• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحضارة والعمل للمستقبل

أ. د. عبدالكريم بكّار

الحضارة والعمل للمستقبل

-كلما مضى الناس في طريق المدنية زادت قناعتهم باللجوء إلى الحوار والاحتكام إلى النظم والقوانين السائدة عوضاً عن الصدام واستخدام القوة، وزاد احترامهم لحقوق بعضهم كذلك، وإذا حدث تقدم عمراني دون حدوث ما أشرنا إليه، فإن هذا يعني أنهم يمضون نحو مدنية زائفة.
-سيكون كل ما لدى الواحد منا من مواهب وقدرات شيئاً لا معنى له إذا أضاع أهدافه الكبرى وغاياته النهائية، وعلى العكس من ذلك فإن وضوح الهدف يظل قادراً على تجميع الطاقات والكشف عن المواهب والإمكانات الكامنة.
-الوقت يشبه المال في أن كل واحد منهما يمكن أن يضيع هباء، كما يمكن أن يُستثمر من أجل تحقيق أعظم النجاحات وأكبر الأهداف، ولو أن (20%) من أبناء الأُمّة صنعوا بأوقاتهم، وأداروها على النحو الذي يفعلونه مع أموالهم لكنا في حال غير هذه الحال، فهل تستطيع أن تكون واحداً منهم؟.
-إنسان القرن الحادي والعشرين مع أنه يتحدث باستفاضة عن العولمة والقرية الكونية، ويستهلك منتجات تأتيه من كل مكان إلا أن لديه انجذاباً هائلاً نحو الإقليمية والقبلية والعنصرية والطائفية، وهذا يدل على فساد كثير من مكوِّنات الحضارة الحالية!
-بعض الناس يُفسد ما لديه من سكينة وسعادة من خلال استحضار هموم المستقبل، وليس هذا من الحكمة في شيء، وما أجمل قول أحدهم: (لا تعبر الجسر قبل أن تصل إليه)!
-إذا نظرنا في القرآن الكريم وجدنا أنه لم يذكر لنا أبداً أن أي أُمّة هلكت بسبب تقصيرها في العمران، وإنما بسبب الإعراض عن رسالات الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – والتمادي في المعاصي.
-إذا حدث فيضان أو حريق أو زلزال... وجدت مئات الشباب يقومون بأعمال جليلة في الإنقاذ والإسعاف، ويصل ذلك إلى حد المخاطرة بالنفس، لكن من اللافت للنظر أنك لو دعوت هؤلاء الشباب عشر سنين للمحافظة على نظافة الشارع الذي يسكنون فيه أو التقليل من هدر الماء في الوضوء والاغتسال لم يستجب إليك منهم إلا أقل القليل!.
-أجري استبيانٌ في الولايات المتحدة حول وجود هدف واضح، فتبين أن 80% من المستفتَين قالوا: لا، و14% قالوا لدينا هدف شفوي أو في الذهن، أما الذين لهم أهداف مكتوبة فلم تتجاوز نسبتهم الـ3%!. فكيف يكون حال وضوح الأهداف في بلدٍ نصفُ سكانه من الأميين؟!.
-نحن لا نرى إلا جزءاً من الإمكانات المتاحة، ولا نستخدم إلا جزءاً صغيراً من إمكاناتنا، ومن خلال الطموحات الكبيرة والعمل الجاد المستمر يتسع أفق رؤيتنا للأشياء، ونشغِّل قدراً أكبر من أجهزتنا، وبذلك يتغير الحال بإذن الله إلى الأحسن.
-كثير من الناس لا يرسمون أهدافاً محددة لهم خشية الإخفاق وعدم التمكن من تحقيقها، وهم في ذلك مثل الطائرة التي أكلها الصدأ بسبب الخوف من تحطمها أثناء الإقلاع والهبوط!. إنّ الذي يرسم لنفسه هدفاً قد يحقق عشرين في المائة منه، أما الذي لا يقوم بذلك، فإنّه لن يحقِّق أي شيء.
-الحضارة الحديثة نمَّت لدى الناس جميعاً صفة سيِّئة هي: (الفردية المفرطة) وكان هذا سبباً للشعور بالاغتراب، كما أنه أضعفَ من روح التضامن والتعاطف بيننا، وزاد في درجة الأثرة والأنانية، وعلى المدارس والأسر جميعاً العمل على معالجة ذلك بصبر وجدية.
-أهل الغيرة على أُمّة الإسلام كثيرون جدّاً، لكنهم مرتبكون في التعرف على نوعية مساهمتهم في الارتقاء بشأنها، لكن سيهون ذلك إذا نظرنا إلى مصلحة الأُمّة على أنها أشبه ببحيرة، ونظرنا إلى أي جهدٍ بنّاء على أنّه أشبه بدلوٍ يتم إفراغه في تلك البحيرة.
-المسلم الحق لا يستطيع إلا أن يهتم بالمستقبل، ولا يستطيع إلا أن يفكر فيه، ويخطط له، ولم لا ونحن سنقضي الجزء الأكبر والأهم من حياتنا فيه؟
-إن عظيم الهمة لا يقتنع بملء وقته بالطاعات، وإنما يفكِّر أن لا تموت حسناته بموته وذلك من خلال الحرص على أن يكون فيها ما هو مصدرٌ لصدقة جارية مستمرة، وإنها لقضية تستحق الكثير من الاهتمام.
-إنّ الظروف السائدة بالنسبة إلى كل واحد منا ليست شيئاً نهائياً، وإن علينا أن ننظر إلى التغيير على أنّه نوع من التربية الذاتية والتحسين الشخصي. الجمود نوع من الموت، والتجديد روح الحياة، فجدِّد حياتك.
-كثيراً ما نختلف لأن كل واحد منا يعتقد أن ما لديه من أفكار، وما مضى عليه من عادات وتقاليد هو الأصوب والأليق والأفضل، وعند التدقيق يتضح أن ذلك غير صحيح، فلدى كل الأفراد والشعوب ما هو صواب، وما هو خطأ والسعيد من عرف عيوبه، وأخذ في معالجتها.
-إن أفضل تخطيط للمستقبل يكمن في صواب قرارات اليوم والالتزام الدقيق بأداء الواجبات الشخصية.
-على المسلم الحق أن يخطط حياته على نحو مستمر، ويستثمر أوقاته على نحو دائم حتى لا يقع في أحضان البطالة، والتي هي منبع لكثير من الرذائل. إنّ العمل الشريف حياة جيِّدة، وإنّ العاطلين عن العمل أشبه بالموتى.
-بعض الناس يظنون أنّ الفرصة الكبرى لبلوغهم الأماني ستكون في المستقبل، وهذا من الأوهام، إنّ الفرصة الحقيقية هي في الاستفادة من اللحظة الحاضرة على أفضل وجه ممكن.
-مسيرة الحضارة كانت دائماً من الانفراد نحو الاشتراك ومن الخاص نحو العام، وحين أنشأ النبي (ص) المجتمع الإسلامي في المدينة، كان من أوّل ما بدأ به عقد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بوصف ذلك خطوة أولى على طريق إخراج المسلم من الهمّ الشخصي إلى حيز الهمِّ العام، وهذا ما ينبغي أن نركِّز عليه في تربيتنا الأسرية.
-من ميزات وجود أهداف واضحة في حياتنا أنّه يساعدنا على القيام بالأعمال التي نعدُّها مهمة، ويخلِّصنا من مشكلة الانشغال بالأنشطة غير المهمة، وربما كان هذا هو ممكن كثير من أزماتنا على الصعيد الشخصي.
-على الواحد منا أن يجعل لنفسه أهدافاً بعيدة المدى؛ لأن تلك الأهداف هي التي تحدد له ملامح الطريق الذي يسلكه كما أنها تساعده على أن ينهض بعد كل كبوة، وينطلق بعد كل إخفاق. أما المحرومون من الأهداف بعيدة المدى فإنّهم يظلون حائرين في تحديد وجهتهم، كما أنهم يفقدون الطاقة والحيوية المطلوبة للاستمرار في العمل!.
-يكون العمل عظيماً بمقدار عظم الغايات التي يستهدفها، وعلى هذا فإن أعظم الأعمال تلك التي تبلِّغنا رضوان الله تعالى، وإن أجمل الدروب هو ذاك الذي يتصل بباب من أبواب الجنة.
-حياة من غير أهداف، هي حياة من غير ثمر ولا أثر، وإن كتابة المرء لأهدافه تزيد من احتمال تحقيقها بنسبة مضاعفة عشر مرات، أي (1000%) لكن الناس يخافون من كتابة أهدافهم لأنّهم لا يحبون الالتزام القوي بأي شيء!
-جوهر التمدن ليس في التطاول في البنيان، والإيغال في امتلاك الأشياء، وإنما في ضبط الذات عن الاسترسال في الشهوات، وفي الشفافية القوية تجاه ما يُزعج ويعكِّر صفوفهم.
-يشعر كثير من الناس بالفراغ لعدم وجود شيء ذي قيمة يملؤون به أوقاتهم، والشعور بالفراغ يولِّد الشعور بالقلق وتضاؤل الذات، والحل هو أن نخطط لاستثمار طاقاتنا وأوقاتنا على نحو جيِّد، وحينئذ سنشعر بالغنى والامتلاء والسرور.
-مشكلة كثير من الناس لا تكمن في أنهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، وإنما تكمن في أنّه ليس لهم أهداف أصلاً، ومن الواضح أنّ العمر يضيع سدى إذا لم نستثمره من خلال أهداف مستقبلية محددة وواضحة.
-يولد الناس الولادة الأولى من غير إرادة أو رغبة منهم وعليهم بعد ذلك أن يخططوا لولادة استنارة عقولهم وإشراق أرواحهم وعظمة نفوسهم من خلال الجهد المتواصل بقيادة طموح غير محدود.
-حين يعمل المصنع بنصف طاقته، فإنّه قد يخسر، وقد يحقق القليل من الأرباح، وهكذا نحن حين نضيِّع الكثير من أوقاتنا من غير فائدة، ويحدث كثير من هذا بسبب غموض أهدافنا وضآلة طموحاتنا.
-إذا أردنا تفوقاً لا تشوبه شائبة، ولا يرقى إليه الشك، فإن علينا أن نحاول دائماً التفوق على أنفسنا وأن نعمل على أن يكون يومنا خيراً من أمسنا، وغدنا خيراً من يومنا في مسيرة غايتُها رضوان الله – تعالى –، والعيشُ على النحو الذي يليق بالإنسان المسلم.
-مطلوب من جميع المسلمين أن يحيوا بالإسلام، وأن يتهدوا بهديه في جميع شؤونهم، ومطلوب من 5% منهم أن يعيشوا للإسلام يحملون هموم أهله، ويضيئون دروبهم، ويشجعونهم على الاستقامة والصلاح، فمن منا لديه العزيمة ليكون من هذه الفئة المباركة المحظوظة؟.
-لا شيء يقضي على الطموحات والتطلعات مثل التسويف والمماطلة، وإن علاج ذلك يكون بأن نرتب على أنفسنا القيام ببعض الأعمال الصغيرة، ونحاول الالتزام بذلك بكل حزم ودقة.
-مهما تقدمت الأسلحة، وتطورت، فإنّ (الإنسان) يظل هو العنصر الأساسي في حسم المعارك، وقد قال الأمير محمد عبدالكريم الخطابي: (السلاح الحقيقي لا يُستورد من هنا أو هناك، ولكن من هنا (يشير إلى القلب) ومن هنا (يشير إلى العقل).
-العاقل يكيِّف نفسه مع العالم، على حين أن غير الجاهل يصرُّ على أن يتكيف العالم معه، وبما أن بين الجنون والعبقرية حاجزاً ضيِّقا، فإن كل قفزة حضارية كبرى أحدثها أشخاص مبدعون عام رفضوا الاستسلام للمعطيات الراهنة، وكانوا موضع استغراب من معاصريهم!.
-إذا شعر الواحد منا بالسأم والملل، أو شعر بأنّه يعيش على هامش الحياة، فليقم بشيئين أساسيين تحديد أهدافه وتجديدها ثمّ اللجوء إلى العمل النافع، فالعمل هو الذي يجعلنا نشعر بأن لحياتنا معنى، وهو وحده الذي يجعلنا نتذوق لذة الإنجاز.
-يُخفق الكثير من المؤسسات الدعوية والخيرية في تحقيق مستوى عالٍ من الإنجاز ليس بسبب ضعف المحاسبة والرقابة، ولكن بسبب افتقارها للأهداف الواضحة وعدم اعتمادها معايير راقية للجودة والأداء.
-التأبي والممانعة من الأشياء المهمة للحفاظ على الهوية، لكن إذا اقتصرنا على ذلك، ولم نبدع وفق أصولنا، فإن مدنيتنا تصاب بالتحلل الداخلي، وهو أشد فتكاً من العدو الخارجي.
-حين لا يكون لدينا أهداف حقيقية وبرامج لبلوغها، فإنّ الإجازة يمكن أن تتحول إلى عبء ثقيل ومصدر للإزعاج، ولا غرابة فالفراغ أحد الأعداء الحقيقيين للسعادة.
-الأعمال الحضارية الجليلة لا تقوم على المنع والحظر والتقنين، وإنما تقوم على المبادرة والشغف والعطاء المتدفق.
-لدينا الكثير من الأذكياء والكثير من طلاب العلم، لكن لدينا القليل من المتميزين والنابهين جدّاً، وما ذلك إلا لأننا كثيراً ما نرتبك في استثمار ذكائنا ومعارفنا ومهاراتنا، وإن أبسط استثمار لها، يتمثل في أن يكون لنا هدف واضح، نؤمن به بقوة وخطة جيِّدة ننفذها بعزيمة.
-تعلِّمنا عقيدتنا أن كل ما كان من شأن الدنيا، فهو صغير وكلّ ما كان من شأن الآخرة، فهو كبير، ولهذا فإنّ المرء يكون كبيراً على قدر اهتمامه بالأشياء الكبيرة، ويكون صغيراً على قدر اهتمامه بالأشياء الصغيرة، وهذا ميزان دقيق لمن شاء أن يزن نفسه، ويعرف موقعه على خارطة العظماء.
-تعاني أُمّة الإسلام من تخلُّف مادي عمراني ومن تخلف عن المستوى المطلوب من الاستجابة للمنهج الرباني الأقوم، وإن تراجع الروح الإسلامية في الماضي هو الذي أدّى إلى التراجع العمراني، ومن هنا فإنّ النهوض اليوم يحتاج إلى أوبة صادقة إلى أخلاقيات الصالحين الذين أسَّسوا الحضارة الإسلامية، وخطّوا الحروف الأولى في تاريخ هذه الأُمّة.

المصدر: كتاب المسلم الجديد (مقولات قصيرة في بناء الذات)

ارسال التعليق

Top