• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التشريع الإسلامي بين التشريعات الحديثة

د. محمد يوسف موسى

التشريع الإسلامي بين التشريعات الحديثة
◄تمهيد: يعرف الباحثون عن تاريخ الأمم والشعوب، أنّه كان لكل مجتمع – مهما تكن درجته من الفكر والحضارة – حظه من قواعد قانونية، يجري عليها في معاملاته، وتصرفاته المالية، وفي الأحوال الشخصية، التي تقوم عليها الأسرة من الزواج وما يتصل به، وفي علاج جرائم المجتمع، بوضع العقوبات الزاجرة الرادعة، وفي غير هذا من الشؤون، ومسائل الحياة ومشاكلها. نعم، إنّ هذه المعاملات التي تقوم بين الناس في أي مجتمع، وعلاقات بعضهم ببعض، لا يمكن أن تترك فوضى، ينظمها كل فرد وفق رغبته ومشيئته، وإلا حققت قوله الفيلسوف الفرنسي (بوسويه): "حيث يملك الكل فعل ما يشاءون، لا يملك أحد فعل ما يشاء، وحيث لا سيد، فالكل سيد، وحيث الكل سيد، فالكل عبيد، وتلك حال لا يتصور أن تكون، وإن كانت فهي لا تدوم، إذ ينتهي الأمر إلى أن يكون الحكم للقوة، تقضي في الضعفاء بما تشاء". والمجتمع العربي، في شبه جزيرة العرب قبل الإسلام، لم يشذ – طبعاً – عن هذا الأصل، الذي يقوم عليه بقاء الشخص والنوع والاجتماع والعمران. من أجل ذلك، نعرف من التاريخ، أنّ العرب، عرفوا في جاهليتهم قواعد قانونية كثيرة، قام عليها مجتمعهم، وكان ذلك في نواح شتى، من النواحي التي عالجها الإسلام فيما بعد، فألغى منها ما لا يتفق والعدل والصالح العام، وأبقى ما وجده خيراً، فما كان الإسلام ليغير كل ما كانت عليه الأُمّة العربية، حتى ما كان صالحاً لبناء مجتمع صالح للحياة الطيبة. على أنّه مهما يكن حظ العرب قبل الإسلام، من القواعد والمبادئ القانونية في هذه الناحية أو تلك، من نواحي الحياة العملية، فإننا لا نستطيع أن نزعم أنهم وصلوا من ذلك، إلى ما يكفي لتقوم عليه أمة صالحة للحياة، ومن أجل هذا وغيره، كانت الحاجة ماسة إلى الإسلام وشريعته. أجل! ظهر الإسلام، والعرب – بل العالم كله – في أشد الحاجة إليه، فآتاهم العقيدة الحقة، والشريعة الصحيحة، والنظم التي يقوم عليها المجتمع والأُمّة؛ لتسهم في بعث العالم وإخراجه من الظلمات إلى النور، وكان هذا ما نسميه اليوم، بالفقه أو التشريع الإسلامي.   شموله وغناؤه: والتشريع الإسلامي نظام شامل بلا ريب، فهو يحكم الإنسان وتصرفاته في كل حالاته، في خاصة نفسه، وفي صلاته بالله تعالى، وفي علاقاته بالمجتمع الذي يعيش فيه، وفي علاقة الأُمّة أو الدولة الإسلامية بالدول الأخَر. إنّه ينظم كل هذه العلاقات، وذلك ببيان القواعد التي تهيمن عليها، وتحكمها على اختلاف أنواعها. وذلك يرجع إلى أنّ الإسلام – على خلاف غيره من الأديان التي سبقته – ليس عقيدة دينية فحسب، بل هو دين وأخلاق ودولة، بكل ما تتسع له هذه الكلمة من معنى ومدلول. والواقع يؤيد هذا الذي نقول، فكان لابدّ إذاً من أن يكون في التشريع الذي جاء به، جميع النظم والأحكام التي تقوم عليها كل هذه العلاقات، من عامة وخاصة، سواء في ذلك ما يتصل بالفرد أو الدولة. ولذلك، نجد في هذا التشريع، العبادات وأحكامها، وهذا ما لا يوجد في أي تشريع آخر قديم أو حديث، والمعاملات وأحكامها على اختلاف ضروبها، وبعبارة أخرى، نجد في التشريع الإسلامي – فضلاً عن أحكام العبادات التي تنظم صلة العبد بربه وخالقه – كل ما يشمله القانون، بقسميه الكبيرين: القانون الخاص، والقانون العام. ففيه القانون المدني، الذي يعتبر أصل القانون الخاص، بجميع فروعه الأخرى، وفيه القانون التجاري، وقانون المرافعات، والدولي الخاص، ثمّ فيه القانون الدولي العام، والقانون الدستوري، والقانون الإداري، والقانون المالي الذي يلحق به، ثمّ القانون الجنائي[1]. ومن هذا نرى بوضوح، أنّ التشريع الإسلامي، قد عرض لكل مسائل القانون بأقسامه ورفوعه العديدة المختلفة، وهذا أمر بدهي، لا يحتاج إلى إيضاح أو تعليل، ما دام أنّه كان تشريعاً كاملاً للأُمّة الإسلامية في كل أحوالها الداخلية والخارجية، وكذلك لكل أمة أخرى تريد الخير لنفسها. فهو على هذا، التشريع الشامل لكل أبواب وفروع التشريعات الحديثة، الغني بأصوله القوية، وأحكامه الصالحة لكل زمان ومكان، قامت عليه الأُمّة الإسلامية قروناً طويلة، وأفاد منه الغربيون أنفسهم في قوانينهم الوضعية، أيام كانوا يعتبرون المسلمين عباقرة، ومثلاً علياً في كل شيء، وخاصة فرنسا، فقد استمد القانون المدني الفرنسي الذي وضع عام 1805م، الكثير جدّاً من أحكامه، من التشريع الإسلامي، على مذهب الإمام مالك بن أنس. وذلك، بأنّه لم تأت سنة مائتين من الهجرة، حتى كان مذهب مالك، قد ساد في الأندلس، في الحكم والقضاء، وهو لا يزال سائداً في المغرب الإفريقي حتى اليوم. وكانت بلاد الأندلس مثابة يفد إليها علماء أوروبا، يغترفون من العلم الإسلامي، ويستضيئون بنوره، وهي مع هذا قطعة من أوروبا، وبذلك يكون التشريع الإسلامي، قد حكمت به أقاليم من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا. وكان من هذا، أن انتشر مذهب مالك في تلك الأصقاع، وأن استمرت قواعده وأحكامه معروفة في تلك البلاد، بعد خروج المسلمين منها، فأفاد منه واضعو القانون المدني الفرنسي، حين آن لفرنسا أن تضع لها قانوناً مستقلاً، وليس على من يريد التأكد من ذلك الذي نقول، إلا أن يقوم بشيء من المقارنات، بين التشريع الإسلامي، وبين القانون المدني الفرنسي، هذا القانون الذي هو الأصل الأوّل لقوانيننا الوضعية الحديثة[2]. ولكن بعد أن تزحزح المسلمون في الأزمان الماضية، عن قيادتهم للعالم، وأخذ علماء الفقه الإسلامي بالتقليد في الأحكام الشرعية، وقف الاجتهاد في التشريع، وانزوى الفقهاء عن الحياة العامة قليلاً أو كثيراً، حسب الأزمان المختلفة. ولولا ذلك، ما كنا بحاجة أبداً، إلى اصطناع قوانين لا تتفق وديننا وتقاليدنا، قوانين يتبين من المقارنة، أنّ التشريع الإسلامي يفضُلها في كثير من النواحي.   مقارنات: يطول بنا الحديث، إذا دخلنا في المقارنات الكثيرة بين التشريع الإسلامي، وبين التشريعات الوضعية القديمة والحديثة؛ ونحن نكتفي بالبعض منها، ومنها يتبين لنا سمو التشريع الإسلامي على غيره من القوانين الوضعية، في نواح كثيرة، ليس من اليسير عدها وإحصاؤها. أ‌-      يرى الأستاذ الدكتور علي بدوي، وهو أحد المصريين الأعلام في القانون – بحق – أنّ التشريع الإسلامي له استقلاله عن غيره من التشريعات القديمة، وأنّه يفوق في كثير من النواحي غيره من التشريعات الحديثة، ومن ذلك؛ نظام "الحِسبة" وهي وظيفة اجتماعية قانونية إسلامية، تقابل وظيفة النيابة العمومية اليوم، ونظام العقاب بالتعزير، وهو ترك تحديد العقوبة نوعاً ومقداراً للقاضي، فيحكم بما يراه، تبعاً لما يراه من ظروف الجريمة، وحالة المجرم ونفسيته، هو نظام يمتاز به الفقه الإسلامي، وينادي به كبار العلماء الجنائيين في العصر الحديث[3]. ب‌- والدكتور شفيق شحاته، الأستاذ بكلية الحقوق، يقول في بعض ما كتبه: وإذا أردنا المقارنة من حيث قيمة النظر القانونية، وجدنا التشريع الإسلامي قد سبق التشريع الروماني، في تقرير بعض المبادئ العظيمة. ومنها مبدأ انتقال الملكية لمجرد الاتفاق، أي بلا حاجة إلى إجراءات رسمية وأمور شكلية، ومبدأ سلطان الإرادة أي إرادة كل من المتعاقدين[4]، ومبدأ النيابة التعاقدية، كما يقول وهو بصدد بحث "نظرية النيابة" في العقد بطريق الوكالة أو الفضالة. ومبدأ النيابة هذا، لم يصل إليه التشريع الروماني، إلا بعد جهاد عنيف وهو قد بقي مجهولاً من التشريع الفرنسي القديم، أما الفقه الإسلامي، فقد قال بالنيابة التامة، وبالنيابة التامة إلى حدود بعيدة جدّاً. ت‌-  والأستاذان، الدكتور عبدالرزاق السنهوري، والدكتور أحمد حشمت أبو ستيت، يقولان في المقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، ما يحسن أن ننقله حرفياً أيضاً: "لم تسلك الشريعة الإسلامية في نموها، الطريق الذي سلكه الفقه الروماني، فإنّ هذا القانون بدأ عادات كما قدمنا؛ ونما وازدهر من طريق الدعوى والإجراءات الشكلية. أما الشريعة الإسلامية، فقد بدأت كتاباً منزلاً، ووحياً من عند الله. ونمت وازدهرت من طريق القياس المنطقي، والأحكام الموضوعة.. إلا أنّ الفقهاء المسلمين، امتازوا على فقهاء الرومان، بل امتازوا على فقهاء العالم؛ باستخلاصهم أصولاً ومبادئ عامة، من نوع آخر، هي أصول استنباط الأحكام من مصادرها، وهذا ما سموه بعلم أصول الفقه"[5]. ث‌- هذا ونكتفي في ناحية المقارنات ببيان أنّ التشريع الإسلامي، تسوده النزعة "الجماعية" التي تهدف إلى صالح الفرد والمجتمع معاً، وهذه النزعة تجدها واضحة في تشريعات العبادات والمعاملات معاً، فكل التشريعات في هاتين الناحيتين، تهدف إلى تهذيب الفرد، وتحقيق ما فيه خيره وخير المجتمع بأسره، والمثل لذلك واضحة، ندركها بسهولة ويسر، وتكفينا فيها الإشارة. نشير مثلاً، إلى حكمة تشريع الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج؛ وحل البيع، وتحريم الربا، والأمر برعاية الجار، والوفاء بالعقود، وتحريم الزنا، وإقامة الحدود صيانة للمجتمع، إلى آخر ما نعرف من الأحكام التي جاءت بالأمر والنهي والحل والحرمة، ففيها كلها تهذيب للفرد وخير له وللمجتمع معاً. وبعد هذا التعميم، لابدّ من التخصيص، وذلك بالإتيان ببعض المثل المحدودة والواضحة الدلالة على ما نقول، أي على أنّ الطابع السائد في التشريع الإسلامي من أول أمره، هو الطابع الجماعي، وذلك بعكس التشريعات الوضعية. أوجب الله تعالى في أموال الأغنياء، حقاً معلوماً، للسائل والمحروم، وهذا ما نسميه بالزكاة، التي تؤخذ من الأغنياء، لتعطى للفقراء، ثمّ جعل في أموال الأغنياء حقوقاً أخرى غير الزكاة، ولهذا نرى الله تعالى يقول في سورة البقرة الآية (177): (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ).. وإذاً، ففي المال حقوق أخرى