أجل – كانت المرأة في العالم، وخاصّة في الجزيرة العربية عند ظهور الإسلام تلقى شتّى أنواع الاضطهاد، وهي محرومة من ممارسة حقوقها.
فبينما كان بعض العرب يَئِدُ البنات، فجاء القرآن الكريم وأعلن تحريم وَأُدهنّ، وبذلك أعطى المرأة حقّ الحياة.
وبينما كانت المرأة عند بعض الشعوب الأوربية وغيرها تُعدّ من الحيوان الأعجم – الذي لا روح له – أو من الشيطان الرجيم، لا من نوع الإنسان، جاء القرآن معلناً أنّ المرأة أحد العنصرين اللذين تكاثر منهما الإنسان، وجعل المرأة والرجل أحدهما يُكمّل الآخر، وأنّهما خُلِقا من نفس واحدة، قال الله تعالى: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً...) (النساء/ 1).
وبينما كان بعض الأُمم يرون أنّ المرأة لا يصحّ أن يكون لها دين، حتّى أنهم كانوا يحرّمون عليها قراءة الكتب المقدّسة. جاء القرآن الكريم مقرّراً: أنّ النساء ثواب أعمالهنّ الصالحة كالرجال بقوله: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء/ 124)، كما أنّ القرآن الكريم دعا المرأة المسلمة، والمرأة المسيحية إلى المباهلة؛ ولذلك دعا الرسول الأكرم (ص) السيدة فاطمة (ع) للمشاركة في المباهلة، قال تعالى: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ...) (آل عمران/ 61).
وفي عصر كان البعض ينكح النساء الثريّات؛ طمعاً في أموالهنّ، ثُمّ كانوا يتركوهنّ دون طلاق، حتّى يأتي أجلهنّ؛ لكي يرثوهنّ، جاء القرآن الكريم مُحرّماً ذلك بقوله: (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) (النساء/ 19).
وفي عصر، كان بعض الأُمم يعذّّبون النساء؛ كي يتنازلن عن صداقهنّ، ويحررن أنفسهنّ، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (النساء/ 19).
وبينما كان الرجل يريد استبدال زوجته، يقذفها بالفحشاء؛ كي تتنازل عن صداقها لتحرير نفسها، قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء/ 20).
وفي عصر، كانت المرأة تُباع وتُشتري كالبضائع، ويُدفَعُ صداقها إلى أوليائها؛ ليتمّ امتلاكها. ألغى القرآن الكريم هذا التصرّف المهين، مؤكّداً على أنّ صداق المرأة، هو رمز لمحبّة الزوج، وتقديره، وإخلاصه، وصدقه تجاه زوجته، ولم يكن عِوَضاً عن تمليكها.
كما أمر القرآن الكريم بأنّ تُؤتى المرأة مهرها الكامل، واضعاً هذا العطاء بأنّ يكون "نحْلة" بقوله: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء/ 4)، أي: عطاء عن طيب نفس، كما تقدّم الهدية ويُهدى العسل.
وبينما كانت المرأة محرومة من حقّ الإرث، جاءَ القرآن الكريم وأبطلَ ما كانت عليه العرب في عصر الجاهليّة، من هضم حقّ المرأة، وأعلن ذلك بقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) (النساء/ 7).
وفي عصر، كانت الشعوب لم تعترف بحقّ تمليك المرأة، أقرّ الإسلام للمرأة الاستقلال الاقتصادي، واعتبرها مالكةً ما تحصل عليه بالآية الكريمة: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) (النساء/ 32).
علماً بأنّ النساء لم يكن لهنّ حقّ التملّك في كلّ من: بريطانيا، وألمانيا، وسويسرا، وإيطاليا حتّى القرن التاسع عشر. كما أنّ النساء كُنّ – طِبقاً للقانون الإنجليزي حوالي سنة 1850م – غير معدودات من المواطنين، ولم يكن لهنّ حقوق شخصية، ولا حقّ لهنّ في تملّك ملابسهنّ، ولا في تملّك الأموال التي يكسبنها بعرق الجبين.
ومن أسباب الحَجْر في القانون الفرنسي: الأنوثة في الزواج، وفي القانون الروماني: الأنوثة مُطلقاً، فالمرأة لا أهلية لها طول حياتها.
وبينما نرى الشعوب تحتقر المرأة، فلا تعتبرها أهلاً للاشتراك مع الرجال في النشاط الاجتماعي، جاء القرآن الكريم وأثبتَ للمرأة حقّها في النشاط الاجتماعي كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بقوله تعالى: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...) (التوبة/ 71).
وفي عصر، كانت الشعوب بأسرها لم تعترف بحقوق المرأة، جاء القرآن الكريم وأقرّ لها ذلك بقوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة/ 228).
قال الشيخ محمّد رشيد رضا في تفسير هذه الآية: "فهي قاعدة كلية ناطقة بأنّ المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق"، ثمّ يقول في توضيحه: "وإنّما المراد أنّ الحقوق بينهما متبادلة وأنّهما أكفّاء، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها، إن لم يكن مثله في شخصه، فهو مثله في جنسه، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال، كما أنّهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل... فليس من العدل أن يتحكّم أحد الصنفين بالآخر، ويتّخذه عبداً يستذله، ويستخدمه في مصالحه".
ثمّ نقلَ عن أستاذه الشيخ محمّد عبدهُ إنّه قال: "هذه الدرجة التي رُفِعَ النساءُ إليها لم يرفعهنّ إليها دين سابق، ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أُمّة من الأُمم قبل الإسلام ولا بعده، وهذه الأُمم الأوربية – التي كان من آثار تقدّمها في الحضارة والمدنية: أن بالغت في تكريم النساء واحترامهنّ، وعُنيت بتربيتهنّ، وتعليمهنّ العلوم والفنون – لا تزال دون هذه الدرجة التي رفعَ الإسلام النساء إليها، ولا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حقّ التصرف في مالها بدون إذن زوجها، وغير ذلك من الحقوق التي منحتها إيّاها الشريعة الإسلامية من نحو ثلاثة عشر قرناً ونصف، وقد كان النساء في أروبا منذ خمسين سنة بمنزلة الأرقّاء في كل شيء، كما كُنّ في عهد الجاهلية عند العرب، أو أسوء حالا".
وفي عصر، كان لم يسمح للمرأة بالتعبير عن رأيها، ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في حقّ (المبايعة). وقد قَبِلَ الرسول الكريم (ص) بيعة النساء بحكم القرآن: (فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الممتحنة/ 12).
نزلت هذه الآية يوم الفتح، فإنّه عليه الصلاة والسلام لمّا فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء. وقيل في كيفية المبايعة: دعا بقدح من ماء، فغمس فيه يده، ثُمّ غمسن أيديهنّ. وقيل: صافحهنّ وكان على يده ثوب قطريّ.
أمّا عن الفكرة القائلة بأنّ المرأة خُلِقت لخدمة الرجل، أكّد القرآن الكريم عدم صحّة هذه الفكرة، بقوله: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187)، أي: كلاهما بحاجة إلى الآخر، وفي خدمة الآخر. قيل: وهو الكناية عن وظيفة الزوجية.
ورغم كلّ ما تعرّضت له المرأة من أساليب الاحتقار، والمعاملة البشعة، فقد ورد في القرآن الكريم التأكيد على المعاشرة بالمعروف، وذلك بقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/ 19).
والمعروف – كما رسمه العلامة الطباطبائي في تفسيره "الميزان" – هو الأمر الذي يعرفه الناس في مجتمعهم، من غير أن ينكروه ويجهلوه.
- الحجاب حصن حصين للمرأة وحقوقها:
لمّا كانت المرأة تُستغلّ كأداة ومصيدة لجرّ المجتمع إلى هاوية الفساد، والابتذال البهيمي، والنزوات الجنسية، وكان عفافها للعدوان والتجاوز، ممّا أوقعها فيما هوت إليه مثيلاتها السابقات إبّان العهد الروماني، وما انتكست فيه نظيراتها المعاصرات، فها هو القرآن الكريم قد حصّنها بقوانين حكيمة، رُسِخت في أعماق القلوب لا يستطيع المسلمون تجاوزها، إلا بالتخلي عن دينهم.
وقد وصف القرآن الكريم أنجح علاج لها ألا وهو الحجاب؛ لأنّه الحصن الحصين الذي تأمن فيه المرأة من أن تكون العوبةً بيد الرجل، وعرضة لأهوائه، يصرفها كيف يشاء باسم تحرير المرأة، ويحرفها عن وجهتها الحقيقية التي أرادها الله تعالى لها؛ ليُمكّنها من التكامل النفسي، ويوفّر للزوجين أجواء الحياة الزوجية السعيدة، ويُسهم في بناء مجتمع سليم؛ بفضل أُمّهات قادرات على تربية أولادهنّ تربيةً إسلاميةً صحيحةً. فالحجاب إذاً هو ضمان للمرأة وحقوقها وحرِّيتها.
المصدر: كتاب (الأسرة والأحوال الشخصية)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق