• ١٦ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف نضمن طفلاً سليماً روحياً وبدنياً؟

الشيخ فاضل الخطيب

كيف نضمن طفلاً سليماً روحياً وبدنياً؟

◄من الأمور البديهية بالنسبة للمربي اهتمامه بطعام الطفل ومحاولة تغذية جسمه بالطعام الكامل الغني بكلِّ الفيتامينات، ولكن الإنسان ليس جسماً خالصاً، وإنما هو نفخة من روح الله أيضاً، قال تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر/ 29)، وقبضة من تراب: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) (ص/ 71).

وطريقة الإسلام في تربية الروح هي أن يعقد صلة دائمة بينهما أي بين الروح وبين الله سبحانه وتعالى في كلِّ لحظة وكلّ عمل وكلّ فكرة، ومن خلال الإيمان تتطهر النفس، ويستقيم الخلق، وينعكس كلّ ذلك على سلوك الفرد ومواقفه وأسلوب حياته.

من هنا ينبغي على المربي أن يغذي روح الطفل لكي ينمو نمواً سليماً، وفي هذا يقول الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): "والله ما سألت ربي ولداً نضير الوجه ولا سألت ربي ولداً حسن القامة، ولكن سألت ربي ولداً مطيعاً خائفاً وجلاً منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرّت به عيني".

إنّ مهمة التربية أساساً هي توجيه الإنسان إلى نظام الفطرة وإعادته إلى قاعدة التوحيد، فالتدين حالة طبيعية وفطرية في الإنسان، قال رسول الله (ص): "كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه"، وقبل كلّ شيء لابدّ أن يعرف الآباء انّ التربية واجب شرعي وليس عملاً مستحباً أو مباحاً لا يؤخذ على تركه كما يقول الإمام عليّ بن الحسين السجاد (ع): "وحقّ ولدك أن تعلم انّه منك مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وانّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه ومعاقب على الإساءة إليه"، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الله يجازي الآباء المهتمين بتربية أبنائهم تربية إيمانية الثواب الجزيل، فقد جاء عن الإمام الحسن بن عليّ العسكري (ع): "انّ الله يجزي الوالدين عظيماً فيقولان يا ربنا أنّى لنا هذا ولم تبلغهما أعمالنا، فيقول: هذا بتعليمكما ولدكما القرآن وتبصيركما إياه دين الإسلام".

من هنا فعلى المربي أن يعلّم الطفل أصول الدين وفروعه، ويعلّمه القرآن ويدربه على الصلاة، فقد روي عن الرسول الأكرم (ص) أنّه قال: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً"، ويدربه على الصوم، فقد روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قوله: "إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا ابني سبع سنين بما اطاقوا من صيام اليوم فإن كان إلى نصف النهار وأكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش والفرث افطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا".

إنّ تعويد الأطفال على الالتزام الإيماني منذ الصغر وقيامهم ببعض الفرائض يساعد كثيراً على زرع الإيمان وتعميقه في نفوسهم عند الكبر، ولابدّ أن يرافق ذلك تبيان العلل والأسباب، فقبل أن تقول له صلي يا بني، لابدّ أن توضح له علة الصلاة، فهذا يزيد ارتباطه وحبه لله، على أن يرافق هذه الرحلة وجود جو مفعم بالإيمان، ولا يتحقق هذا الأمر إذا كان في البيت من لا يصلي أو يقرأ القرآن والاذكار الأخرى، لابدّ أن يصطبغ البيت بالصبغة الإيمانية، وهذه الصبغة الإيمانية كفيلة بأن تزرع الإيمان في قلب الطفل.

ذكر لنا التاريخ عن بيت فاطمة الزهراء (ع) وكيف أنّ ذلك البيت كان مناراً للإيمان ومشكاة للهداية، فقد غذت أبناءها القيم الروحية العالية، ويكفي شاهداً أن يخرج من هذا البيت الطاهر الإمامان الحسن والحسين – عليهما السلام – اللذان كانا مناراً للإيمان ومشعلاً للهداية، وهذه السيدة زينب بنت عليّ (ع) التي رضعت من أُمّها لبان الطهر كيف تحاور أباها بحوار يميط اللثام عن حقيقة التربية عند أهل البيت (عليهم السلام)، فقد أجلسها الإمام عليّ (ع) يوماً مع أخيها العباس يوماً، وقال للعباس: قل واحد.

فقال: واحد.

فقال: قل اثنين.

قال: أستحي أن أقول باللسان الذي قلت واحدا، اثنين.

فقبل عليّ (ع) عينيه، ثمّ التفت إلى زينب (ع).

فقالت: يا أبتاه أتحبنا؟

قال: نعم يا بنيتي أولادنا أكبادنا.

فقالت: يا أبتاه انّ الحب لله تعالى والشفقة لنا!

 

الأولاد والتربية البدنية:

تتم التربية البدنية من خلال:

1-   الحفاظ على الجسم من الأمراض.

2-   بناء الجسم بناء قوياً ذا لياقة بدنية.

لقد تبنى المشرع الإسلامي أسس الصحة العامة وركّزها في مجالاته التشريعية، فهناك كثير من الفروض العبادية والواجبات الإسلامية فيها ثمرات طيبة من جانب الحفاظ على الجسم، يقول الدكتور جورجودار بللانو: "انّ الفروض والواجبات وغيرها من السنن والمستحبات الإسلامية تتصل بالصحة وهي ترمى إلى إصابة هدفين وتحقيق غايتين في آن واحد، غاية دينية وغاية صحية".

هناك الكثير من الروايات التي تتحدث عن الجانب الصحي للإنسان، وتحث الناس الالتزام بقواعد معينة عند الأكل والشرب، وأوّل من أشار إلى ذلك القرآن الكريم حيث بيّن الأسس الصحية، من خلال الآية المباركة: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف/ 31).

إنّ عبارة كلوا واشربوا ولا تسرفوا وإن كانت تبدو للنظر أمراً بسيطاً جدّاً، إلّا انّه ثبت اليوم انّه واحد من أهم الأوامر والتعاليم الصعبة، وقد توصلت التحقيقات العلمية إلى انّ منبع الكثير من الأمراض والآلام هو الأطعمة الإضافية الزائدة التي تبقى في بدن الإنسان ولا تجذبها الأجهزة المعينة للجذب، ولذلك فإنّ الخطوة الأولى لعلاج الكثير من الأمراض هو أن تحترق هذه المواد الزائدة التي تمثل في الحقيقة فضلات الجسم وأن تتم عملية تطهير الجسم منها عملياً.

انّ العامل الأصلي الذي يسبب ظهور هذه المواد الزائدة والمضرة هو الإسراف والافراط في الأكل والبطنة والطريق إلى تجنب هذه الحالة ليس إلا رعاية الاعتدال في الأكل.

وقد نقل المفسر الكبير العلامة الطبرسي في "مجمع البيان" قصة رائعة في هذا المجال، فقد حكي انّ هارون العباسي كان له طبيب نصراني حاذق فقال ذات يوم لعليّ بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان.

فقال عليّ: قد جمع الله الطب كلّه في نصف آية من كتابه وهو قوله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف/ 31)، وجمع نبينا محمَّد (ص) الطب في قوله: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس كلّ دواء، واعط كلّ بدن ما عودته".

فقال الطبيب: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً.

وفي وصية من الإمام عليّ (ع) لولده الإمام الحسن (ع) وقد حفلت بأروع النصائح الصحية والتي اقرها العلم الحديث، يقول (ع): "يا بني ألا اُعلمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب؟ بلى: لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نمت فعرّض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذه استغنيت عن الطب".

كما أكّد المشرع الإسلامي على المهارات البدنية لأنّها عنصر مهم في تكوين حيوية الجسم ونشاطه، فقد روي عن النبيّ محمَّد (ص): "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل"، ومعروف انّ السباحة من أكثر الرياضات التي تحرك كلّ عضلات الجسم، وتعرضت كتب الفقه إلى أحكام السبق والرماية، وهذه الرياضات توجب تنبيه الأعضاء وفتل العضلات ووفور الشاط.

فعلى المربي أن لا يغفل هذا الجانب المهم خلال مراحل تربية الطفل خاصة في هذا الوقت حيث أخذ الطفل ينشدّ ساعات إلى التلفزيون، ويجلس ساعات لممارسات ألعاب الكمبيوتر، وقد دل العلم الحديث والتجربة انّ جسم الأولاد يصاب بالسمنة والترهل نتيجة الأكل وعدم الحركة، فالحركة والرياضة ضرورية في مرحلة ما قبل البلوغ وبعدها.

 

يقول الإمام السجاد (ع): "وحق ولدك أن تعلم انّه منك مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وانّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم انّه مثاب على الإحسان إليه ومعاقب على الإساءة إليه".

  

المصدر: مجلة الرأي الآخر/ العدد 47 لسنة 2000م

ارسال التعليق

Top