غير الزكاة، وهذه الحقوق تعطى لذوي القربى واليتامى والمساكين ونحوهم. وأوجب التشريع الإسلامي من ناحية أخرى، النفقة اللازمة في بيت المال لكل فقير عاجز عن العمل، وليس له قريب تجب عليه نفقته، لا فرق في ذلك بين المسلم وغير المسلم، الذي يعيش تحت ظل الإسلام. ومن تطبيقات القاعدة الإسلامية المعروفة، وهي: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، هذه القاعدة التي عرفها التشريع الإسلامي منذ وجوده، والتي عرفتها التشريعات الحديثة بعد ذلك بقرون وقرون، تحت عنوان "نظرية سوء استعمال الحقوق". فطبقاً لهذا الأصل العظيم، يجب ألا يسيء المرء استعمال حقه، لدرجة أن يكون في ذلك ضرر كبير لآخر، ولهذا؛ يكون للزوجة أن تطلب تطليقها من زوجها، إذ نالها بضرر غير مشروع. وللجار أو الشريك، أن يطالب بالشفعة فيما باعه شريكه أو جاره لآخر أجنبي، مع أن من خصائص الملكية حرية المالك في التصرف فيما يملك، وللإنسان أن يحفر في أرض غيره مجرى ماء، ليروي أرضه البعيدة عن مجرى الماء، ويجبر صاحب الأرض الأخرى المجاورة للماء على ذلك. تلك المثل، ولو شئنا لأتينا بأُخَر كثيرة، فيها الكفاية لإثبات النزعة "الجماعية" للتشريع الإسلامي؛ هذه النزعة التي نجد مصدرها الأصيل في القرآن الكريم، وسنة الرسول العظيم، وأحكام وآراء كبار الصحابة والتابعين؛ وذلك – كما قلنا – لأنّ الشريعة الإسلامية لم تأت لصالح الفرد وحده، بل لصالح المجتمع كله في أوسع حدوده. أما التشريعات التي هي من صنع البشر، فلم تلاحظ في أوّل أمرها، هذه النظرية الجماعية أو الاجتماعية السامية، بل كانت تسودها الروح الفردية العنيفة، ولنأخذ مثلاً لذلك، القانون الفرنسي، الذي صدر في مفتتح القرن التاسع عشر. لقد ساد هذا القانون، روح فردية قوية تلتئم مع الروح التي أملت حقوق الإنسان، وهي تدعيم حقوق الأفراد وحمايتها، وتنظر إلى الفرد باعتباره العنصر الأهم في الحياة، لا باعتباره جزءاً من كل، هو الجماعة، وقد كان من نتائج ذلك، أن أتى وقت، اعتبرت فيه الحقوق مطلقة المدى، وأن صاحب الحق في استعماله سيد، لا يسأل عما يترتب على هذا الاستعمال، من الأضرار التي تحيق بغيره[6]. ومن الحق أنّ التشريعات الوضعية في هذا العصر الحديث، أخذت في الحد من استعمال المرء لحقوقه، فنشأت نظرية سوء استعمال الحقوق، التي أشرنا إليها آنفاً، ولكن بقي من الثابت الذي لا ريب فيه، أن نظر التشريع الإسلامي إلى حقوق الأفراد وتقييدها بما يحقق مصلحة الجماعة ولا يضر صاحب الحق، أوسع مدى وأبعد أثراً، من نظرية التشريعات الحديثة إلى اليوم، في هذه الناحية. ونعتقد أنّ هذه التفرقة الواضحة، بي طابع التشريع الإسلامي الإلهي، وبين طابع التشريعات الوضعية، ترجع إلى تفرقة أساسية في أصل حقوق الفرد، في الشريعة الإسلامية، والقوانين البشرية. إنّ القوانين الوضعية تعتبر حقوق الفرد حقوقاً طبيعية له، فهو يملكها ويتصرف فيها كما يرى، فلا حد عليه ولا تثريب إن أساء استعمالها، أما الشريعة السماوية الإسلامية، فترى أنّ الفرد نفسه وكل ما يعتبر له عادة من حقوق، ملك لله وحده، والله لا يمنح ما يمنح لعبيده من حقوق، إلا لغرض حكيم، هو تحقيق الخير للفرد والمجتمع معاً؛ ولذلك نجد تقييد استعمال الحقوق في نواح مختلفة، وكثيرة جدّاً، ومن ثم، وجب أن يكون الإنسان في عمله واستعماله لحقوقه متفقاً مع قصد الله من التشريع، وإلا كان عمله باطلاً لمناقضته للشريعة ومقاصدها.   