• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام علي وحقوق الإنسان(ج1)

السيد ضياء الموسوي

الإمام علي وحقوق الإنسان(ج1)

إنّ للإمام علي (ع) نظرياته التي سبقت العالم بمئات السنين في مجال حقوق الإنسان وفي ترسيخ النظام الشوروي كهيكلية تقوم عليها المؤسسة الحاكمة . فمن خلال مواقف علي وأقواله يلحظ المتتبع لتراثنا الإسلامي البعد الشاسع مابين نظرات الإمام القائمة على احترام الإنسان وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والحرية ، العدائية مابينها وبين الحكم الفردي الشمولي الاستبدادي القائم على إلغاء الآخر واختزال الدولة في ذات الملك ، وتغييب دور الشعوب وجعلها مجرد كانتونات هامشية موزعة على الجغرافيا السياسية على قاعدة ( إنّ السواد الأعظم ملك لقريش ) ،دون أن يكون لها أي دور في صياغة القرارات السياسية أو حق المشاركة في تحديد المصير أو بناء الدولة ، أو أن يكون لها دور رقابي على مؤسساتها ، أو المال العام.
من هذا المنطلق كان علي يركز كثيراً على مسألة(التنمية السياسية) ويرى فيها أنّ بتنميتها وتوسيع هامش الحرية ، وتوسيع الفضاء السياسي من خلال الضوابط السماوية المقننة يكون لها انعكاس إيجابي على تنمية الجوانب الأخرى من إجتماعية وإقتصادية . وأن لاوجود حقيقي لترسيخ(نظرية الإستخلاف) وتفعيل(مبدأتكريم الإنسان) انطلاقاً من الآية المباركة (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء/70) ، إلا عندما يوجد فضاء سياسي رحب ، وقنوات شوروية حوارية وآليات حضارية من خلالها يمارس الإنسان دوره في بناء المجتمع والمساهمة في تعجيل و تسريع عجلته الحضارية. وكل ذلك لايكون إلا عندما يستتب الأمن ويقلل من استخدام السلطة التنفيذية على مجتمع يقوم على التعددية والشفافية ، من هنا فانّ المجتمع لايكتب له الوجود أو النمو والتحضر الحقيقي إلا إذا وجدت له كل المناخات التي تساهم على أن يكون فاعلاً وقادراً على التغيير والاصلاح والبناء ولا يكون ذلك إلا إذا توفر له مناخ الحرية . واعني بالحرية الحقيقية لا المعلبة لأنّ الحرية وحدة لا تتجزأ. أما المجتمع الذي يراد له أن يفصل طموحه بمقاس طموح الراعي ، ويفرض عليه أن يتقولب أو أن يفكر عنه ويقرأ عنه ويطمح عنه ، يتحول بالنتيجة إلى مجتمع (مازوخي)مصاب بالشللية.. غير قادر على الحياة إلا بمفتاح من الراعي أو الخليفة . وكل هذه المفردات يرفضها علي بن أبي طالب ، سواء كان في مرحلة الثورة أو بناء الدولة . وسنبرهن على ذلك بأقوال ومواقف للإمام في هذا الاتجاه . أن تراثنا الإسلامي ملييء رغم سبقه لكل هذه الثورات بقرون بالتشريعات والقوانين التي تدعم المبادئ القائمة على احترام حقوق الإنسان وأحقية الرعية في بناء الدولة ، والمساهمة والمشاركة الفعالة في دفع عجلتها التنموية في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة .
وفي هذا السياق يأتي كلام المتشرع العربي السنهوري باشا حيث يقول :( إنّ في هذه الشريعة عناصر لو تولتها يد الصاغة فأحسنت صياغتها لصنعت منها نظريات ومبادئ لاتقل في الرقي والشمول وفي مسايرة التطور عن أخطر النظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم عن الفقه الغربي الحديث) (1) (المصدر: الفكر القانوني الإسلامي بين أصول الشريعة وتراث الفقه ، تأليف د. محمد فتحي صفحة 304-306).
ومن هذا المنطلق تجد أنّ تراثنا الإسلامي يسبق التشريعات الحديثة بمئات السنين في تقنين مبادئ حقوق الانسان ، فإذا علمنا أنّ أقدم وثيقة لحقوق الإنسان هي في العهد الأعظم (مانحنا كارتا) الذي أصدره الملك الانجليزي جون 1215م والذي يعتبر أقدم وثيقة دستورية في التاريخ الانجليزي في حين أنّ الوثيقة الدستورية لعلي بن أبي طالب في عهده لمالك الأشتر تعتبر من أقدم الوثائق الحقوقية والتي تحمل في جنباتها الكثير من الحنان الإنساني العميق الذي يحيط به الإمام دستوره في المجتمع والتي سبقت (مانحنا كارتا) بقرون عدة ، ترى فيها أبعاداً إنسانية كبيرة وعمقاً في الرؤية ورشاداً في الفكرة . فهل يوجد اعمق من هذا المعنى دلالة على الشمول الإنساني والاحاطة لكل بني البشر من هذه العبارة ، التي سجلها الإمام في دستوره العلوي إذ قال: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم والألفة اليهم ولاتكن عليهم سبعاً ضارياً تغنم أكلهم فإنّهم صنفان : إما أخ لك في الدين أونظير لك في الخلق).
وكتبت مجلةالحقوق العراقية في عددها الثاني سنة 1941م قائلة (لامراء بأنّ عهد الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر عامله على مصر من أنفس الوثائق التاريخية الزاخرة بمبادئ الحكم وأساليب الإدارة وأصول التشريع ، وأخلاق المسؤولين ، وإذا كانت الحضارة اليونانية تفخر على عالم العصر الحاضر بشريعة سولون ، والتاريخ الانجليزي يباهي حضارة اليوم بوثيقة (المانحنا كارتا) ، والثورة الفرنسية تزهو بين تاريخ الثورات (بإعلان حقوق الإنسان)، فحسب الحضارة العربية الزاهرة مجداً وسموا أنّها قدمت للأجيال المتعاقبة منذ أربعة عشر قرناً هذا العهد الأميري الخالد على الدهر بأعدل المبادئ المقررة في فقه السياسة والتشريع). وفي نفس السياق يقول المفكر المسيحي جورج جرداق في تعليقه على الدستور العلوي لعلي بن أبي طالب (فليس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة إلاوتجد له مثيلاً في دستور ابن أبي طالب ثم تجد في دستوره ما يعلو ويزيد...) مع الأخذ بعين الإعتبار الفارق الزمني بين الوثيقتين ، وأنّ الأولى كانت نتاج عقول كثيرة من بني البشر والثانية كانت نتاج عبقري واحد هو علي بن أبي طالب . ولعل المفارقة الأكبر هي انّ وثيقة الأمم المتحدة كتبت وقليلاً ما طبقت موادها في الواقع فما زال العالم والمجتمعات البشرية تلحظ الفارق الكبير بين موادها ونظريات ميكافيلي أو المنطق الذرائعي (البراغماتي) الذي يسوغ للدول انتهاك هذه الحقوق ، في حين أنّ علياً جسدها على الواقع بعدالته والقوانين التي سنها في ذلك الوقت مع رعيته حتى بقت مقولته التي لم يقلها حاكم غيره تثير استغراب وتعجب الكثيرين من ناقدي التاريخ أو مؤرخي تاريخ الأمم والتي قال فيها :
(لقد أصبحت الأمم تشكوا ظلم رعاتها وأصبحت أشكوا ظلم رعيتي ، ولقد كنت بالأمس أميراً واليوم مأمورًا ،وكنت ناهياً واليوم منهياً).
كان بإمكان علي أن يستخدم السيف لكل ناقد ولكل متمرد على الحكم لولم يستخدم السلاح متذرعاً بالحفاظ على أمن الدولة وأنّ (الدولة تمر بحالة استثنائية أو حالة طوارئ) ليقوم بتصفية كل المعارضين للحكم ولو بالرأي لكنه يأبى لنفسه ذلك ، ولأنّه رجل ينطلق من منطلقات شرعية معتمداً على القاعدة الإلهية (أنّ لا استخدام للسيف إلا باستخدامه من الطرف الاخر) أما إذا كانت المعارضة في ضمن الأطر السلمية والنقد فلا يجوز التعاطي معها بالقمع والتجاوز على الحريات . لذلك عندما كان يخطب من على منبر الكوفة انبرى له رجل ممن يكفرونه وقال قاصداً الإمام (لله أبوه كافراً ماأفقهه)فانبرت له جماعة تريد قتله فمنعهم الإمام ناهياً إياهم (اتركوه فهو إما سب بسب أو عفو عن ذنب) . وكأنّه بذلك أراد أن يأسس تعددية ويقنن حرية النقد حتى لرأس السلطة فهو ليس فوق النقد وأكبر من أن ينتقد . فهل يوجد أكثر دلالة على التعددية السياسية من هذا الموقف وهو اعطاء مساحة واسعة من الحرية لانتقاد حتى الرجل الأول من السلطة؟.
فوثيقة الإمام تظمنت عدداً من الحقوق والحريات العامة ، أهمها حرية العقيدة وذلك نلحظه في موقفه المتسامح مع أهل الذمة رغم انّهم أقليات ولا يمثل عنصر ضغط على الدولة إلا انّ الإمام كان يراعي حقوقهم بل جاء في الروايات التاريخية (انّه لما أقدم بسر بن ارطأة بالهجوم على الأنبار وقام بسلب المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة تألم الإمام لكلاهما دون أن يفرق بينهما . فقال : (ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلائدها ورعاثها...فلو أنّ الرجل مات بعد ذلك أسفاً لما كان عندي ملوماً بل كان عندي جديراً..). فتلحظ كيف انّ الإمام كان يتألم للمسلمة وما جرى عليها كما تألم للمعاهدة دون تفريق . هذا مما يدلل لنا مدى شمولية الإسلام وانّه كما إنّ المسلم محترم في الدولة الإسلامية كمواطن كذلك أيضاً المواطنون الأخرون من أصحاب الديانات الأخرى إنّ لهم حقوقاً وواجبات كما للمسلمين حقوق وواجبات . وكان موقفه مستمداً من موقف القرآن مع أهل الذمة بقول الله في كتابه (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة/256) ، وحق التعبير والاجتماع وحرية المسكن وحرية الرأي والحقوق الأخرى كالحق في الحياة . ونلحظ ذلك في نصحه لمالك الأشتر وإليه على مصر (ولا تقوين سلطانك بسفك دم حرام ). أو حق الملكية الخاصة:(ولا تمسن مال أحد من الناس مصل ولا معاهد)، أو في المساواة بين بني البشر:(ياأيها الناس انّ آدم لم يلد عبداً ولا أمة انّ الناس كلهم أحرار).
وتجد ذلك واضحاً وجلياً في موقفه مع أحد من الانصار عندما اعترض عليه بمساواته في العطاء بينه وبين عبده الذي اعتقه منذ فترة وجيزة حيث اعطى الإمام كلاهما 3دنانير فساوى بين العبد ومولاه فاحتج المولى عليه قائلا:(يا أمير المؤمنين هذا غلام اعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواء فقال: إنّي نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلاً). (الروضة من الكافي للكليني . ج8 ص 69 ط طهران 1389).
وتراه أيضاً في بعده الاجتماعي و التربوي شاخصاً بارائه البعيدة في مقولات مختلفة ومنها قوله (ولاتقصروا أبناءكم على تربيتكم فانّهم خلقوا لزمن غير زمانكم). فكم تختزل هذه المقولة من الأفق الاجتماعي الواسع والرحب وفي من الدلالة الشيئ الكثيربعدم التأطر بالقديم والجمود عليه إذا كان في الجديد تطور لا ينافي الثوابت الإسلامية حتى لو كان في الجانب التربوي . وكل هذه المبادئ التي أراد ترسيخها علي كثوابت للفكر الإسلامي وكمبادئ تحتدى في حالة انشاء الدولة الإسلامية ، لم تأتِ في سياق زمن يحمل معالم العدالة أو في ظل حكومات قائمة على احترام الإنسان أو الإيمان بحقوق الرعية ..بل جاءت في زمن ملييء بالإضطرابات و البشاعة والقهر لدى السلطان ...فبعد قتل الخليفة الثالث ترك وراءه تركة مثقلة بالأزمات والمتاعب السياسية ...لشعب يحمل من الاحتقان السياسي ما يحمل جراء التوزيع الانتقائي لدى الخليفة الثالث حتى قال الإمام:(وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتت الربيع).
وينقل التاريخ انّ زيد بن ثابت وهو من مقربى الخليفة الثالث لما مات خلف من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس مضافاً للضياع والأموال ما قيمته 100000 دينار = طبقات بني سعد .كما ونظر علي وإذا به يرى - وبعد أقل من 40 عاماً على وفاة الرسول- انقلبت السلطة فردية وصارت تنشد طمعاً بالجاه الشخصي . فقد تسلط معاوية على السلطة وكان تسلطه بمثابة انقلاب سياسي على النظام السابق (اغتصاب السلطة ) حتى قال ابن خلدون وهو من مؤيدي النظام الأموي (الوازع الذي كان ديناً ثم صار عصبية وسيفاً وهكذا كان الأمر لمعاوية ...ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا اسمها وصار الأمر ملكاً بحتاً) (المصدر مقدمة ابن خلدون ص159).
