الصلاة الحقيقية التي يريدها الإسلام تمد المؤمن بقوة روحية ونفسية تعينه على مواجهة متاعب الحياة ومصائب الدنيا. ولذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153)، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 45-46).
وكان النبي (ص) إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة[1].
في الصلاة يفضى المؤمن إلى ربه بذات نفسه، ويشكو إليه من بثه وحزنه. ويستفتح باب رحمته، ويستنزل الغيث من عنده (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (الشورى/ 28).
في الصلاة يشعر المؤمن بالسكينة والرضا والطمأنينة. إنّه يبدأ صلاته بالتكبير فيحس بأن الله أكبر من كل ما يروعه ومن يروعه في هذه الدنيا، ويقرأ فاتحة الكتاب فيجد فيها تغذية للشعور بنعمة الله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وتغذية للشعور بعظمة الله وعدله (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). وتغذية للشعور بالحاجة إلى الصلة بالله وإلى عونه سبحانه (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وتغذية للشعور بالحاجة إلى هداية الله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (سورة الفاتحة).
فلا عجب أن تمد الصلاة المؤمن بحيوية هائلة. وقوة نفسية فياضة. وقد بيّن الرسول (ص) مبلغ الأثر النفسي للصلاة وما يسبقها من وضوء ذكر لله تعالى، وكيف يستقبل المؤمن المصلي يومه ويبدأ حياته الجديدة كل صباح. قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإذا هو قام فذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة ثانية، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده الثلاث، فأصبح طيب النفس نشيطاً، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"[2].
وفي عصرنا الحديث نرى من علماء الكون والحياة طبيباً شهيراً مثل الدكتور "الكسيس كاريل" يبين لنا في بحث له مدى هذه القوة التي يكتسبها المؤمن من الصلاة فيقول:
"لعل الصلاة هي أعظم طاقة مولدة للنشاط عرفت إلى يومنا هذا، وقد رأيت بوصفي طبيباً كثيراً من المرضى فشلت العقاقير في علاجهم، فلما رفع الطب يديه عجزاً وتسليماً. تدخلت الصلاة فأبرأتهم من عللهم. إنّ الصلاة كمعدن "الراديوم" مصدر للإشعاع، ومولد ذاتي للنشاط، وبالصلاة يسعى الناس إلى استزادة نشاطهم المحدود، حين يخاطبون القوة التي لا يفنى نشاطها.
إننا نربط أنفسنا حين نصلي، بالقوة العظمى التي تهيمن على الكون، ونسألها ضارعين أن تمنحنا قبساً منها نستعين به على معاناة الحياة، بل إن الضراعة وحدها كفيلة بأن تزيد قوتنا ونشاطنا، ولن تجد أحداً ضرع إلى الله مرة إلا عادت عليه الضراعة بأحسن النتائج"[3].
هذا في الصلاة عموماً. فكيف بصلاة الإسلام؟.
- الصلاة قوة خلقية:
وفي هذه القوة مدد أي مدد لضمير المؤمن يقويه على فعل الخير، وترك الشر، ومجانبة الفحشاء والمنكر. ومقاومة الجزع عند الشر، والمنع عند الخير، فهي تغرس في القلب مراقبة الله تعالى، ورعاية حدوده، والحرص على المواقيت، والدقة في المواعيد، والتغلب على نوازع الكسل والهوى. وجوانب الضعف الإنساني. وفي هذا يقول القرآن الكريم: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج/ 19-23)، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45).
وما نرى من مصلين قد ضعفت أخلاقهم. أو انحرف سلوكهم فلابدّ أن صلاتهم جثة بلا روح، وحركات جسم بلا حضور عقل، ولا خشوع قلب، وإنما الفلاح للمؤمنين (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 2)
أما المتظاهرون بالصلاة دون أن ترق قلوبهم، أو تفتح للخير صدورهم. فما أحقهم بوعيد الله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون/ 4-7).
الهوامش:
[1]- رواه أحمد وأبو داوود عن حذيفة: "كان إذا حز به أمر صلى" وإسناده صالح. ومنه أخذ بعضهم ندب صلاة النازلة، وهي ركعتان عقبها، وكان ابن عباس يفعل ذلك، ويقول: نفعل ما أمرنا الله به بقوله: "واستعينوا بالصبر والصلاة" كذلك في التيسير للمناوى ج2، ص245.
[2]- رواه البخاري.
[3]- من كتاب "دع القلق" لديل كارنيجي، ص299، ط ثانية.
المصدر: كتاب العبادة في الإسلام
ارسال التعليق