◄لا يمكن للعمل الرسالي أن يشقّ طريقه ويؤثر في مشاعر الناس وعواطفهم بعيداً عن أخلاقية وسلوك من نمط متميّز خاصّ، يجذب النفوس والقلوب نحوه، يشعّ بالدفء ويفيض بالحنوّ، ويمتلىء بالصدق والصفاء، ويتميّز بالتواضع والاستقامة...، هذه الأخلاقية الهادفة المرّبية المسؤولة، والسلوك الهادي يحطم صنم الهوى، ويكسر شوكة الذات، ويصارع جموح الأنا ويركّع نزوة الغرور والكبر والعجب... ويلوي صرعات البطر والكسل والزهو والرياء، ويقف موقف المقوّم من عثرات النفس الأمّارة بالسوء وطفحات الشهوة وانفلات النزوة.
وتلك الأخلاقية الإلهية في طهرها ونقائها ونصاعتها، كما هي الرسالة في قوتها وربّانيّتها وعظمتها... أخلاقية يصف القرآن الكريم أحد روّادها العظام رسول الإنسانية محمد (ص) في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).
ما أروع هذه الشهادة الإلهية والثناء الرباني حيث (الخلق العظيم) ومع هذه الشهادة العظيمة من ربّ الكون وخالق الوجود، فلا تجبّر ولا انتفاخ ولا تعالي ويبقى (ص) في حالة التواضع والتوازن والتماسك.
الأخلاقية التي لا تحمل همّ ذاتها فقط، وإنّما تفكر بالعنت الذي يصيب الناس والمشقة التي يواجهونها، والعناء الذي يتعرّضون له، والضغوط التي لا تنفك عنهم..، فيتألم (ص) لذلك، ويحرص بذل الجهد لانقاذهم، ويسعى ما يستطيع حسب إمكاناته في هذا السبيل، قال تعالى: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128).
أخلاقية يتجسّد فيها اللين والتسامح وخفض الجناح، بعيداً عن الغلظة وإيّاهم، والخشونة معهم، والقسوة عليهم، والشدّة على نفوسهم... قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).
فلولا اللين ما تآلفت القلوب حوله، ولا تجمعت المشاعر إليه ولولا الحلم الذي يسامح به جهلهم وضعفهم ونقصهم، ولولا الدماثة والرعاية والعطف عليهم، ولولا التواضع والرقّة بهم...، لما أمكن أن يحصل ذلك التأثير في النفوس، حيث تهفو القلوب نحوه، وتنشد الأرواح إليه وتتفاعل الأحاسيس والمشاعر معه... ثمّ تنفتح عليه (ص) النفوس جميعاً لتتلقّى منه الرسالة، وتأخذ منه الوحي، وتستجيب للمبدأ وتخضع للأفكار وتهيم بالعقيدة التي حملها صاحب هذا الخلق العظيم.
وكيف لا تعشق النفوس أخلاقية المواساة والاخلاص لهم؟ وكيف لا تمتلىء القلوب حبّاً ووفاء لمن يحمل همومهم، ويضمّد جراحاتهم ويعطف عليهم، ويمتصّ آلامهم؟
وكيف لا تتفاعل المشاعر وتلتهب الأحاسيس وفاءً وصدقاً لمن صدقهم ووفى لهم وأراد إنقاذهم، قال تعالى على لسان رسوله موسى (ع): (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ...) (الأعراف/ 105).
أخلاقية بعيدة عن الترف والميوعة، وبعيدة عن البطر والتخمة، يتألّق فيها التواضع ويتمثل فيها الزهد، ويطبعها طابع الخشونة وجشب العيش... وذلك ما جسّدته حياة الرسل (ع) كما يستعرض الإمام علي (ع) لنا ذلك في نهج البلاغة حيث يقول في عيسى (ع) ما يلي:
(وإن شئت قلت في عيسى بن مريم (ع)، فلقد كان يتوسّد الحجر، ويلبس الخشن، ويأكل الجشب، وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم... دابته رجلاه، وخادمه يداه) الخطبة/ 160.
وقال (ع) في موسى بن عمران (ع): (وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله (ع) حيث يقول: "ربّ إني لما أنزلت إليّ من خير فقير" والله ما سأله إلا خبزاً يأكله، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل تُرى من شفيف صِفاق بطنه لهزاله وتشذّب لحمه (أي تفرقه) الخطبة/ 160.
وقال (ع) عن زهد داود (ع) صاحب المزامير: (... فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها) الخطبة/ 160.