وقد بلغ التعسف والدكتاتورية في ذلك الوقت مبلغاً ينذر بالخطورة على الإسلام وعلى كل هذه المبادئ الحقوقية . وينقل لنا التاريخ حادثة خطيرة لأحد الأمراء في ذلك الوقت وهو عبد الملك بن مروان انّه عندما اعتلى منبر الخلافة أخذ يجأر بطبيعة الحكم الذي سينتهجه قائلاً ومحذراً (من قال لي بعد اليوم اتقِ الله ضربت عنقه) (التمدن الإسلامي لجورج زيدان ج1 ص79 والكامل ج4 ص251). هذه بعض ملامح الحكم مما قبل وبعد مجئ الإمام علي (ع) وفي هذه العجلة نحاول أن نقترب قليلاً من ملامح حكومة علي (ع) ومدى ترسيخها لمبادئ حقوق الإنسان. فنبدأ بأول الحقوق الحق في الحياة: كان علي (ع) وكما ينقل لنا التأريخ أحرص الخلفاء على دماء الرعية وكان السلم والعفو هما الخيار الذي يلتجئ إليه الإمام في حله لمشاكل الدولة الداخلية أو الخارجية . وكانت انطلاقته وفق المعاير الإسلاميه لا وفق الهوى منطلقاً من الآيات التي تحرم قتل الناس من دون حق (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً...) (النساء/ 92) (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة/32)  (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام/151). هذه الآيات كانت شاخصة أمام الإمام علي وهو يحكم الرعية وفي تثبيت نظامه وحكومته، لذلك ما كان ليرمي سهماً في الحرب أو يبتدأ بحرب إلا إذا ابتدئ بها فهو القائل:(لا نقاتلهم أي- أصحاب الجمل- حتى يقاتلونا).
كما وكان حريصاً في ترسيخ هذا المبدأ فباشر تفعيله عملياً من خلال ممارساته وادائه السياسي مع معارضيه ونظرياً وثقه في دستوره الذي أرسله إلى عامله مالك الأشتر. فقد قال له موصياً:(ولا تقوينّ سلطانك بسفك دمٍ حرام). و (ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً). والذي يزيدك يقيناً في حرصه على الدماء دون سفكها انّه اعتد ترويض شعبه ورعيته على انتقاد حتى الحكومة إذا ما تجاوزت حدودها وأخذت تسفك الدماء بغير حق لمجرد المعارضة السلمية . ونلحظ ذلك جلياً في هذا الموقف . فقد اتاه الخريت ابن راشد ذات يوم فقال له:(إنّي خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب وزيد بن حصين - من رؤس الخوارج- وقد سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما). فقال علي: (إنّي مستشيرك فيهما. فماذا تأمرني). فقال الخريت:( أمرك أن تدعوا بهما فتضرب رقبتهما) فقال علي:(لقد كان ينبغي لك أن تعلم أنّي لا أقتل من لم يقاتلني،  ولم يظهر لي عداوة وكان ينبغي لو أنّني أردت قتلهما أن تقول لي:  إتقٍ الله، بم تستحل قتلهما ولم يقتلا أحداً، ولم ينابذاك ولم يخرجا عن طاعتك) (نهج السعادة ج2ص485).
فهل رأيت حاكماً يروض الرعية على نقده بهذا المستوى؟!ّ إنّه في الحقيقة حاول ومن خلال هذا الموقف على أن يركز مبدئين من حقوق الرعية .
الأول: النقد للحاكم إذا ما ارتكب خطأ،ً وهودليل أيضاً على إعطاء الإسلام مساحة للرأي الآخر في ضمن الإطار والحد الإسلامي أن لا أحد فوق القانون.
الثاني: عدم التساهل في الدماء وعدم الإلتجاء إلى السيف والقبضة الحديدية في التعاطي مع من يعارضون الحكم مالم يلتجؤا إلى العنف كوسيلة للتعبير عن الرأي. مع الأخذ بعين الإعتبار أن يكون الحاكم عادلاً ومسلماً كعلي وأن لايلزم من ذلك التهريج والفوضى أو عدم وجود التكافؤ أو المصلحة العليا للإسلام ، وكل هذه القيود الإحترازية تحتاج معرفتها إلى عقول استراتيجية وعقول فتوائية تجتمع للوصول إلى الحكم في الأمر والبت في القضايا. ونتيجة لهذا الترويض للرعية في التحرز في مسائل الدماء أنّ أحد أصحاب علي وهو حجر قتل نتيجة احتجاجه لمقتل أحد المواطنين من أهل الذمة .
فالإسلام يتحرج بل يعاقب قاتل المسلم بل قاتل حتى الأقليات من الديانات الأخرى ماداموا أخذوا العهود والمواثيق مع الدولة الإسلامية. فمالهم ودمهم حرام . فالحديث يقول:(دم الذمي كدم المسلم حرام ) وكمقولة علي المشهورة:(دماؤهم كدمائنا). لهذا وقف علي مندداً بسياسة معاوية التي لاترى حرجاً في استخدام أي أسلوب لترسيخ الحكم تماماً مثلها كمثل الدول أصحاب الحكم المطلق الشمولي.فلقد ندد علي بمعاوية عندما كان يأمر بالإغارة على أطراف العراق دون أن يفرق بين المسلمين أو النصارى،  فقال الإمام:(ويحك ماذنب أهل الذمة في قتل عثمان) (نهج السعادة ج5 ص308).

ارسال التعليق

Top