منحها الله له وصدقه المعروف قبل وبعد الرسالة وعلمه المسبق بأنّه الفائز في نهاية المباهلة ماذا تراه يقول للنصارى هل قال لهم إننا الصادقون وأنتم الكاذبون؟ كلا بل قال: "تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين". كان يحقُّ له (ص) أن يقول "على ما يتمتع من صفات وميزات" وسترون أنّ لعنة الله ستكون عليكم، ولكنه يأبى حتى مع مخالفيه الحكم عليهم أوّلاً، وتوجيه أصابع الإتهام إليهم وهكذا استطاع الرسول (ص) جذب مخالفيه وإدخالهم الدين الإسلامي مع عنادهم الشديد.

والاعتقاد الراسخ بهذه الفكرة يبعد عن نياتنا أدنى سوء ظن للطرف المخالف ويزيل بعض العوائق الكبيرة وربما يسهل الطريق للوصول إلى صيغة مقبولة لمواجهة التحديات.

إذن الاختلاف في الآراء والتوجهات شيء طبيعي يجب استقباله عن طيب خاطر والتركيز عليه وتشجيعه منذ البداية لأنّه كفيل بإيصالنا في نهاية المطاف إلى الراحة والنوم بهدوء.

غير أنّ للمسألة وجهاً آخر قد يؤدي إلى تأخر قطف الثمار وتكالب الأعداء بسرعة للإنقضاص على المعارضة الوليدة والضعيفة البنية قياساً مع الإمكانيات المتاحة للطرف الحاكم – فهل نبقى على الأعمال الفردية التي تقوم الحركات هنا وهناك؟ أم نجعل من الاشتراك في الأهداف عامل قوة يجمع شملنا وتحركاتنا في الكثير من المواقف؟ ونتعامل مع الخلاف وأطراف الخلاف بالطريقة المنطقية الإسلامية المعقولة؟

"الإدارة ليست تحركات إعتباطية وأعمال غير محسوبة بل أصبحت اليوم علماً يدرس في كليات مختصة بها. وأنّ إدارة الخلاف أصعب الإدارات باعتبارها إدارة للإرادات المختلفة".

نأخذ مثلاً التنظيمات الإسلامية الأفغانية المختلفة وهو أمر طبيعي كما أسلفنا نشاهد هناك عدة أمور:

الأوّل: أعمال فردية لا يشترك بها الغير وحتى لا يعلم بها.

الثاني: النظام الحاكم له من القوة العسكرية ما يستطيع به القضاء على كلِّ هذه التنظيمات منفردة.

الثالث: وجود معارضة غير إسلامية تعمل على قدم وساق.

الرابع: كثرة المندسين والعملاء الذين يصبون الزيت على كلِّ اختلاف صغير وكبير.

الخامس والسادس: ما المطلوب في هذه الحالة؟ والأمور تأخذ مسارات بعيدة وربما مقفلة!. هل نبقى كما نحن عليه؟ ونجعل الأعداء الداخليين والخارجيين يزيدون من نار الاختلافات حتى تصل الأمور إلى أن تقع بعض الاشتباكات الدامية بين الإسلاميين ويذهب ضحيتها العشرات من الأفراد ونحن ننظر إلى اختلافاتنا بأنها مصيرية لا يمكن تحجيمها إلا من خلال الأعمال العسكرية؟

كيف استطاع العدو معرفة نفسيات الأطراف واستغلها لمأربه وقام بالضرب عليها عند كلِّ مرحلة يريد تنفيذ خطواته؟، هل عرفنا نحن نفسيات الأطراف المختلفة معنا حتى نتمكن من جرها واستمالتها للجلوس على طاولة واحدة؟.

ولو أخذنا مثالاً آخر ولساحة أخرى لشاهدنا الاختلاف هذه المرة أقل حدة ولم يصل بعد إلى حمل السلاح والحمد لله، فالفرقاء العاملين على الساحة العراقية مع إتفاقهم في المنطلقات الأساسية والأهداف الاستراتيجية وبعض التكتيكات وهذا ما يظهر من أطروحاتهم وأعلامهم، ولكن لا توجد لحد الآن تلك الصيغة المشتركة التي تجمع الجميع ولا يوجد ذلك الطرف القوي أو الجهة المعينة التي تعمل على إزالة بعض الفوارق الجزئية لتصب الجهود في بوتقة العمل المشترك والحركة الإسلامية العراقية الواحدة، لماذا لأنّ الأطراف ما زالت مقتنعة وراضية بما تقوم به من أعمال وأنّ الذين تقدموا لهكذا مشاريع في السابق لم يتوصلوا إلى أي نتيجة بسبب تشابك المصالح الشخصية لهذه الجهة والمصالح الإقليمية والدولية لبعض الأطراف.

لهذا السبب ارتاينا القيام بدراسة مبسطة لكيفية إدارة الخلاف ولا نبالغ إذا قلنا إنّ أحد نواقصنا نحن المسلمين عموماً هو الإدارة في جميع أشكالها وهو عيب كبير يجب تلافيه بسرعة.

فالإدارة ليست تحركات اعتباطية وأعمال غير محسوبة بل أصبحت اليوم علماً يدرس في كليات مختصة بها. وعلى تشعباتها فإنّ إدارة الخلاف أصعب الإدارات باعتبارها إدارة للإرادات المختلفة وما أصعب إدارة المختلفين خصوصاً إذا كان اختلافهم النفسي العقلي كبيراً جدّاً.

نعم هناك إدارة استعمارية طبقت علينا وما زال بعض حكامنا يتشبث بها عند مواجهة أية مشكلة وهي خلق وإيجاد عدو داخلي أو خارجي ولا مانع في إشعال حروب جانبية تزهق الأرواح وتذهب القدرات في سبيل إزالة الاختلافات بين الخطوط والحركات والبقاء على كرسي الحكم لفترة أخرى، وهي إدارة مرفوضة حتى وإن نجحت في مهمتها لأنها تكون على حساب الغير بالإضافة إلى أنّ العدو الداخلي أو الخارجي لا يوحد الصفوف ويزيل الخلافات وإنما يوجه الأنظار لفترة قد تطول بعض الوقت فهو لا يحل الخلافات بل يغطيها بطبق قد يكون سبباً في تجذر الخلافات أكثر فأكثر، كما أنّ هناك نماذج حية لوجود عدو خارجي يحيط بأطراف المختلفة العراقية والأفغانية وغيرها. فهل توحدت صفوفهم وزالت خلافاتهم؟. إذن المسألة ليست مسألة عدو خارجي وإنما إدارة عالية من نوع خاص.

أما كيفية إدارة الخلاف أو الأمور التي يجب أن يسير عليها ويراعيها مدير الخلاف فهي:

·       الهدف المطلوب:

إزاء أيّة مشكلة أو اختلاف أو أزمة فإنّ أوّل شيء لابدّ من تحديده ووضعه نصب العين دائماً وأبداً لكي لا تطغى عليه المشاكل الجزئية والطارئة هو الهدف المطلوب تحقيقه، وهذه نقطة أساسية ترسم الطريق منذ البداية إلى النجاح وإلى الفشل.

والهدف من الأولويات المطلوب معرفتها جيّداً ليتم بعد ذلك وضع معالم الطريق الذي يراد السير به، فتارة ما يكون الهدف تجميداً للخلاف على ما هو عليه، وتغطية السلبيات إلى وقت آخر. وتارة يكون لمرحلة معينة اقتضتها الظروف المحلية أو الإقليمية ولا عليه لما يأتي بعد ذلك، وتارة أخرى يأتي على حساب مجموعات معارضة أو لمواجهة تكتلات أخرى قد تكون من نفس الخط أو بعيدة عنه.

وهذه الأهداف قد تكون جيدة إذا كانت نتيجتها النهائية تصب في الهدف الكبير، ومن حسن إدارة المدير أن يقوم بأخذ خط عمليات يؤدي إلى أهداف مرتبطة كلياً أو جزئياً تصل نهايتها إلى الهدف المطلوب.

