الشيخ عبدالحميد المهاجر
قد تجد امرأة تقول: أنا مؤمنة بالله، صائمة مصلية، ولكني لا أؤمن بالحجاب، لأنّ الإيمان بالقلب!
نسأل هذه المرأة الطيبة: هل كانت هذه الفكرة بعيدة عن ذهن فاطمة الزهراء أو زينب بطلة كربلاء – عليهما السلام –؟ فاطمة الزهراء (ع) التي خرجت يوم المباهلة مع والدها وزوجها لم تترك حجابها في البيت. والحوراء زينب خرجت يوم العاشر من المحرم محجبة.
إذا كان الإيمان في قلب المرأة فالحجاب يجب أن يكون انعكاساً لهذا الإيمان. وإذا آمنت المرأة بقلبها دون الإيمان بالحجاب، طبق قول الله عليها: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ...) (البقرة/ 85).
إنّ الحجاب يصون المجتمع من الفتنة والإغراء، كما يصون المرأة من سهام النظرات الأئمة ويخفض كرامتها.
- لماذا الحجاب وما هي حدوده؟
إنّ الإسلام يقدر المرأة ويحترمها، فهو يطلب منها أحياناً ما لا يطلبه من الرجل كالحجاب مثلاً.
فما هو المقصود بالحجاب ولماذا طلب الله – سبحانه – من المرأة أن تتحجب؟
إنّ القرآن الكريم صريح في هذه المسألة. يقول تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) (الأحزاب/ 53).
ويقول: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور/ 31).
ذاك هو الحجاب الذي فرضه الله – سبحانه – على المرأة فأكد عليه القرآن الكريم.
إنّ الإسلام لم يفرض الحجاب على المرأة انتقاصاً لقدرها، بل فرضه، تكريماً لها وصوناً لقدرها ومكانتها. إنّ الحجاب هالة من القداسة طوق بها الإسلام رأس المرأة.
ولكن ما هي حدود هذا الحجاب؟ هل هو المتعارف عليه في المجتمع أم الذي حدده رب العالمين – عزّ وجلّ –؟
فنحن نأخذ الحجاب بحدوده الشرعية عن الإسلام، إذ على المرأة أن تغطي سائر جسدها باستثناء الوجه والكفين: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور/ 31).
يقول الإمام الصادق (ع): "ما ظهر منها أي الوجه والكفان من دون زينة أو مساحيق".
يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) (الأعراف/ 26).
فالحجاب يجب أن يغطي البدن من غير أن تظهر مفاتن جسم المرأة نهائياً حتى لا تظهر مكامن الإثارة في مقابل الرجل. ولأن ما نراه من سفور بل عري في المجتمع يلهب الرجال ولا سيما الشباب إثارة وهياجاً مما ينعكس سلباً على السلوك وذلك يؤدي إلى الفساد.
على أن من تطالعه إمرأه سافرة في الطريق فالنظرة الأولى له والثانية عليه. فقد يؤدي تكرار النظر إلى المرأة السافرة إلى تحرك الغريزة والشهوة عند الرجل وهذا ما يرفضه الإسلام ويحرمه.
- مخاطر ترك الحجاب:
إنّ الأرقام العلمية تؤكد أن معظم الأمراض القلبية مصدرها الإثارة الجنسية. وكلما تبرجت المرأة وتركت حجابها وأظهرت مفاتن جسمها كلما كان ذلك مفسدة للشباب والمجتمع. لذلك دعا الإسلام إلى مواجهة هذا الخطر بالحجاب من جهة ومنع كل عوامل الإثارة من جهة ثانية وفرض على الرجال ألا يدققوا النظر في النساء من جهة ثالثة.
جاء في الحديث الشريف: "من نظر إلى إمرأة أجنبية في شهوة صب في عينيه الرصاص المذاب يوم القيامة".
لا شك أنّ النظر من غير شهوة لا غبار عليه ولكن الحديث الشريف هنا يتناول الأعين الخائنة لأنّ الله سبحانه وتعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/ 19).
وفي مجال النظر والنظرات جاء في القرآن الكريم قوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) (النور/ 30). هذا بالنسبة للرجال، أما بالنسبة للنساء فإنّ الأمر يتجاوز غض البصر وحفظ الفروج، يقول: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور/ 31).
يقول تعالى أيضاً: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) (الأحزاب/ 32). ذلك لأنّ الخضوع في القول يعني التغنج في القول والدلال في الكلام.
يحق للمرأة الكلام ويحق لها أن تقف على منبر الخطابة ولكن من غير خضوع في القول لأنّ ذلك يطمع الرجل فيؤدي إلى مرض في المجتمع وإلى فساده.
لو أنّ المسألة تقف عند حدود طرح الحجاب لقال الإسلام إطرحن الحجاب جانباً. لكن المسألة أبعد من ذلك وأخطر: إنّ الحجاب دليل على عظمة المرأة ومحاولة لحفظها وصونها من الإنزلاق في مهاوي الرذيلة والاختلاط المحرم.
على أنّ الاختلاط ليس محرماً بذاته، فهناك اختلاط في الحج والطواف حول البيت. وهذا اختلاط محتشم. ولكن الاختلاط المحرم هو المنحل والداعر كحفلات الزفاف والأعراس والنوادي والمسارح والمسابح وغير ذلك مما هو شائع في بعض مجتمعاتنا.
إنّ المسألة تجاوزت الحدود فقد طرح الحجاب جانباً وارتدت النساء الملابس القصيرة التي تكشف عن الأجسام والمفاتن أكثر ما تخفي وتستر، على الطريقة الأوروبية حيث سقط الغرب في الهوة وتمزّقت حضارته، فهل نحن مستعدون أن كون على مثال الغرب ومنواله؟ إنّ في ذلك السقوط إلى الهاوية السحيقة لاسيما في السويد مثلاً حيث أصبح من المألوف أن تدخل الطالبات إلى قاعات الدرس منفتحات البطون؟
إنّ ترك الحجاب هو الخطوة الأولى في حكاية الانحلال وطريق الانحراف الطويل الذي لا نهاية له، وليس أقل ذلك الشذوذ الجنسي من لواط وسحاق، فضلاًَ عن الزنا.
إنّ المظاهرات النسائية المطالبة، بالحقوق والحريات الجنسية أصبحت منظراً مألوفاً في الولايات المتحدة الأميركية، ففي لوس أنجلوس خرجت خمسة آلاف فتاة عاريات حتى من ورقة التوت يطالبن بالحرِّية الجنسية.
فإذا كان على استعداد لكي نكون على هذا المثال فلنطرح الحجاب جانباً. وإلا فلنعد إلى إسلامنا الكريم الذي يقطع دابر الفساد من أصله، من أوّل الطريق. لذلك كان الحجاب ضماناً لسلامة المرأة وسلامة الأسرة وبالتالي سلامة المجتمع بأسره وحفظه من كل ضياع وتمزق. وإذا حدث مثل هذا التمزق فإنّ الأطفال هم الذين سيدفعون الثمن.
- الحجاب فلسفة وعقيدة:
إنّ الحجاب ليس مجرد قطعة من القماش تجعلها المرأة فوق رأسها أو لا تجعلها، إنّ الحجاب فلسفة حياتية ومنهج إسلامي وعقيدة ونظام. إنّ الحجاب له وظيفتان: واحدة ظاهرية وثانية داخلية تربوية يقول تعالى: (قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف/ 26).
إنّ الحجاب يجب أن نحصنه بحجاب من التقوى والورع كحجاب الزهراء وزينب (ع). والتقوى هي الأخلاق والدين. لذلك على المرأة أن تستجيب لدعوة الإسلام انطلاقاً من إيمان لا يتزعزع بالله واليوم الآخر. ومن يؤمن بالله فإنّه لا يخالف أوامره.
هذا فضلاً عن أنّ الحجاب لا يعيق المرأة عن الحركة ولا يقف حائلاً بينها وبين طلب العلم ولا يمنعها عن ممارسة حياتها وبعض هواياتها كقيادة السيارة مثلاً. إنّ غاية ما في الأمر هي أن تستر مفاتنها حتى تحشر مع الزهراء (ع)، التي كرّم الله المرأة من خلالها ومن خلال البتول مريم والعقيلة زينب (ع)، كما كرّمها في زوجات النبي (ص) المؤمنات القانتات المنيبات إلى الله – سبحانه وتعالى –.
إنّ النساء المسلمات اللاتي ساهمن في صنع التاريخ قد دفعن الثمن غالياً. فالعقيلة زينب (ع) معروفة المواقف في كربلاء وما بعدها.
المصدر: مجلة الإيمان/ العدد 70 لسنة 1418هــــ
ارسال التعليق