الحاجة دائماً إلى هذا التشريع: يتبين من هذا الذي قلناه، أنّ حاجتنا إلى التشريع الإسلامي – وذلك مبلغ علوه على التشريعات الوضعية، وغناه في كل ناحية من نواحي القانون – لا تزال اليوم أمراً ضرورياً كما كانت فيما مضى. إنّه تشريع صلحت به أمة عظيمة سادت البشرية قروناً طويلة، ولن تصلح في هذا العصر وفي كل عصر إلا إذا أخذت به، وأقامت حياتها على أسسه ومبادئه وأحكامه. وإذاً، لنا الحق في أن نريد، أن يكون هذا التشريع، الأساس الأوّل، والمصدر الرسمي لقوانيننا الحديثة، ولا بأس علينا مع هذا، في أن نفيد من كل خير نجده في التفكير القانوني، لأي أمة من الأمم الأخرى، بل لعل هذا يكون واجباً، فما كانت أمة لتستغني عن غيرها في كل شؤونها. ونحمد الله تعالى، على أنّه وجد وعي قومي في مصر والبلاد العربية والإسلامية، أخذ يطالب بتخليص قوانيننا من الاحتلال الأجنبي، وهو احتلال فرنسي في الأكثر من نواحي القانون، كما أخذ كثير من رجال القانون وأعلامه، ينادون بما نطالب به، وكان من هذا، أن دخل في القانون المدني الجديد، كثير من الأحكام والنظريات المستمدة من الفقه الإسلامي، وذلك أمر معروف. على أنّ هذه بداية طيبة، نرجو أن تصل بنا إلى ما نريد؛ ويسرنا هنا أن ننقل عن الأستاذ الدكتور السنهوري، هذه الكلمة القيمة على وجازتها: "والهدف الذي نرمي إليه، هو تطوير الفقه الإسلامي وفقاً لصناعته، حتى نشتق منه قانوناً حديثاً يصلح للعصر الذي نعيش فيه، وليس القانون المصري الجديد أو القانون العراقي الجديد، إلا قانوناً مناسباً في الوقت الحاضر لمصر أو العراق، والقانون النهائي الدائم لكل من مصر والعراق، بل ولجميع البلاد العربية، إنما هو "القانون المدني" الذي نشتقه من الشريعة الإسلامية بعد أن يتم تطورها. وقد تكون البلاد العربية عن ظهور هذا القانون قد توحدت، فيأتي القانون ليدعم وحدتها، وقد تكون في طريقها إلى التوحيد، فيأتي القانون عاملاً من عوامل توحيدها، ويبقى على كل، رمزاً لهذه الوحدة"[7].  

   الهوامش:


[1]- من الخير الرجوع في هذا كله إلى كتابنا "الفقه الإسلامي – مدخل لدراسته ونظام المعاملات فيه" ص103-115 من الطبعة الثانية، فقد تكلمنا عن ذلك بتفصيل. [2]- هذا رأي بدأ يأخذ قوة في أوساط علماء تاريخ القوانين والشرائع المنصفين، ومع هذا راجع "المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي" للأستاذ سيد عبدالله حسين، ج1، ص17 وما بعدها. [3]- راجع مجلة القانون والاقتصاد، العدد الخامس من السنة الأولى، ص723 وما بعدها. [4]- النظرية العامة للالتزامات في الشريعة الإسلامية، جـ1، ص201. [5]- أصول القانون، ص132. [6]- راجع مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في الشريعة الإسلامية، والقانون المدني الحديث، للأستاذ الدكتور السعيد مصطفى السعيد، ص5.

[7]- راجع العالم العربي مقالات وبحوث، الكتيب الثاني، بحث القانون المدني العربي ص28 و29، نشر الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، مطبعة مصر سنة 1953م.

     المصدر: كتاب الإسلام والحياة

ارسال التعليق

Top