ومن أخلاقية الأنبياء (ع) البعد عن البطر، ورفض التجبّر والتكبّر، واجتناب الغرور...، مهما عظمت الإمكانات، ومهما توفرت القوة والقدرة، ومهما تصاعدت أسباب المنعة وتزايدت مفردات السلطة من جنود وأموال وخيل ورجال... فالتواضع يبقى سمتهم والخشوع لله يبقى خصيصة لأخلاقيتهم، والشكر والطاعة والإنابة للخالق يبقى منهجهم... ولنأخذ من القرآن الكريم مفردة في هذا المجال تعكس هذا الخلق العظيم من قصة سليمان (ع) حيث يصل إلى علمه (ع) أنّ امرأة وقومها قد زيّن لهم الشيطان عبادة الشمس من دون الله، ويقال إنّ اسم هذه المرأة (بلقيس) كانت تسكن في سبأ حيث النعم الكثيرة، لقد بعث سليمان (ع) لها برسالة يدعوها إلى الإيمان بالله نصّها ما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم: "ألّا تعلو عليّ وأتوني مسلمين".
وتردّ هذه المرأة على الرسالة الموجهة إليها في تفصيل لا نريد التحدّث عنه هنا، مما يستدعي الأمر أن يخاطبها سليمان (ع)، برسالة جوابية أخرى، تحكيها الآية القرآنية على لسان سليمان (ع) مخاطباً رسول (بلقيس) وقومها... بقوله تعالى: (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ * قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (النمل/ 37-38).
فيجيبه أحد الحاضرين باستعداده لاحضارها فوراً حيث يقول تعالى عن ذلك: (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (النمل/ 39).
وينبري جندي آخر يظهر إمكانيته بجلب العرش له بوقت أقصر حيث يقول سبحانه في ذلك: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ...) (النمل/ 40).
كلّ هذا يحصل لسليمان (ع) ويطمئن إلى قدرة العرض الأخير، وإمكانية تحقيق جلب العرش قبل أن يغمض عينه ليفتحها ثانية، وقد أتى به فعلاً لسليمان... فلما رأى (ع) عرش بلقيس أمامه قال:
(هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل/ 40).
إنّه اختبار لسليمان (ع) هل يتكبّر أم يتواضع أمام هذه الإمكانات والقدرات العظيمة؟ هل يسمو أو يتخلّف؟
هل يشكر أم يكفر...؟
ويرج سليمان منتصراً على ذاته، ويقرّ فضل الله عليه: "هذا من فضل ربّي" وذلك إقرار بالنّعمة، وتواضع للخالق الذي منحها له...، ومع كلّ هذه الامكانات فهو يعمل في سفائف الخوص، مستعيناً بمن يبيعها له ليأكل من ثمنها أقراص خبز الشّعير...
ثمّ يصف (ع) رسول الله (ص) حيث يقول عنه: (... ولقد كان (ص) يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العادي، ويردف خلفه...) الخطبة/ 160.
وعن الامام الحسن (ع) أنّه سأل هند بن أبي هالة التميمي، وكان وصّافاً عن بعض صفات رسول الله (ص) فقال:
كان رسول الله (ص) متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت... لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له... وكان (ص) يؤلف أصحابه، ولا ينفرهم، ويتفقدهم ويسأل الناس عمّا في الناس، فيحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه، لا يقصر عن الحقّ، ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة، وكان (ص) دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ.
وكان (ص) يقول: "إذا رأيتم صاحب حاجة فارفدوه".
ويقول عنه الامام الصادق (ع): "كان (ص) يقسم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا، وينظر إلى ذا بالسويّة ولم يبسط رسول الله رجليه بين أصحابه قطّ".
يقول (ص) عن سجاياه لأبي ذر (رض): "يا أبا ذر: إنّي ألبس الغليظ، وأجلس على الأرض، وألعق أصابعي، وأركب الحمار بغير سرج، وأردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس مني" الكافي/ ج8، ص131.
وعن ابن عباس قال: حدّثني عمر بن الخطاب قال: دخلت على رسول الله (ص) وهو على حصير، قال: فجلست، فإذا عليه إزاره، وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثّر في جنبه، وإذا بقرضة من شعير نحو الصاع، قرظ في ناحية الغرفة، وإذا أهاب معلّق، فابتدرت عيناي، فقال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ فقال: يا نبي الله ومالي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلّا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك. قال (ص): يا ابن الخطاب: "أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا" ميزان الحكمة/ ج9، ص673
نقلاً عن الترغيب/ ج4، ص210.
وعن ابن عباس قال: "كان رسول الله (ص) يبيت الليالي وأهله طاوياً لا يجدون عشاء، وإنما كان أكثر خبزهم الشعير".
وعن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله (ص).
هذه هي أخلاقية الروّاد وهذه آدابهم، وتلك سماتهم وصفاتهم، فلا غرور ولا بطر ولا تجبّر ولا استعلاء... بل تواضع ومواساة وتفقد للأصحاب وبساطة العيش واستقامة في السلوك ومشاركة الأُمّة آلامها وهمومها، بعيدين عن زخارف الدنيا وبهرجة الحياة، لا تفتنهم زينتها، ولا يشغلهم متاعها، يكتفون بالقليل البسيط، يفترشون الأرض، ويركبون المركب الخشن، قليلي الراحة، محزوني النفوس، مهمومي القلوب، دائمي التفكير، متواصلي الأحزان... هؤلاء هم الرواد، وهذه هي صفات القادة، وهذه هي سمات الأسوة، وحقّاً هؤلاء هم القدوة التي يتأسى بهم ويسار على منهجهم ويقتفى أثرهم.
