• ١٠ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام علي وحقوق الإنسان (ج2)

السيد ضياء الموسوي

الإمام علي وحقوق الإنسان (ج2)

ولعل المفارقة تكمن أكثر عندما تقارن بين بعض أنظمة اليوم بأشكالها المختلفة في عملية القتل الجماعي دون التمييز بين الجاني والبريء من التهمة في عملية القتل والذبح والإبادة. تماماً كما رأيناه في قنبلة هيروشيما وغيرها من القنابل التي تلقى على الشعوب، ومن الإبادة الجماعية كما حدث لقرية حلبجه من ضرب بالمواد السامة المحرمة دولياً. تجد المفارقة كبيرة بين مدعي حقوق الإنسان وبين علي واضحة جداً في هذه الواقعة التي تصور كيف كان علي ينحو نحواً تأصيلياً يحاول ترسيخه في عقول الناس وحكام البشر والسلاطين في عدم جواز سحب الحكم على الجاني والبريء، (فكما جاء في كتاب الأخبار الطوال للدينوري صفحة 130 وفي كتاب علي وبنوه لطه حسين ص842)، إنّه عندما قتل الهرمزان على يد عبدالله بن عمر بن الخطاب انتقاماً من قاتل الخليفة أبي لؤلؤة لمماثلتها في الديانة وقف الإمام علي موقفاً جريئاً عادلاً في ذلك علناً محاولاً الإقتصاص من عبدالله قائلاً: (لئن ظفرت بهذا الرجل لأقتلنه بالهرمزان) فكون الهرمزان تجمعه ديانة مع القاتل لايسوغ لأحد أن يقتله .
فبهذه القضية أراد الإمام أن يرسخ مبدأ عدم جواز القتل إلا للقاتل، فليس هناك مايبرر قتل الأبرياء والأطفال والنساء وهم بعيدون عن التأمر أو القتل انطلاقاً من الأية (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام/ 164)، والذي ساعد أيضاً على ترسيخ هذا الموقف هو موقف الإمام عندما ضرب من قبل عبد الرحمن بن ملجم، فما كان ليقتص منه وهو -أي الإمام - مازال حيا،ً لذلك -ولحرصه على الدماء- كان دائماً مايوصي الحسن والحسين بعدم الإلتجاء إلى قتل الناس والدخول في استباحة دماء المسلمين بحجة قتل الحاكم ، فلذلك اعتمد هذا الموقف الإسلامي أولاً مخافة اللجوء إلى سفك دم حرام ومخافة أن يحصل ما حصل بعد مقتل الخليفة الثاني من اعتداء أبرياء من قبل أصحابه فأقام في وصيته ونبه على ذلك كإجراء احترازي وقائي وكتشريع للأمة في ذلك (فإن أعش فأنا ولي دمي، إما عفوت وإما اقتصصت، وإن مت فألحقوه بي ولا تعتدوا إنّ الله لايحب المعتدين) (الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1ص226).
ويقول أيضاً-ليعكس مدى رحمة الخليفة على الرعية فهو رحيم، وهو يمثل الإسلام حتى بقاتله فتراه يوصي بقاتليه وكأنّه يوصي بأحد أولاده– (رفقاً بأسيركم .. بحقي عليكم إلا ماطيبتم مشربه ومأكله ...ولاألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين، فإنما هي ضربة بضربة ...ولاتمثلوا بالرجل فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) فالإسلام ليس حريصاً فقط على دماء المسلمين أو الرعية بل جاء في التشريع الإسلامي في باب الديات أنّه(إذا قتل إنسان ولم يعرف بالتحديد قاتله،كما لو قتل في زحام يوم الجمعة فديته من بيت المال) (فروع الكافي ج7 ص354)، بل يوجب الشرع الإسلامي كما جاء في الفقه الإسلامي من وجوب إعطاء أولياء المقتول حقهم من الدية .
ويكفي دلالة على حرص الإسلام على دم الرعية أنّه جعل قتل النفس بغير حق بمثابة قتل المجتمع بأكمله كما جاء في سورة المائدة (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة/32)
الحقوق السياسية:
عندما تقوم بمسح لدول العالم تجد أنّ ثلثي دول العالم يمتلكون مجالس نيابية وبالتالي مما يشعرك بوجود ضمانات لحقوق الإنسان أو أجهزة مراقبة على السلطة التنفيذية والحد من تدخلها في شؤون الناس ولكن وللأسف الشديد أنّ كثير من هذه المؤسسات الديمقراطية شكلية، فمازال الإنسان يعاني الأمرين من انتهاك لحقوقه وخصوصاً السياسية منها، ومازالت الإنسانية اليوم تكافح لمنع السجن الإحتياطي الطويل وللإفراج عن الألاف من سجناء الرأي والضمير في بقاع العالم.
أما الإسلام فهو حريص على حقوق المواطن فيعطيه حرية الكلام والنقد وحرية التنقل بعدم سحب وثيقة السفر، كما ويضمن له كل الحقوق الإنسانية وهو داخل المعتقل ، ويقوم بتعويضه في حالة إثبات براءته للوقت الذي قضاه داخل السجن، وهذا بعينه ماطبقه علي، حيث تسنى له أن يطبقه. فهو لم يقيد حريةالحركة والتنقل أو المنع من السفر لكل أولئك الذين تيقن أنّهم سيحاربونه أو سيالبون عليه السذج من المسلمين . فطلحة والزبير كان على علم أنّهما كانا سيعمدان على تقويض حكومته وأنّهما سيعملان جادين لإثارة الفتن والقلاقل ضد حكومته، ويبدو ذلك واضحاً عندما قالا له واستجازاه بالذهاب إلى العمرة فقال لهم: (ما العمرة تريدان، وإنما تريدان الغدرة، وسأستعين بالله عليكما) إنّ معرفة علي في شريعته ليست كافية لاعتقالهما مالم يتلبسا بالجريمة وتكون البينة الشرعية في ذلك.
كما وأنّه لم يعتقل الخوارج رغم أنّه يراهم يعدون العدة في الكوفة ويحشدون لهم الأنصار ، رغم كل ذلك كان يردد الإمام أنّهم مازال تحركهم ونقدهم ضمن دائرة (النقد الكلامي) فإنا لانحاربهم حتى يحدثوا حدثاً أو يستخدموا السيف، فالإمام لم يلتجئ إلى الحرب معهم لأرائهم أو لانتقادهم لأداء الحكومة أو لخطة أو مشروع الدولة أو ...
فقد كانوا يسئلونه أمام الجماهير وأمام الناس وهو صاحب السلطان والقوة ورغم كل ذاك لم يذكر في التاريخ أنّ قمع صوت أحد انتقده بل على العكس من ذلك كان يلتجأ إلى الحوار معهم، ولم نسمع أنّه استخدم (شرطة الخميس) ضد أحد من ناقديه، الخوارج أرسل إليهم - كما ينقل ابن قتيبه في الإمامة والسياسة وغيرها من المصادر- أرسل إليهم عبد الله بن العباس ليحاورهم ويفاوضهم سلمياً إلا انّه يئس من ذلك. كما وانّه في صفين أيضاً أخذ يناقش طلحة والزبير ان كان (أحدث حدثاً أن يسموه له). فعلى ما كان ليمد يد الحرب وعنده مندوحة للسلم فالحاكم يجب ان لا يلتجأ إلى القمع وأن يكون خياره الوحيد في تعاطي مع المعارضين هو خيار العنف. فسياسة تكسير الرؤوس أسلوب يعتمده الراعي إذا ما أحس بضعف منطقه وقلة حجته في الإجابة والقبول لمطالب الجمهور.
الإمام والتعددية السياسية:
أكرم السيدة عائشة أم المؤمنين خير إكرام رغم انّها البت عليه جموع المسلمين، ولم يقم بأي عمل عنيف ضدها بل هيأ لها حين انتهاء الحرب 20 خادمة يقمن بواجبها وكل الذي بدر منه عتاب في قول إذ قال لها:(ما انصفوك الذين اخرجوك إذ صانوا حلائلهم وابرزوك).
كما وانّه لم يلزم احداً من معارضيه بالانضمام إلى جيشه فترك لهم حرية اختيار موقفهم مادام سلمياً، فحتى الذين تركوا مبايعته بل انتقدوه في فترة توليه للسلطة لم يلتجئ إلى اعتقالهم فاسامة بن زيد وقف إليه أثناء بيعته وهو يوجه إليه الاتهام ناقداً: (لا نبايعك وسيفك مازال يقطر من دماء المسلمين) رغم علمه انّ هذا السيف انما تصبب دماً من دماء الكفر أو أهل الفتن الخارجين على الإمام مفترض الطاعة.
موقفه من الخوارج:
وما يوضح هذا المعنى أكثر انّه رغم انّ بينه وبين الخوارج دماً إلا انّ ذلك لم يمنعه في أن يمدهم بالعطاء من بيت مال المسلمين وهذا مؤشر أخر على مدى تمسك علي بالحق والانصاف والعدل. كما وانّه لم يمنعهم من دخول المساجد وعاملهم معاملة المفتونين المشتبهين رغم انّهم تطاولوا على حكمه وحكومته بل راح أكثر من ذلك يلتمس لهم الأعذار قائلاً: (لا تسبوا الخوارج من بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه).
سجون الإمام علي:
كان علي ملتزماً بجميع الضمانات الإنسانية للسجناء. فكان يخرج فئاة من أهل السجن ليشهدوا الجمعة بشروط معينة ثم يعيدهم. (المستدرك /431).. كما و انّه قام بتقنين مادة في دستوره تنهى عن الأخد بالأقوال التي تنتزع تحت التعذيب كان نصها: (من أقر عن عن تجريد أو حبس أو تخويف أو تهديد فلا حد عليه). (الوسائل ج16 ص 111).
وينقل المستدرك عنه انّه ما كان يبقي أحداً في السجن دون حق فقد كان يعرض السجون كل يوم جمعة، فمن كان عليه حد أقامه عليه ومن لم يكن عليه حد خلى سبيله، (المستدرك ج88 ص36). كما كان لا يسجن إلا بعد معرفة الحق وإنزال الحدود لأنّ الحبس بعد ذلك ظلم. (المستدرك 17/403).
اعطاء المتهم حق الدفاع عن نفسه:
ونلحظ ذلك من قوله: (إنّ الحدود لا تستقيم إلا على المحاجة والمقاضاة واحضار البينة) (الدينوري، الأخبار أطوال ص 130). ولذلك ما نلحظه في التشريع الإسلامي (امتناع القضاء على غائب). (الوسائل 18/17).. كما وانّ الإمام سن قانوناً بأنّه على الدولة ضمان اخطاء القضاة بحيث تدفع ما يستحق للمظلوم أو لأوليائه في الدم والقطع. (الوسائل 18/165).
علي والحد من سلطة الجهاز الأمني:
لقد اثبتت التجارب انّ أكثر الأزمات السياسية التي تمر بها البلاد داخلياً يكون للجهاز الأمني دور في تأزيمها، وانّ أكثر ما تضيع الثقة بين الراعي والرعية هي بسبب العناصر التى تقوم بنقل الأخبار إلى الراعي عن الرعية. لذلك الإمام في الوقت الذي فيه يركز على مسألة الأمن وحفظ الأمن أيضاً إلا انّه يحاول دائماً أن يحد من سلطة السلطة التنفيذية. ففي وصيته لمالك الأشتر عندما تولى ولاية مصر أوصاه بعدة وصايا منها على سبيل المثال لا الحصر: (وليكن أبعد رعيتك منك واشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فانّ في الناس عيوباً الوالي أحق من يسترها.. فلا تكشفن عما غاب عنك منها فانّما عليك تطهيره ما ظهر لك... فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك).. ولا تعجلن إلى تصديق ساعٍ فانّ الساعي غاش وان تشبه بالناصحين).
ولعلك تلحظ الشفافية في الحكم واضحة في هذا المقطع من قوله موصياً الأشتر: (ثم املك حمية انفك، وسورة حدتك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة).. فالإمام هنا يركز أكثر ما يركز على مسألة من (السطوة في الحكم) لكي لا يتحول الجو في البلاد إلى جو بوليسي قامع فيضطرب أمن البلاد وفي يومنا هذا قد تلجأ بعض الأنظمة الفردية كمحاولة لاضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد إلى سياسة (الباب المفتوح). فالإمام بعد أن رسخ مبدأ الشورى كنظام يحكم العلاقة بينه وبين عامة الناس ركز أيضاً على ضرورة أن يلتزم الحاكم بيوم يأتي إليه الناس يسمع إلى شكواهم غير متناسٍ بأن يوصي أيضاً بأن يكون اللقاء بعيداً عن وجود المخابرات أو الجنود الذين يكون وجودهم يمثل قلقاً أو عامل خوف للشاكي فيقول موصياً لمالك الأشتر في أثناء حكمه على مصر: (وأجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلساً عاماً، فتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك، احراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فانّي سمعت رسول الله (ص) يقول: (لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع).. كما انّ هناك بعض الوصايا لعلي لمالك الأشتر وهو يحاول إقامة حكومة إسلامية في مصر نطرحها باسهاب خوف التطويل تاركين للقارئ عقد المفارقة بين عدالة علي التي جسدت قبل 14 قرناً وبين عدالة دول اليوم من دعاة الديمقراطية وغيرها لنجد الفارق الواضح بين الإسلام كأديولوجية تحمل كل معاني السمو والرقي والتقدير للإنسان وبين دساتير اليوم التى أكثر ما تكون شكلية في مضامينها واطروحاتها، نطرحها على شكل مواد لدستور:
المادة الأولى:
1- واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم. فانّهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
2- العفو
أ- (فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانّك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك امرهم، وابتلاك بهم).
ب - (ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندبة، ولا تقولن انّي مؤمر أمر فاطاع فانّ ذلك اذعان في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير).
3-  سخط العامة ورضا الخاصة: (وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعية، فانّ سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وانّ سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة).
4-  صفات الوزير: (إنّ شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً ومن شركهم في الاثام، فلا يكونن لك بطانة، فانّهم أعوان الاثمة وأخوان الظلمة).
5-  الشفافية في الحكم: (ثم ليكن أثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك، وأقلهم مساعدة فيما يكون منك، ثم رضهم على أن لايطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فانّ كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من العزة).
6-  الشورى في الحكم: (وأكثر من مدارسة العلماء، ومنافسة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك).
7-  العدل اساس الحكم: وانّ أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية، وانّهم لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ..فافسح في أمالهم، وأوصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما ابلى ذووا البلاء منهم، فانّ كثرة الذكر لحسن، فعالهم تهز الشجاع، وتحرض الناكل (الجبان) ان شاء الله.
8-  البذل للجنود من الأموال: (ثم اسبغ عليهم الأرزاق فانّ ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم أن خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك).
9-  التنمية والاعمار: (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأنّ ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أضر بالبلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً... فانّ العمران محتمل ما حملته.
10- أسباب تدهور الاقتصاد: (وانما يوتى خراب الأرض من أعواز أهلها، وانما يعوز أهلها لأشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم العبر).
11-  الضمان الاجتماعي: (ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين، والمحتاجين، وأهل البؤس والزمنى، فانّ في هذه الطبقة قانعاً ومعتزاً واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، وأجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فلا يشغلنك عنهم بطر، فانّك لا تعذر بتضييعك التافه لأحكامك الكثير المهم. ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمرهم، ثم اعمل فيهم بالأعذار إلى الله يوم تلقاه فانّ هؤلاء من الرعية أحوج إلى الانصاف من يرهم، وكل فاعذر إلى الله في تادية حقه إليه).
12-  علي وحقوق الحيوان: انطلق علي في تشريعه لحقوق الحيوان من قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام/38) انّ علي ابن أبي طالب أول من أسس جمعية لحماية الحيوان فالتأريخ ينقل مواقف متعددة تعكس البعد الإنساني والقيم الرفيعة لعلي (ع) وهو يتمثل بالواجب الحقوقي لبني البشر وأيضاً للحيوان فلقد نقل لنا التأريخ انّه أسس مربداً للضوال من الحيوانات يقوم باطعامهم. ويقيها قرص البرد وحر الصيف ويطعمها ويعلفها من بيت مال المسلمين.. فينفق عليها إلى أن يمر عليها زمن من يدعيها يقدم البينة وإلا فتستخدم أن أمكن الاستفادة منها وإلا تترك في مكانها. كما كان يوصي المصدقين (جامعي الزكاة ) أن لا يطلعوا بالحيوان بالضاحية، أو بالهجير كما وكان يوصي كثيراً عماله بالرفق بالحيوان (لاتفصلوا الناقة عن فصيلها )، (لاتنهكوا الأم بالحلب، فلا يبقى شيء لوليدها) كما ويوصي عماله كما جاء في وصيته لمالك الأشتر في دستوره العظيم (فإذا أتيتها فلا تدخل دخول متسلط عليه ولا عنيف به ولا تنفرن بهيمة، ولا تفزعنها ولا تسوء صاحبها منها..).
هذا هو تراثنا مليئ بالمواقف والأقوال التي لها دلالات كثيرة على مدي تركيز الشرع على حقوق بني البشر

ارسال التعليق

Top