تعتبر الرسالة الإعلامية واحدة من أهم مقولات العمل الصحفي وأوسعها انتشاراً واستخداماً في مختلف النشاطات الإعلامية – الاتصالية. وهي بقدر ما تبدو محددة وواضحة، فإنّها في حقيقة الأمر، معقدة ومشعبة جدّاً من حيث طبيعة ونسبة العناصر المكونة لها وإنعكاس هذه على العملية الإدراكية السهلة والسليمة، وعلى الإجراء الاستقبالي المتلهف لها. لكن أيضاً من حيث أنواعها وعلاقة تلك الأنواع مع البعد التأثيري – النفسي على المتلقين لها. وأخيراً، للرسالة الإعلامية وظائف أو مهام محددة يجب أن تؤديها وإلّا فقدت مبررات تكوينها ونشرها.
فليس بوسع الباحث أن يعثر على تعريف الرسالة الإعلامية لا يتخذ من المعلومات أو الحقائق الجديدة محوراً مركزياً له. فالرسالة تكون إعلامية فقط بالقدر الذي تنطوي فيه على معلومات وحقائق جديدة. إذ إنّ هذه، أي المعلومات الجديدة تمثل شرطها الأوّل والأكثر جوهرية. وهذا يقودنا مباشرة إلى القول بأنّه ليست كلّ الرسائل إعلامية، وإن بدا للبعض غير ذلك. فالأحداث المعتادة والحقائق المعروفة قد تمثل موضوعاً أو مضموناً لرسالة، لكن هذه لن تكون رسالة إعلامية بمعنى أنّه فيما لو حدّثنا شخص قائلاً "التدخين يسبب أضراراً عديدة"، فإنّه يكون في الواقع قد نقل إلينا رسالة يمكن اعتبارها تذكيرية - تحذيرية، لكن من غير الممكن بأية حالة اعتبارها إعلامية مادمنا نعرف، وربما بعمق أكبر، الأضرار الناتجة عن التدخين. فهو بقوله هذا لم يعلمنا عن شيء جديد، ولم يُضف إلى خزينتنا من المعلومات شيئاً ومثل هذا فيما لو تجولنا مع أحد الأصدقاء في حديقة الحيوان، وقال "حصان" فإنّه يوجه إلينا رسالة لا تهدف إلى إعلامنا بشيء جديد، إذ إنّنا ننتظر أن نرى حصاناً. كما نعرف أنّ هذا الحيوان هو حصان. لكن ما يرمي إليه هو أن يلفت انتباهنا إلى الحصان نشاركه فيما بعد التقديرات والآراء حوله. فنقول جميل، كبير الحجم. مُسن... إلخ. فالرسالة لا تنتحل ميزة الإعلامية إلّا إذا قامت على قدر – كبير أو صغير – من المعلومات أو الحقائق المجهولة لدى مستقبلها. من هنا كتب الإيطالي الشهير ويمبرتو ايكو معرّفاً الرسالة الإعلامية على أنّها "تلك الرسالة التي تضيف إلى معارفي معارف جديدة، هي التي تظهر كنتاج أصلي" أما مؤسس علم السبرناطيقة نوربرت فينير، فقد تعرّض لتعريف الرسالة الإعلامية من خلال إدراكه للمعلومة أو المعلومات بمعناها ووظائفها الاجتماعية كـ"محتويات أو مضامين نتبادلها مع العالم الخارجي ونحن نتكيف معه"، وكذلك ونحن نؤثر عليه من خلال تكيفنا معه... أن تعيش بفاعلية يعني أن تكون لديك دائماً معلومات جديدة وكافية. وعليه، فإنّ الرسالة الإعلامية وفق نوربرت فينير، هي تلك الرسالة التي تقدم لنا ما يساعدنا على تعديل سلوكنا وتصرفاتنا اتّجاه ما يحيط بنا من ظواهر اجتماعية أو طبيعية أثناء عملية تكيفنا المتواصلة مع العالم الخارجي.
البروفسور، توما جورجيفيتش، أكد بشكل أساسي ومطلق على المضامين الجديدة كشرط وجوهر الرسالة الإعلامية، وذلك من خلال محاولة تحديدية مطلقة لها، فكتب واصفاً اياها "... كمعارف جديدة تم التوصل إليها بالممارسة وأُعلن عنها باستخدام الرموز اللغوية أو غيرها من الأنظمة الرمزية بحيث يمكن تبادلها بين عناصر الحديث الاتصالي" إلى جانب هذا، يمكن إضافة تعريف آخر لما يتسم بالوضوح وبالكثير من الأهمية. فقد كتب دوشان سلافكوفيتش معرفاً الرسالة الإعلامية بإنّها "كلّ معارف أو تجارب، معانٍ أو أفكار جديدة مُقدمة لجاهلها برموز ما مفهومة من قبله". أمّا أهمية هذا التعريف وما يلفت النظر إليه، هو اشتراطه الرسالة الإعلامية بالرموز المفهومة. إذ هل تعتبر إعلامية تلك الرسالة التي تتحدث برموز رياضية وكيميائية عن تطور ما في علم الذرة، والموجهة إلى شخص اعتيادي، عامل أو فلاح؟. وهل تعتبر إعلامية الرسالة التي تتحدث عن الجديد في علم النفس حول انعكاسات الخوف على الإبداع بتعابير فلسفية علمية، والموجهة إلى طفل؟. قد تكون مثل هذه رسائل إعلامية بذاتها، وهي كذلك، لكن من غير المحتمل أن تمثل رسائل إعلامية من وجهة نظر واحتياجات وقدرة متلقيها. بالطبع، لا العامل سيضيف شيء إلى معلوماته مادام لم يستوعب مضامينها، ولا الطفل سيزيد من معلوماته مادام لم يفهم منها شيء. بهذا السياق يمكن القول إنّ قابلية الفهم والإدراك لرموز الرسالة (Decode)، يمثل إلى جانب المعلومات أو الحقائق الجديدة، الشرط الثاني لاعتبار رسالة ما إعلامية.
أمّا الشرط الثالث، فقد أشار إليه نوربرت فينير بشكل ضمني من خلال تحديده للوظيفة الاجتماعية للمعلومة ومعناها لممارسات الفرد. فأوضح بهذا الصدد، بأنّ أيّة معلومة أو أيّة معلومات لا تمتلك قيمة استعمالية تخسر أهميتها وتنخفض حاجة الإنسان إليها إلى حد الصفر. وانطلاقاً من هذا، فإنّ الرسالة الإعلامية تفقد معناها الوظيفي إذا ما تمحورت حول معلومات لم يعد لها أي دور في عملية اتّخاذ الفرد لقراراته وتوجيه نشاطاته وتصرّفاته. فالرسالة الإعلامية يجب أن تقوم على الحقائق التي لازالت معرفة الإنسان بها تنعكس على قراراته وتصرّفاته، أو بتعبير آخر، يستفيد منها في الحالات الاجتماعية المختلفة التي يجد نفسه فيها، وبخاصّة في مواجهة الحدث موضوع الرسالة الإعلامية. ففيما لو نشرت جريدة اليوم برامج التلفزيون ليوم الأمس، لأثارت الكثير من السخرية. على نشر برامج التلفزيون رسالة إعلامية ولا شك، لكنّها كذلك فقط إذا ما سبقت بث تلك البرامج وبالتالي استفاد منها الجماهير لتنظيم أوقاتهم بما يسمح لهم بمتابعة هذا البرنامج أو ذاك. وفيما لو حدثتنا "إعلامية" عن إقفال معرض للكتاب، دون أن سبق وحدثتنا الوسيلة الإعلامية ذاتها عن افتتاحه أو عن أيّة أخبار بشأنه. لأثارت إلى جانب سخريتنا، غضبنا أيضاً. لأنّها لم تقدم لنا رسائل إعلامية عن هذا المعرض في الوقت المناسب وبما يتيح لنا زيارته والاطلاع على بعض المطبوعات وشراء البعض الآخر. انطلاقاً من هذه الحقائق يتفق كثير من خبراء الإعلام، على أنّ أهمية وقوّة الرسالة الإعلامية تتوقف على عنصرين أساسيين، هما كم المعلومات الجديدة التي تقدمها، وثانيهما تقديمها الزمني المناسب للاستفادة القصوى مما تتضمنه تلك الرسالة من حقائق. غير أنّ الافتقار إلى هذين العنصرين، أو إلى واحد منهما لا يفقدها أهميتها وحسب بل أيضاً ميزتها أو صفتها الإعلامية.
المصدر: كتاب الصحافة والصحفي المعاصر
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق