◄نحن أُمّة موحِّدة تبنى حياتها على أساس التوحيد الخالص لله تعالى، وترفض كلّ الظواهر الصَنميّة والتصورات المنحرفة عن الأشياء بالشكل الذي يجعلها شريكة لله، كلّ مفاهيمنا مبنية على التوحيد، وكلّ خططنا العملية تستمد منه روحها، والتوحيد أمر فطري بمعنىً من المعاني، ولكي نتأكد من ذلك تعالوا ننظر إلى أنفسنا لنعرف آيات الله فيها، وإننا نعلم أنّ الأمور التي تشترك فيها النفوس تعبِّر عن حقائق خارجية لا يمكن إنكارها، فإذا نظرنا إلى أنفسنا رأيناها تتجه بوضوح إلى الكمال المطلق، هل يقف طموحك أنت عند حدٍّ؟ هل يستقر قلبك إذا استمعت إلى تفسير مادِّيٍّ أعمى للحياة؟ هل يتقبَّلُ وجدانك فكرة الآلهة المتعددة المتناحرة في الكون؟
وفي الواقع أنّ الوثنيين أنفسهم – أي الذين يعتقدون بتعدد الآلهة – هؤلاء لا تستقر أرواحهم إلّا عندما يفرضون وجود (رب الأرباب) وهو تعبير آخر عن حسِّ التوحيد في أعماق الإنسان، فالصفاء النفسي والتأمل في أعماق تطلعات النفس يكشف لنا عن دفع فطري للتوحيد، وعندما تصل القلوب إلى الله تكون قد بلغت غاية ما تريد فتطمئن (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28)، إنّ هذا الدفع النفسي الأصيل لابدّ وأن يُعبِّر عن حقيقة كبرى وهي حقيقة التوحيد.
دعوة جميع الأنبياء إلى التوحيد:
بَعدَ هذا أودُّ أنْ نلتفت إلى حقيقة كبرى بعناية، تلك هي حقيقة دعوة الأنبياء جميعاً إلى الإله الواحد، فليس هناك من نبيّ يحمل معه شواهد صَدقْهِ دعا إلى إله آخر، أو آمن بفكرة التعدد – أي تعدد الآلهة – يقول القرآن الكريم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 25)، ويقول تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/ 18)، وعندما نلاحظ دعوة الأنبياء لقومهم كما يعرضها القرآن الكريم نجد الوحدة حتى في التعبير: فنلقرأ معاً: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ...) (الأعراف/ 59). (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف/ 73)، (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف/ 85)، ها نحن نجد الوحدة حتى في التعبير عن التوحيد عند جميع الأنبياء، والتاريخ لا يحدثنا عن نبيّ ادّعى السفارة عن السماء وحمل ما يثبت صدقه ثمّ دعا إلى غير التوحيد. هذه الحقيقة الكبرى إذا انضمت إلى حقائق أخرى كالأدلة الواضحة التي قامت على وجود الله وكونه كمالاً مطلقاً، وكالأدلة الواضحة على صدق الرسول في دعواه الرسالة عن الله تعالى عبر ما يحمله مِن معاجز يتحدَّى بها البشر، وعبر استقراء حياته للإيمان بصدقه، كلّ هذه الحقائق توضح للعقول حقيقة التوحيد.
الأدلة الوجدانية على التوحيد:
وما أحسن ما قاله العالم الجليل السيد عبدالله شُبَّر في كتابه "حقّ اليقين": "إنّ الفطرة السليمة شاهدة والعلم العادي قاض بأنّه لو كان مع الصانع إله آخر لم تحتجب عن أحد آثاره، ولوصل خبره إلى الناس، ولَعْلِمَ حالُه مع الباري جلَّ ذِكره من التوافق وعدمه، ولأرسل إلى الخلق رسله بأوامره ونواهٍ ووعدٍ ووعيد...
ثمّ يقول: وهذا البرهان بزغ نَيِّرُهُ من مشرق باب مدينة العلم حيث قال – عليه السلام – في وصيته لولده الحسن أو (محمد بن الحنفية على اختلاف الرواية) واعلم يا بني: أنّه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ورأيتك آثار ملكه"[1].
ونعود فنكرر هذا السبيل إلى التوحيد فتقول:
أوّلاً: إنّ الأدلة الواضحة دَلَّت على وجود الله الكامل المطلق.
ثانياً: إنّ الأدلة الواضحة كالمعجزة والسلوك القويم، دَلَّت على صدق الرسُل في دعواهم لرسالاتهم عن الله.
ثالثاً: إنّ جميع الأنبياء دعوا إلى الله الواحد الأحد.
فلا يبقى لنا ريب في الوحدانية الإلهية بعد هذا، وهذا ما يمكن أن نضيفه إلى كلِّ الأدلة التي تُذكر للتوحيد لنؤكد أنّ العقل والفطرة يشيران إلى الوحدانية بوضوح، وإذْ تأكدنا من وحدانية الذات الإلهية تأتي مسألة الوحدانية في العبادة وصياغة الحياة الاجتماعية وفق هدى الله، ونفي كلّ قوة تضارع قوة الله، وكلّ موجود يعبد من دون الله صَنماً كان أو طاغوتاً بشرياً متجبراً، والانطلاق لبناء المجتمع العابد لله، المسلِّم له في كل أُموره.
مناحي التوحيد:
تحدثنا في ما مضى عن الأساس الثاني من أُسس أيديولوجيتنا الإسلامية وهو الإيمان بالتوحيد بكلِّ أبعاده، أي التوحيد لله في ذاته فلا شريك له ولا نظير، والتوحيد لله في أفعاله، فهو خالق الكون ومدبره مبقيه، والتوحيد لله في العبادة، فلا تصاغ الحياة إلّا وفق هداه، ولا يقام المجتمع إلا على أساس من عبادته والتقرب إليه والائتمار بأوامره والانتهاء بنواهيه تعالى، وقلنا إنّ ذلك يعني بوضوح نَفْيَ كُلِّ الظواهر الصَنَميّة من الحياة، إعلان الحرب ضدها، والعمل على محو النظم والأيديولوجيات الخاطئة المقامة عليها، وتحرير الذهن الإنساني من قيودها المحطّمة.
فمادام في الأرض نظام وضعي فإنّ المسلم يشعر بأنّ الحياة مازالت غير موحَّدة، ومادام في الأرض طاغوت يحكم بغير ما أنزل الله فإنّ المؤمن الواعي يشعر بلزوم رجم هذا الطاغوت أينما كان وبأيّة صفة تلبَّس، مادامت الأخلاقية الحيوانية هي السائدة فإنّ المرء الواعي يشعر أيضاً بأنّ التوحيد لم يحصل على أثره المطلوب في الحياة الإنسانية.
أدلة التوحيد في القرآن الكريم:
من هنا إذن تتجلى الأهمية التي يمتلكها هذا الأساس المهم في حياتنا، بل إنّه يُشكِّل روح هذه الحياة، وبدون هذه الروح تعود حياتنا موتاً وجموداً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).
ومن هنا أيضاً يتجلى سرُّ الاهتمام القرآني الكبير بمسألة التوحيد، فنجد القرآن يستدل على هذه المسألة تارة باستدلالات فطرية واضحة من مثل قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً) (الإسراء/ 42-43)، ذلك أنّ تصور إلهين كلٌّ منهما مطلق القوة والقدرة؛ يعنى الصراع والنزاع، وواضح أنّ صراع الآلهة يعني خراب الكون بلا ريب.
فسبحان الله وتعالى عما يقولون من الشرك علواً كبيراً، علواً في ذاته عن الشريك، وعلواً في وضوح التوحيد عن الاشتباه بالشرك، وعلى نفس هذا الوتر الفطري تأتي الآية القرآنية الأخرى في سورة الأنبياء الآية لتؤكد أنّه: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء/ 22)، فالسماوات والأرض بنظمها المُوحَّدة لا يمكن أن تقوم على أساس تصور إلهين قادِرَيْن لكلِّ منهما إرادته المُطلَقة، ولا يتبع هذا التصور إلّا فساد في العالم وهو أمر نشهد عدمه، ولنفس هذا المضمون تشير الآية القرآنية الأخرى في سورة (المؤمنون الآية 91-92) حيث يقول تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وفي الآية 117 يقول: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ).
إنّه إذن دليل واحد ينظر إليه القرآن ويُعبِّر عنه بتعبيرات مختلفة وربما نجد القرآن الكريم يذكر الدليل الذي تحدثنا عنه في ما مضى أي الدليل الذي يعتمد على صدق الأنبياء ووحدة دعوتهم فيقول تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 24-25).
جلاء التوحيد في الفطرة الإنسانية:
ونحن تارة ثالثة نجد القرآن يتحدث مع الوجدان الموحد، ويثير كوامن الفطرة ومخزوناتها، فيقول تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (النحل/ 51-54)، فالإنسان الذي يقع في ضرٍّ مهول تزول عنه كلّ الحجب المادية الخداعة وتتوجه فطرته إلى الله الواحد لا غير.
ولا يبقى بعد هذا إلّا التشكيك والظنّ والتخمين وإثارة الشبهات التي يأباها العقل السليم: يقول تعالى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) (الرعد/ 33)، وما أروع قول القرآن في وصف حال المشركين إذ يقول: (وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) (يونس/ 66).
ظاهرة التوحيد في السلوك الإنساني:
أنّ التوحيد يشكل منطلق التصور الصحيح عن الكون، وأساس الأيديولوجية الإنسانية التي تتكفل بناء إنسانية صالحة متكاملة، والروح التي تهب النظام فاعليته وضمانته التطبيقية في نفس الوقت. إنّ التوحيد بمعناه الأصيل جعل أساساً لكلِّ انتصار حضاري متوقع للإسلام، فكان الرسول الأعظم (ص) أول ما قال لأهل مكة: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" ذلك لأنّه يعلم أنّ كلمة التوحيد لا تقف أبداً عند حد الكلام وإنما تتجاوزه إلى حدٍّ صنع الحضارة، وهذا ما أثبته التاريخ بوضوح، ومن هنا كانت هذه الكلمة المحور الأساس الذي تجتمع عليه كلّ الديانات فيقودها إلى الخير والسعادة. يقول تعالى مخاطباً رسوله الكريم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 64)، أرأيت كيف كانت الكلمة: "ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئاً" انها كلمة تنعكس على الحياة فإذا بها حياة عابدة لله لا يتخذ فيها البعضُ البعضَ الآخر ربّاً من دون الله، وإنما الكلُّ مخلوقون متعهدون مسؤولون مسلمون لأمر الله ونهيه، وما أجمل تلك الحياة الإسلامية وما أكثر ما نتوقع منها أن تترك من آثار، فلنعش إذن مع بعض إشعاعات التوحيد على حياتنا، ولنعمل على أن نوجد هذه الإشعاعات إن لم نجدها في بعض جوانب الحياة. إنّ التوحيد يشكل مقياساً لوحدة الإنسانية ومحوراً يطوف حوله كلّ أفراد البشر ومجتمعاتهم، ذلك أنّه يعني أنّ الربَّ واحد لا شريك له، وأنّ كلَّ ما عنده مخلوق له، وأنّ أفراد الإنسان هم متساوون في النسبة إليه، وأنهم يمثِّلون أفراداً لنوع خلقه الله وحمَّله مسؤولية إعمار الأرض بتكافؤ وتضامن وتعاون، وأودع في كلِّ منهم طاقات واحدة، ورسم لكلِّ الأرض منهجاً يتكفل سيرها على طريق تكاملها، فطلب من رسول أن يخبر الناس بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف/ 158)، فيجب أن تنتظم البشرية كلها في مسيرة واحدة هي مسيرة التسليم الجمعي لرسالة الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (البقرة/ 208)، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 92)، وبهذا يتكفّل التوحيد بناء الإنسانية موحدة، وعندئذ تذوب الحروب والتناحرات المصلحية الضيقة التي مازال العالم يتخبط في آثارها المدمرة، ويبدل الإنسان غير الإنسان الذي نبصر وغير المجتمعات التي نشاهد. إنّ لتوحيد و"رضا الله الواحد" هو المقياس الوحيد الذي يمكنه أن يجمع البشرية على خط واحد وذلك بمختلف ألوانها وأجناسها ومختلف مناطقها الجغرافية وأذواقها ونفسياتها ومختلف مراتبها وقدراتها المالية.
نعم: رضا الله لوحده هو مقياس الوحدة، والوحدة العالمية هي الضرورة التي يحس بها الإنسان اليوم أكثر من غيره، لأنّه اكتوى بنار الفرقة والتمزق والمصالح، أمّا إذا تجاوزنا المقياس التوحيدي للدولة العالمية فلن نعثر مطلقاً على مقياس آخر.
إنّ المقاييس المتصورة لا تتجاوز التجمع على أساس المصالح المشتركة أو على أساس العنصر أو اللون وما إلى ذلك، وهذه الأسس تمزق أكثر مما تجمع، وتمحور أكثر مما تنفي المحاور، فإذا العالم كلّه يعيش حالة من التربُّص والخوف والتكتل، والتكتل المضاد والتآمر والإتفاق كحياة الحيوانات في الغاب، بل هم أضل سبيلاً، إنّ ماعدا التوحيد من مقاييس هي أمور متناقضة بشكل غريب. فمصلحة الفرد لا تتفق مع مصلحة الآخر، ومصلحة هذا المجتمع تكون على حساب المجتمع الآخر، أمّا موضوع الوحدة في المصالح العالمية فما زالت لحد اليوم خرافة لا يصدقها إلّا البسطاء السذج، أو مَن لا خبرة له بالأُمور. على أنّ كلَّ المقاييس المادية هي مقاييس متغيرة وغير ثابتة مما يترك أثره الكبير على خلق التمزق البشري، وهل أكثر هزءاً من مقياس مائع لا حدود له. أما رضا الله وأما التوحيد وخصوصاً التوحيد الذي عرضه الإسلام، فهو وحده الذي يمكن أن يشكل أفضل أساس للوحدة العالمية المُثلى. فعلينا إذن كواجب إنساني أن ننشر رقعة التوحيد الإسلامي، وأن نجعل الشعوب تعي الثورة الإنسانية التي بعثها الإسلام في التاريخ.
الهامش:
[1] - نهج البلاغة، ج2، ص70، البحار، ج62، ص30.
المصدر: كتاب في الطريق إلى التوحيد الإلهي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق