• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

منهج الإسلام في بناء الأسرة (ج1)

أسرة البلاغ

منهج الإسلام في بناء الأسرة (ج1)

 من دراستنا لرأي الشريعة الاسلامية، وتحليل أفكارها وأحكامها وقيمها الخاصّة ببناء وتنظيم هذا المشروع الحضاري الضخم (الأسرة) نستطيع أن نصنّف خطواته إلى خطوتين أساسيّتين هما:
1ـ الدعوة إلى بناء الأسرة.
2ـ تنظيم الرّوابط الأسرية.
واكمالاً لأهداف البحث فلنتناول كلّ خطوة من هاتين الخطوتين بشيء من البيان والتوضيح:
 
الدعوة إلى بناء الأسرة
 (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).(الروم/21)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا). (الإعراف/189)
(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).(النساء/3)
من استقرائنا لاستعمالات اللغة العربية لكلمة زوج وزواج، ونكاح، نستطيع أن نفهم المداليل النفسية والروحية والاجتماعية والعضوية التي تضمّنها مفهوم الزواج في الشريعة الاسلامية، وندرك سبب استعمال القرآن لكلمة (زوج) كاسم للمرأة والرجل المقترنين بعلاقة شرعية، واستعماله لكلمة (نكاح) كاسم ( لعملية الاقتران، وعلاقة الاستمتاع الشرعية بين الزوجين).
ففي لغة العرب يقال: ( زوّج الشيء بالشيء قرنه به، وزاوجه خالطه وقارنه).
ويقال: ( نكح المطر الأرض: اختلط بثراها).
و( تناكحت الأشجار: إنضمّ بعضها إلى بعض).
وبالعودة ثانية الى قواميس اللغة والبحث عن معنى المخالطة، المنطوي مفهومه في ضمير كلا الكلمتين ( زوج ونكاح) نجد أن:معنى ( خلط الشيء بالشيء ضمّه إليه، ومزجه به، وخالطه مازجه وداخله).
وبالوقوف على معتى ( قرن) الذي انطوت عليه كلمة (زوّج) نجد أن المقصود به هو الربط والوصل. ففي قواميس اللغة ( قرن الشيء بالشيء ربطه ووصله به).
وهكذا يوصلنا الفهم اللغوي لمعنى ( الزواج والنكاح) المستعمل في مصطلح الشرع الى اكتشاف المضامين الانسانية الكبرى التي تنطوي عليها العلاقة بين الرجل والمرأة في عرف الاسلام ومفهومه وهي: ( الضّم، المزح،الربط، الوصل).
واذن فعمليّة الزواج في عرف الاسلام ومفهومه هي: عمليّة تفاعل، وتمازج، وارتباط نفسي وروحي، وضّم الفردين ( الرجل والمرأة بعضهما الى بعض) ليصبحا زوجاً.
فالزوج في اللغة: الفرد الذي له قرين يشاكله، ولولا هذا القرين لبقي كل واحد منهما فرداً لا يملك الزوج المُشاكل لنوعه في هذا الوجود، ولظّل يشعر بالفراغ وآلام البعد عن زوجه، ولبقي يبحث ويعشق بصورة فطرية الانضمام الى ذلك الزوج الذي يخرجه من سجن الفرديّة الموحش، ويملأ فراغات الحبّ والحنان والشوق في نفسه.وقد رسم القرآن الكريم لوحة الحبّ، والعلاقة بين الزوجين، بأداء لفظي جميل وبأسلوب معبّر عن الحقيقة الإنسانية المنطوية في هذه العلاقة:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).(الروم/21)
فصورّها علاقة ( سكن) و(ودّ) و(رحمة)، وجعل السكن هو الطمأنينة والاستقرار الذي يفتقر إليه الفرد- الرجل والمرأة- عندما يكون بعيداً عن زوجه، لذا فهو لا ينعم بسعادة الودّ والحبّ والحنان والشفقة، إلاّ في ظلاله، وإلاّ بالانضمام  إليه، والاقتران به، من ذلك نفهم أن الزوجية في عرف القرآن: ليست رقماً رياضياً يتكون من ضم الرجل إلى المرأة، بل هي عملية حذف الفردية، بمعناها النفسي والعضوي، وبهدفها النوعي والاجتماعي، بالالتقاء والتكامل الفطري بين الزوجين، لتتمازج وتتفاعل وتتواصل وترتبط كل الوشائج والاحاسيس النفسية والبيولوجية ليتم التكامل النفسي والبيولوجي بينهما، فتعود الإنسانية المنشطرة بينهما إلى وحدتها الائتلافية في شخصيتهما، ليكونا أساساً لاستمرار البقاء وتوالد النوع البشري، فالإنسانية التي تنمو وتخصب وتمارس نشاطها هي الكل المتكامل من ائتلافهما وارتباطهما، وبدون ذلك تبقى الانسانية مبعثرة لا تستطيع ان تواصل البقاء:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).(الأعراف/189)
لذا كانت دعوة الاسلام الى الزواج وبناء الاسرة هي دعوة تشريعية وحضارية للحفاظ على الاهداف الطبيعية والاجتماعية للحياة البشرية.
والذي يتابع الدعوة إلى الزواج في الإسلام، ويستقرئ نصوصها ومفاهيمها يدرك أهمية هذه العلاقة الإنسانية وعناية الإسلام بها، ويكشف أهميتها وقدسيتها في الحياة.
فقد تناول القرآن في آيات كثيرة علاقة المرأة بالرجل وفسّر العلاقة بينهما، ووضّح الحقوق والواجبات لكلّ منهما، وقد ورد هذا الحديث في أكثر من ثمانين آية تحدّثت عن الزوجية والنكاح والتمتع وحبّ النساء والعلاقة بهنّ…الخ.
والقرآن عندما يتحدّث عن الزواج والزوجية، يعتبر العلاقة الزوجية علاقة كونية عامّة تسري على الوجود بأسره، وتشمل كل شيء في هذا الكون، ذرّاته ونباته، وحيوانه وإنسانه… الخ، على أساس علاقة الجذب والشوق والارتباط بين كلّ زوج في هذا الوجود، لاكمال نظامه، وحفظ مسيرته.
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).(الذاريات/49)
ليفهم كل من المرأة والرجل علاقته بزوجه على أساس وعي كوني عام، يتخطّى حدود اللذة والحس الغريزي العابر الى الفهم الزوجي والقانوني العام للعلاقة الزوجية.
وإذا انتقلنا من القرآن الحكيم إلى السنةّ المطهّرة، فسنجدها حافلة بالبيان والحديث عن مختلف جوانب الزوجية، وعلاقة الزوجين، حتّى ما يدور بينهما في الخلوة، ولحظات الاستمتاع والتقارب الجنسي.
ولنتناول في موضوعنا هذا شواهد من السنة ترتبط بالزواج وبناء الأسرة، فنذكر منها:
روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام) أنّه قال: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (تزوّجوا وزوّجوا، ألا فمن حظّ امرئ مسلم انفاق قيمة أيّمة ([1])،وما من شيء أحب إلى الله عزّ وجلّ من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرّب في الإسلام بالفرقة) )). (2).
وروي عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: (قال رسول الله (ص): (مَن أحبّ أن يتّبع سنّتي فإنّ من سنّتتي التزويج)(3)
وروي عن أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع) أنّه قال: ((قال رسول الله (ص):
( من أحب أن يتّبع سنّتي فانّ من سنّتي التزويج) )). ([2]).

وروى الصادق (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص): [ رذال موتاكم العزاب] ([3]).
وروي: [ من تزوّج أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر]([4]).
وروي عن الامام الصادق (ع)، أنّه قال: [ إنّ امرأة عثمان بن مظعون – الصحابي الجليل- جاءت رسول الله (ص)، فقالت: يا رسول الله إنّ عثمان يصوم النهار ويقوم اللّيل، فخرج رسول الله (ص) مغضباً يحمل نعليه حتّى جاء إلى عثمان، فوجده يصلّي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله (ص) فقال له: يا عثمان لم يرسلني الله تعالى بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلّي وألمس اهلي ([5])، فمن أحبّ فطرتي فليستنّ بسنتّي، ومن سنّتي النكاح] ([6]).
كما حث الإسلام على السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطرفين، فقد روي عن الإمام علي (ع) أنّه قال:[ أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتّى يجمع الله بينهما] ([7]).
وعن الإمام الكاظم (ع):[ ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة، يوم لا ظلّ إلا ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سرّاً] ([8]).
فهذه المنظومة من الأفكار والمفاهيم وقواعد التشريع التي وردت في القرآن الكريم، والسنة الشريفة، حملت إلينا الوضوح الكامل للقيم الإنسانية والفهم السليم للزواج، والدعوة إلى بناء الأسرة وتكوينها، لأنهّا عش السعادة وذراع الحبّ، وحجر الحنان الذي يجمع أفراده، ويفيض عليهم أحاسيس الودّ والرحمة من زوج وزوجة، وأبناء وأرحام…الخ.
وهذا البناء الحضاري الشامخ-الأسرة-ليعبّر عن أحاسيس الفطرة،وأشواق النفس،وحاجتها الطبيعيّة للاجتماع والألفة والرعاية في الحياة،لذلك نجد الرسول الحكيم(ص)غضب من هجر عثمان لزوجته، وراح يشرح له موقف الإسلام،ويؤكّد بأنّه ضّد الرهبانية التي تدعو إلى هدم الزواج،وتدمير النوع البشري،ومعاداة الفطرة الإنسانية ونظم الحياة الطبيعي، ولذلك نجده في هذا الموقف، في مواقف شريعة أخرى يؤكد أن من سنّته وقانون شريعته ( الزواج)، لأن شريعته الإلهية السمحاء شريعة حنيفيّة.
أي بعيداً عن الشذوذ والانحراف، منسّقة مع منطق الوجود الإنساني ونظام الفطرة الطبيعي، لذلك اعتبر العزوبة رذيلة، والزواج إكمالاً لنصف الدين، لأنه تنظيم للغرائز والميول والنشاطات والممارسات التي تؤثر في نصف السلوك، سواء في المجال الغريزي أو النفسي أو الاجتماعي، أو الاقتصادي أو الأخلاقي العام…الخ.
ولكي يحقق الإسلام أهدافه بشكل متناسق، وغير متعارض، لجأ الى إزالة العقبات والموانع التي اصطنعها المجتمع البعيد عن مبادئ الإيمان، لئلا تصطدم القيم الاجتماعية المختلفة بالقانون الطبيعي للحياة، ولئلا يكون هناك عوارض نفسية، أو اعتبارات اجتماعية تحول دون بناء الأسرة، وإنشاء العلاقات الزوجية، فحطّم كل موانع الطبقية والعنصرية وأمثالهما من الفوارق الجاهلية الأخرى، واستبدلها بقيم إنسانية واعتبارات موضوعية مشروعة.كما هذّب نظام المهور وحارب المغالاة فيه لئلا يكون حاجزاً مادّياً،ومانعاً من انتشارالزواج وإقامة الأسرة.ولننصت للقرآن الحكيم وهو يحدّثنا عن مبادئه وقيمه الإنسانية في الزواج:[ وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ ([9])وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ([10])وَإِمَائِكُمْ ([11])إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ* وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ ([12])مِمَّا مَلَكَتْ ([13])أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ]. (النور/32-33)
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). (البقرة/221)
فالآيات واضحة في الحث على الزواج، والدعوة إلى إلغاء الفوارق الطبقية والمالية ومكافحة البغاء والإباحية.فلا المال ولا الطبقة ولا اللون بل ولا الجمال الحسي يصلح لأن يكون عقبه في طريق الزواج، إنما المقياس هو الصلاح والتقوى وحسن الخلق، فتلك قيم هي الإسلام ومبادئه التي يستمدّها من روحه الإنسانية، ونظرته الموضوعية للنوع البشري، وحقيقة النشاط والظواهر الاجتماعية.
وإلى جانب القرآن الحكيم، قامت السنة النبوية المطهرة بدور بارز في تعميق هذه المفاهيم، وتأكيد تلك القيم نقتبس منها: [ كتب علي بن أسباط إلى الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام) في أمر بناته، وإنّه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه أبو جعفر (ع): (( فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وأنّك لا تجد أحداً مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله، فإنّ رسول الله (ص) قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير] ([14]).
وضرب رسول الله (ص) لذلك مثلاً حيّاً فزوّج زيد بن حارثة – وكان مملوكاً له- زينب بنت جحش بنت عمّته- بنت عمّة رسول الله- وهي من أشرف النساء نسباً، وأكثرهنّ جمالاً، ثمّ تزوّجها رسول الله (ص) بعد أن طلّقها زيد.
وزوّج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ضباعه بنت الزبير بن عبد المطلب سيد قريش-وهي بنت عمّ الرسول-من المقداد بن الأسود،وهو لايرقى إليها شرفاً،ولا نسباً وفق الاعتبار الاجتماعي المألوف.وقد جاء حديث الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) شرحاً وتوضيحاً لهذا الموقف حين قال: [ إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) زوّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلّب، ثمّ قال: إنما زوّجها المقداد لتتضّع المناكح ([15])، وليتأسّوا برسول بالله (ص)، ولتعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان الزبير أخا عبد الله ( أبي النبي) وأبي طالب لأبيهما وأمّهما] ([16]).
وأمر رسول الله (ص) زياد بن لبيد من أشراف بني بياضة، ومن وجهاء الأنصار ونبلائهم أن يزوّج الذلفاء، ذات الشرف والجمال والمكان الاجتماعي الرفيع، لجويبر الصحابي الفقير، الذي كان يعيش على الصدقات، وسط جمع من الفقراء الغرباء الذين لا أهل لهم ولا مال، في سقيفة بناها لهم رسول الله (ص) تدعى – الصفّة- ليقيموا فيها.وقد بدأت قصة زواج جويبر بحوار جميل لرسول الله (ص) مع هذا الصحابي الجليل حين قال له:[ يا جويبر لو تزوّجت امرأة فعففت بها فرجك، وأعانتك على دنياك وآخرتك، فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي من يرغب فيّ؟ فوالله ما من حسب، ولا نسب، ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب فيّ؟ فقال رسول الله (ص): يا جويبر أن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام من نخوة الجاهلية، وتفاخرها بعشائرها، وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلهّم؛ أبيضهم، وأسودهم، وقرشيّهم، وعربيهم، وأعجمّيهم، من آدم، وآدم خلقه الله من طين، وإنّ أحب الناس إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم ]([17])، ثمّ أمره أن يذهب إلى زياد
بن لبيد فيطلب يد ابنته، وحين سمع زياد قول جويبر لم يكد يصدّق وردّه في بادئ الأمر، إلاّ أنّ ابنته الذلفاء اعترضت على موقف أبيها من طلب رسول الله (ص)، وعلى ردّه لجويبر، فتراجع عن موقفه، وزوّجها من جويبر.وفي حياة أهل البيت وأحفاد رسول الله (ص) وهم أئمة المسلمين، وسادة العرب، تجد التجسيد الحي لهذه المبادئ والتسامي الرفيع نحو تلك القيم.فقد روي عن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) حوار رائع، وموقف
 عقائدي فذّ، جرى بينه وبين الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي كان يبذل جهده لمقاومة الإمام علي بن الحسين (ع)، والنيل من مقامه ومكانته، ومن طريف ما يروى أنّه: [ كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة، يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها، وأنّ علي بن الحسين (ع) أعتق جارية، ثمّ تزوّجها، فكتب العين إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى علي بن الحسين (ع): أمّا بعد فقد بلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنّه كان في أكفائك من قريش من تمجّد به في الصهر، وتستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت ولا على ولدك أبقيت، والسلام.
فكتب الإمام علي بن الحسين (ع): [ أمّا بعد فقد بلغني كتابك، تعنفني بتزويجي مولاتي وتزعم أنّه كان في نساء قريش من أتمجّد به في الصهر، وأستنجبه في الولد، وأنّه ليس فوق رسول الله (ص) مرتقى في مجد، ولا مستزاد في كرم ([18])، وإنّما كانت ملك يميني خرجت منّي بأمر ألتمس به ثوابه، ثمّ ارتجعتها على سنّته، ومن كان زكيّا‍ً في دين الله فليس يخلّ به شيء من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمم به النقيصة، وأذهب اللؤم، فلا لؤم على امرئ مسلم، انّما اللؤم لؤم الجاهلية، والسلام] ([19]).
فلمّا قرأ عبد الملك بن مروان الكتاب بهت، وألقاء إلى ولده سليمان، وعلم أنّ محاولة النيل من الإمام (ع) قد فشلت، فقرأ سليمان الكتاب وقال لأبيه: [ يا أمير المؤمنين لشدّ ما فخر عليك علي بن الحسين (ع)، فقال له عبد الملك: يا بنّي لا تقل ذلك فأنّه ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف من بحر، إنّ عليّ بن الحسين يا بنيّ: يرتفع من حيث يتّضع الناس] ([20]).
وهكذا أزاح الإسلام أخطر العقبات وأكثرها إعاقة وتعارضاً مع روحه الإنسانية، ونظريته الواقعية.
وكما عالج الإسلام هذه العقبة الاجتماعية، واستأصل هذا التصوّر الجاهلي المتخلّف، راح يعالج مشكلة مادّية تساهم هي الأخرى – وبشكل فعّال – في إعاقة الزواج، وتحول دون بناء الأسرة، وهي مشكلة غلاء المهور.فالإسلام بعد أن حدّد مفهومه ونظرته للزواج، وقرر أنّه علاقة كونية، ونظام يمارس الإنسان فيه عملية الاختيار والارتباط التشريعي، نظر إلى المهر([21]) نظرة ثانوية، وارتفع بالعلاقة الزوجية فوق الأرباح والمنافع المادية، فحطّم كلّ المفاهيم التي جعلت المهر ثمناً للمرأة، وصنعت من تكاليف الزواج المادية عقبة في الطريق، وجعل رضى الطرفين- الزوج والزوجة- ركني العلاقة الزوجية، وسبب إنشاء الزواج، وليس المال إلاّ هبة أو منحة يقع العقد الشرعي عليه، فتذكر وتسمّى عند إنشاء العقد، ولم يحدّد الإسلام مقداراً محدّداً من المال، بل أجاز إنشاء عقد الزواج على أقل مهر ترضى به المرأة، ولو كل درهماً أو أقل من ذلك، كما أجاز الإسلام أن يكون المهر منفعة، كأن يعلّم الزوج زوجته القراءة، أو يحفّظها سورة من القرآن، أو يعلّمها لغة أو مهنة معينّة…الخ.
كل ذلك تيسيراً للزواج، وحذفاً لكل العقبات التي قد تعترضه، وأول هذه العقبات غلاء المهور، الذي صار في مجتمعنا الحاضر سبباً في العزوبة، وعقبة خطرة في طريق الزواج، بعد أن نشأت مفاهيم جاهلية متخلّفة عن المهر وكلفة الزواج، وما يقدمّ للزوجة من مهر وهدايا، وخصوصاً بعد ارتفاع تكاليف الحياة وتحديد دخل الفرد.وكجزء من منهاج الاسلام الذي جاء ليحلّ مشاكل الإنسان، ويبني حياته على اليسر والنظام، كجزء من هذا المنهاج جاءت المقاومة الصريحة لغلاء المهور وكراهية الإسلام لها وحثّ المسلمين على تخفيض المهور ليكون بأقلّ قدر ممكن.
فقد روي عن رسول الله (ص) أنّه قال: [ أفضل نساء أمّتي أصبحهنّ وجهاً وأقلّهنّ مهراً] ([22]).
وروي أيضاً: [ إنّ من بركة المرأة قلّة مهرها] ([23]).
وروي أيضاً: [ فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها وعسر ولدها] ([24]).
ولقد كانت فاطمة بنت رسول الله(ص)المثل الأعلى في قلّة المهر ويسر الزواج،فقد تزوّجت الإمام علياً (ع)بمهر يسير متواضع،سجّله التاريخ بفخر واعتزاز على الرغم من أنّ فاطمة هي بنت رسول الله (ص)وسيدة نساء العالمين،وكان بامكان أبيها أن يوفّر لها من المال ما تنافس به نساء القياصرة والأكاسرة،إلاّ أن هدفه كان أسمى من ذلك، وعظمة فاطمة وزواجها أجّل من المال والأثاث وعرض الحياة الدنيا.
وقد حدّثنا التاريخ وحفظ لنا هذه الصورة الرائعة بكلّ إجلال وعظمة، فقد روى المؤرّخون أنّ الرسول (ص) حين أراد تزويج الإمام علي (ع) من فاطمة سأله: [ هل معك شيء أزوّجك به؟].
فأجاب الإمام أنه يملك سيفاً ودرعاً وبعيراً فقط، ثمّ اتّفق مع الرسول (ص) على بيع الدرع، فباعه بأربعمائة وثمانين درهماً ثمّ جاء بالثمن، فسلّمه لرسول الله (ص) فقبل رسول الله المبلغ المتواضع وكلّف جماعة من الرجال والنساء بشراء الجهاز والأثاث والمستلزمات الضرورية للزواج ([25]).
فكان أهمّها:
1ـ فراشاً من خيش مصر محشوّ بالصوف.
2ـ وسادة من آدم، حشوها من ليف النخيل.
3ـ عباءة خيبرية.
4ـ قربة للماء.
5ـ كيزان خزف.
6ـ جرّتان خرف.
7ـ مطهرة للماء.
8ـ ستر صوف رقيق.
9ـ سرير مشروط.
10ـ حصير هجريً.
11ـ مخضب من نحاس.
12ـ قعب لبن.
13ـ قميصاً.
14ـ شنّ للماء.
15ـ منخلاً.
16ـ منشفة.
17ـ رحى.
18ـ قدراً من نحاس.
فكانت هذه صورة البيت الجديد، وتلك كلفته المتواضعة، كلّ ذلك ليضرب رسول الله (ص) المثل الأعلى، ويجسدّ المبادئ حياةً وعملاً.
 1ـ كيف يبدأ البناء:
الأسرة ذلك البناء الإنساني الشامخ الذي يقوم على اُسس قانونية وروابط إنسانية، وأخرى غريزية طبيعية، هذا البناء الإنساني الخطير مهّد الإسلام لقيامه بخطوات تحضيرية أساسية، واُخرى بنائية، فأمّا التحضيرية فهي:
أ ـ الحثّ على الزواج وتيسيره- كما بيّنا – ولا حاجة بنا لإعادة الحديث.
ب- كيفية الاختيار؛ اختيار الزوج والزوجة، ونظراً لما لهذا الجانب من أثر وخطورة على حياة كل من الزوجين، ومستقبل الأسرة والأبناء لذلك فقد اعتنى به الاسلام عناية فائقة، وثّبت الأسس والمواصفات الأخلاقية والجسدية والسلوكية الحميدة التي حبّب لكّل من الزوجين انتخابها، واختيار الزوج الذي يتمتّع بها، كما دعاه من جهة اُخرى إلى كراهية بعض الصفات الذميمة ودعاه إلى الابتعاد عن الاقتران بمن كان مصاباً بها.
فقد دعا الإسلام الرجل إلى اختيار المرأة العفيفة الودود الولود، ذات الخلق والدين والتربية الصالحة، التي تنتمي إلى أسرة عرفت بالشرف والعفّة وحسن الخلق وتتمتّع بشخصية محترمة في أسرتها، وأهلها، وإلى جانب هذه القيم والمواصفات الإنسانية لم يرفض الإسلام العناية بعنصر الجمال، وحسن المظهر، والخصائص الجسدية المحببّة في المرأة، إلا أنّه دعا إلى عدم تفضيل هذه الخصائص والصفات على الصفات الأخلاقية والسلوكية، بل جعلها بالمرتبة الثانية من مواصفات الزوج والزوجة الصالحة ([26]). وتشرق السنّة النبوية بعناوين كثيرة، وتزخر بأحاديث جليلة، تتحدّث عن هذا الجانب الخطير في كل من المرأة والرجل.نذكر منها قول رسول الله الكريم:
[ايّاكم وخضراءالدمن،فقيل:يا رسول الله ما خضراء الدمن؟قال:المرأة الحسناء في منبت السوء]([27]).
[ إختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجيعين ([28])]([29]).
[ انكح، وعليك بذات الدين تربت يداك ([30])] ([31]).
[ إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجّة مع زوجها الحصان على غيره، التي تسمع قوله، وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذّل الرجل]([32]).
وروي عن رسول الله (ص) أنّه قال:
[ من تزوج امرأة لمالها وكّله الله إليه، ومن تزوجّها لجمالها رأى فيها ما كره، ومن تزوّجها لدينها جمع الله له ذلك] ([33]).
وأوضح الإمام الصادق (ع) ذلك في حديث آخر:
[ إذا تزوجّها لدينها رزقه الله المال والجمال] ([34]).
وكما أوضح للرجل المعالم الأساسية لكيفية اختيار الزوجة،حدّد للمرأة كذلك خصائص الزوج وسماته الإنسانية:ُسئل الامام محمدالباقر(ع)عن تزويج المرأة فقال:[قال رسول الله(ص):إذا جاءكم من ترضون
خلقه ودينه فزوّجوه، ألاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير].
وقال رسول الله (ص): [ شارب الخمر لا ُيزوّج إذا خطب] ([35]).
وكتب الحسين بن بشّار الواسطي للإمام علي بن موسى الرضا (ع) يقول: [ إنّ لي قرابة قد خطب إليّ، وفي خلقه سوء، قال: ( لا تزوّجه أن كان سيئ الخلق] ([36]).
أمّا الخطوة الثانية من خطوات تكوين الأسرة فهي الخطوة البنائية- بناء الأسرة – وتتّم بانشاء عقد الزواج بين الرجل والمرأة.
وعقد الزواج ( هو اتّفاق بين رجل وامرأة محلّلة، يبيح لكل واحد منهما الاستمتاع بالطرف الآخر).
ولا تنعقد العلاقة الزوجية، ولا يتّم العقد إلاّ بعد رضى الطرفين – الرجل والمرأة – فرضى الطرفين هما ركنا العقد، وبهما يتقوّم ويكون.
وممّا تجدر الإشارة إليه هنا: هو أنّ المرأة هي التي تنشئ العقد، أو من يمثّلها، وليس الرجل، فهي التي تزوّج نفسها، فمنها الإيجاب ومنه القبول والموافقة – وهي التي تحدّد المهر- مقدار المال الذي يقع عليه عقد الزواج ولها أن تشترط شروطاً إضافية على زوجها غير حقوق الزوجية التي ينصّ عليها القانون الإسلامي، كما للرجل أيضاً أن يشترط شروطاً إضافية على زوجته شريطة أن لا يخالف كلّ واحد منهما مبدأ شرعياً مقررّاً.
ويتّم إنشاء عقد الزواج بالصيغة التالية: تقول المرأة للرجل: زوجتّك نفسي بمهر قدره مائة دينار (مثلاً) فيجيب الرجل من فوره: ( قبلتُ).
فإذا نطقت المرأة أو من يمثّلها بصيغة العقد وأبدى الرجل أو من يمثّله قبوله، تمّ عقُد الزواج بين الرجل والمرأة وقامت العلاقة الزّوجية بينهما، وأبيح لكلّ واحد منهما من الآخر ما كان محرّماً عليه قبل العقد، وشرّع لهما بناء الأسرة والعلاقات الأسرية، لأنّ العقد تعبير كاشف عن إرادة الطرفين، ومترجم عن رضاهما، ورغبتهما في الاقتران والنكاح وبناء الأسرة. وهكذا تكون عملية الزواج عملية رضى وتطابق بين إرادة الرجل والمرأة، ولا ينعقد عقد الزواج ولا تقوم العلاقة الشرعية بينهما بالإكراه، أو بفقدان الإرادة والرضى، لأنّ الزّوجية بمعناها الكوني لا تتحقّق إلا بالتطابق النفسي والإرادي بين الرجل والمرأة.
 
2ـ الولي وعقد الزّواج:
أقرّ الشارع المقدس تزويج الأب أو الجد – من طرف الأب- ابنه أو بنته الصغيرين، واعتبر العقد نافذاً، إلاّ إذا كان ضاراً وغير محقّق للمصلحة، فهما- الابن والبنت- عندئذ مخيرّان بين إقرار زواج الأب أو الجد وبين رفضه، عندما يصلان مرحلة البلوغ والإدراك.
أمّا المرأة البالغة الرشيدة فهي إمّا بكر وإمّا ثيّب ([37])، فان كانت ثيباً، فليس لأبيها أو جدها ولاية عليها، وهي صاحبة الرأي والاختيار، وأمّا البكر فقد اختلف الفقهاء في دور الأب والجد في تزويجها، واستدلّ كلّ طرف على رأيه بروايات وأحاديث من السنّة:
وباستقراء هذه الآراء ومتابعتها نجدها ثلاثة:
أ ـ فرأي يقول أن للأب والجد، أو وصي أحدهما- عند فقد الأب والجد- الولاية على البكر في زواجها، وهذا الرأي يذهب إلى أن ولي البكر البالغة الرشيدة ([38]) له أن يزوّج ابنته من الزوج
الكفء،بغير إذنها وموافقتها،ويعتبرتزويجه صحيحاً،وليس لها أن ترفض،أمّا إذا زوّجها من غير الكفء وراعى في تزويجه مصلحته، أو مصلحة غيره، ولم يراع مصلحتها فتزويجه باطل، ولها أن ترفضه.
ب-وفريق آخر من الفقهاء قال بالتشريك، أي باعتبار إذنهما معاً- الأب والجد- أو وصيّهما، أما البنت فليس من حق الأب أو الجد أن يزوجّها دون أن يستأذنها ويأخذ موافقتها، كما انّه ليس من حقّها أن تزوج نفسها دون أن تحصل على موافقه أبيها، فلا يملك أحدهما المستقل من دون الآخر، بل إنّ مشروعية تصرفه ترتبط بالطرف الآخر، شريطة أنّ لا يختار الولي للبنت زوجاً غير كفء، فإن فعل ذلك وأصر على رايه، فلا اعتبار لموافقته وجاز لها أن تزوّج نفسها ولو بغير موافقته.
ج- وذهب فريق ثالث من الفقهاء إلى أنّ البكر البالغة الرشيدة، ليس لأبيها ولا لجدّها أو وصيّهما ولاية عليها وليس لهم حقّ بتزويجها، كما لا يجب عليها أن تستأذن أحداً بزواجها، بل هي التي تملك تزويج نفسها، لأنّ الزواج وفق هذا الرأي عقد كسائر العقود، وكما تملك المرأة البالغة الرشيدة حقّ انشاء عقود البيع والشراء والتملك، والهبة الخاصة بها، وليس لأحد أن يمنعها، أو يشاركها في إنشاء هذه العقود، فكذلك الحال بالنسبة للزواج، واستدلوا على إثبات ذلك بروايات وأحاديث ذكرت في مواضع الاستدلال والاستنباط.
وبمتابعة مواد الاستنباط والوقوف على آراء الفقهاء نجد أنّ الفقهاء جميعاً لم يقصدوا مصادرة إرادتها، أو إيقاع الضرر بها، بل قصدوا حماية المرأة من الاندفاع في مرحلة طغيان الغريزة والمراهقة، وتحّكم الدوافع الشهوانية، ووقوع المرأة فريسة لإغراء الرجال وشهواتهم وتحويلها إلى سلعة للمتعة والترفيه، لذلك اشترطوا موافقة الأب، أو جعلوا الأمر له ما لم يضرّها بتصرّفه، أو اشترطوا الرشد والقدرة على الإدراك السليم لديها.
 وخلاصة القول: أنّ المرأة ملزمة برأي الفقيه الذي تقلّده ( تعتمد عليه في أخذ الأحكام)، وليست ملزمة برأي محدّد.
وهكذا بنى الإسلام الأسرة على اُسس قانونية وأخلاقية متقنة، ليكون البناء محكماً وقويا‌ً، ولتستطيع الأسرة في مجال العلاقة الزوجية أن تؤدي دورها الإنساني العظيم.

 

الهوامش:

[1]الأيمة: المرأة التي لا زوج لها.
[2]الكليني/ الكافي/ ج5/ص 329.
[3]الكليني/ الكافي/ ج5/ص329.
[4]الكليني/ الكافي/ ج5/ص329.
[5]ألمس أهلي: يعني اجتمع بزوجتي.
[6]الكليني/ الكافي/ج5/ص 494.
[7]الكليني/ الفروع من الكافي/ج5/ ص331.
[8]الصدوق / الخصال/ ص141.
[9]وأنكحوا الأيامى منكم: زوّجوا من لا زوج له من الرجال والنساء منكم.
[10]عبادكم: عبيدكم.
[11]امائكم: جمع أمة، وهي المرأة المملوكة.
[12]الكتاب: المكاتبة والاتفاق على التحرير مقابل قدر محدّد من المال بين العبد وسيّده.
[13]ملكت أيمانكم: العبيد.
[14]الكليني/ الفروع من الكافي/ج5/ص 347.
[15]لتتضع المناكح: ليتعلّم الناس التتازل في الزواج، ويبتعدوا عن مشاعر الكبرياء والتعالي.
[16]الكليني/ الكافي/ج5/ص344.
[17]الكليني/ الكافي/ج5/ ص 340.
[18]لأن رسول الله (ص) أيضاً أعتق أمته وتزوّجها، وكان من سياسة الاسلام في إلغاء الفوارق الطبقيّة والعنصرية والقضاء على الرقّ وتسهيل سبل الزواج بالنساء المسترقات بغية تحريرهنّ.
[19]الكليني/ الفروع من الكافي/ج5/ ص344و345.
[20]الكليني/ الفروع من الكافي/ج5/ ص 345.
[21]المهر: هو مقدار من المال يمنح للزوجة بمقتضى عقد الزواج عند إنشائه بين الزوج والزوجة.
[22]الحر العاملي/ الوسائل/ج7/ص78/ط4. والمقصود بها: التي تقبل بالمهر القليل.
[23]الحر العاملي/ الوسائل/ج7/ص79.
[24]الحر العاملي/ الوسائل/ج7/ص78.
[25]من المشهور أن مهر فاطمة (ع) كان خمسمائة درهم ( أربعمائة مثقال فضة)، وتدل عليه خطبة علي (ع) عند تزويجه بفاطمة (وهذا رسول الله زوجّني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم فاسألوه واشهدوا) السيد محسن الأمين/ المجالس السنيّة/ المجلد2/ج5/ص74و75/ط6.
[26]لذا أفتى الفقهاء بجواز نظر الرجل إلى من يريد التزوج بها ( منهاج الصالحين/ كتاب النكاح).
[27]الحر العاملي/ الوسائل /ج7/ص29.
[28]إشارة الى انتقال الصفات الوراثية من أسرة الزوجة الى ابنائها.
[29]الحر العاملي/ الوسائل/ج7/ص28.
[30]تربت يداك : يعني ان لم تفعل تخسر.
[31]الحر العاملي/ الوسائل /ج7/ص30.
[32]الحر العاملي/ الوسائل /ج7/ص18.
[33]الحر العاملي/ الوسائل /ج7/ص14.
[34]الحر العاملي/ الوسائل /ج7/ص31.
[35]الحر العاملي/ الوسائل /ج7/ص53.
[36]الحر العاملي/ الوسائل /ج7/ص54. وحملت هاتان الروايتان على الكراهة، فلا ينبغي للمرأة أن تتزوج سيّئ الخلق والمخنّث والفاسق وشارب الخمر.
[37]ثيب : متزوّجة سابقاً.
[38]الرشيدة:القادرة على التمييز بين ما ينفعها وما يضرها،والرشد:درجه نضج عقلي تساعد على الادراك السليم للأمور.

يتبع...

ارسال التعليق

Top