والهدف المطلوب هنا يجب أن يراعى الجانب الأخلاقي والإنساني، وإذا أصبح كذلك فالمهمة ستكون سهلة ويسيرة وترضي الجميع، وعلى المدير أن لا يلحظ خصوصيات الأطراف والأفراد ويضع ثقله لإزالة هذه الميزات، بل الواجب يحتم عليه العمل على إبقائها والتوجه للهدف الذي يسعى الوصول إليه والذي يتعلق بأهداف الأطراف المختلفة. فجميع المعارضة الإسلامية في العالم مطالبها الرئيسية تؤكد على توعية الجماهير وإزالة الأنظمة الجائرة والظالمة والحكم بما أنزل الله.

هذه الأمور الثلاثة تقريباً متفق عليها وتوحد أهداف الجميع وهي تصلح كجامع لكافة الأطراف – مبدئياً – ولكن لا ينبغي إغفال أهمية، صب الجهود لإيجاد مزيد من التقارب بين بعض الآراء والنظريات التي تختلف في كيفية تطبيق هذه المبادئ وإدخال بعض التعديلات عليها كي توجد منهجية متقاربة في أسلوب العمل لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثمّ وضع الجميع أمام الأمر الواقع وما يحاك لهذه الأُمّة من دسائس وألاعيب يراد بها طمس معالم الحضارة الإسلامية.

ولعل المؤتمرات التي أكّدنا ونؤكِّد عليها دائماً تساعد على تسهيل عمل المدير وتحقق الهدف المطلوب باعتبار أنّ المؤتمررات تخرج بنتائج إيجابية وربما بالإتفاق على بعض الأهداف الإستراتيجية، كما يتوضح من خلاله قوة الخلاف والإتفاق بين الأطراف ومدى قدرة القائمين على إدارة ذلك المؤتمر أو الحوار.

·       تعريف وتحديد المشكلة:

يعلق هيكل على هذه النقطة في كتابه موعد مع الشمس فيقول (إنّ التعميم في مواجهة المشاكل والأزمات خطأ وخطر، والابهام في مواجهة المشاكل والأزمات خطأ وخطر، لأنّ البعض يتصور بمجرد إنطباعاته العامة أنّه يعرف المشكلة أو الأزمة التي يواجهها ولكن الانطباعات العامة شيء والتعريف والتحديد بمنتهى الدقة شيء آخر.

وكثيراً ما يعطي التعريف والتحديد بمنتهى الدقة نتائج تختلف إختلافاً  كبيراً وفادحاً عما توحى به الانطباعات العامة التي تدور في رأس أي واحد منها.

إنّ التعريف والتحديد بمنتهى الدقة يجب أن يكون عملاً علمياً خالصاً يستوعب أصول أو جذور المشكلة أو الأزمة التي نواجهها.

فمعرفة الأسباب الحقيقية والجذرية للمشاكل والاختلافات وتحديدها شيء أساسي للمدير الناجح، لأنّ النظرة العامّة وما يعلن في الصحف والمجلات قد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير.

وهل الخلاف المسيحي الدرزي على سبيل المثال في الجبل ودير القمر ومهجريها؟ أم أنّه يمتد بعمق التاريخ إلى مئات السنين؟ بالطبع أنّ المسألة عريقة ولا تنتهي بسهولة وهو السر في فشل الوساطات القائمة لحل المشكلة.

وكذلك الحال في أفغانستان عند بعض التنظيمات الإسلامية الخلاف له جذور عرقية وربما عشائرية أوجدها المستعمرون، لابدّ من معرفتها جيِّداً وحصرها وإيلائها ما تستحقه من الاهتمام.

فجميع الخلافات الحالية لها جذور وأصول قديمة وتعريفها وتحديدها بدقة متناهية يسهل عملية الإدارة والحوار.

 

المصدر: مجلة الطريق الإسلامي/ العدد 48 لسنة 1408هـ

ارسال التعليق

Top