وأين هذه الصفات من صفات الرموز المفتعلة والشخوص الخاوية التي حكمت لتتسلّط وتستمتع بالحياة، كما تستمتع الأنعام، تلهث وراء الشهوات والنزوات، وتكدح من أجل الإشباع بنهم، وتعمل من أجل السّطوة وشره الحاكمية، تبغي وتظلم وتفجر، تمكر وتسيء، تفسد ولا تصلح... مهما كانت العناوين ومهما اختلفت الإدعاءات... فليس المهم شكل الطاغية ولا مدّعياته ولا ما يتتّرس به من الحق الذي يريد به الباطل، إنّما هي الأعمال والفعال، والمواقف والممارسات وكم هي قريبة أو بعيدة من المقياس الأخلاقي الإلهي، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90).
هذه موازين الخلق الربّاني، وهذه صفات وخصائص السلوك الأخلاقي الرسالي، وهذه سمات الأخلاقية القيادية التي تُجمّع ولا تُفرّق، تُقرّب ولا تُبعّد، تُوحّد ولا تبعثر، وتؤلّف ولا تنفّر إنّه الخلق العظيم الذي لا يوجد خير منه عندما يوضع في ميزان المرء يوم القيامة.. يقول (ص): "ما يوضع في ميزان امرىء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق".. الخلق الذي يتجسّد فيه العفو والمعروف والمغفرة والصفح، يقول تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة/ 263).
ويقول سبحانه: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199).
الخلق الذي يتجسّد فيه الشموخ والعزّة والإباء والأنفة على الأداء، واللطف واللّين وخفض الجناح والرحمة للأخوة المؤمنين...، قال تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...) (الفتح/ 29).
وقال سبحانه وتعالى في هذا الصدد موصياً الرسول الكريم (ص): (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر/ 88).
وهكذا تكون الأخلاقية الفاعلة المؤثّرة، الأخلاقية الأسوة القدوة، الأخلاقية التي يستهدى بهديها ويستنار بنورها، ويستلهم من صفاتها وسماتها، الأخلاقية الموقف والتجسيد والرّيادة.
يقول الإمام علي (ع) في تجسيده لأخلاقية المبدأ: "أأقنع من نفسي بأن يقال لي أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش".
ويقول (ع): "إني لأرفع نفسي عن أن أنهى الناس عمّا لست أنتهي عنه، أو ءأمرهم بما لا أسبقهم إليه بعملي، وأرضى منهم بما لا يرضي ربّي".
هذه أخلاقية الإلتزام، وأخلاقية المفهوم المقترن بالموقف، والموقف المصداق المتجسّد بالعمل، والفعل الممثّل للفكرة، والممارسة المعبّرة عن النظرية.
وشتان بين هذا النوع من الأخلاق، والأخلاقية النفعية المصلحية، الأخلاقية الذاتية الأنانية، أخلاق البغي والعدوان والمكر والنفاق، والكيد والفساد... مهما كان عنوانها ولباسها ومظهرها، ولابدّ أن يتأسّى العاملون للّه بأخلاقية الصالحين ويعملون جهدهم لبناء أنفسهم وإعدادهم على أسس هذه الأخلاقية، وتركيزها في السلوك والعلاقة والعمل، وتعميقها في النفوس، حيث تتهذّب بتهذيبها، وحيث تتربّى بمفاهيمها، وحيث تتجسّد معالم الشخصية الرسالية من خلال السلوك الملتزم بهدى هذه الأخلاقية التي حدد معالم منهجها وخصائصها الرسل المصطفون، والأنبياء المختارون لتكون لنا نبراساً وقدوة نحن كعاملين في كلّ جوانب حركتنا وتعاملنا وعلاقاتنا وفي شؤون حياتنا المختلفة.. فإلى الاقتداء بها والتدبّر في مميزاتها والعمل بمحتواها، ما دمنا في موضع اقتفاء لآثار هؤلاء الهداة.
كما لابدّ لنا أيضاً من مكافحة الجوانب السلبية في السلوك الأخلاقي، إذ أنّ النفس الإنسانية تبتلى بحالات السقم والاعتلال كما هو الجسم، وحيث جنبة الشر إلى جواز نزعة الخير، يقول تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).
ولذلك فإنّ الضرورة الأخلاقية تقتضي هدم الصفات السلبية، ومكافحة الأمراض الأخلاقية، اقتداءً بالمرسلين والأنبياء (ع)، وتأسياً لهم في مجاهدة الآفات الأخلاقية التي تعرقل خدمة الهدف المبدئي.
المصدر: كتاب المنهج الحركي في القرآن الكريم
ارسال التعليق