• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لغة القرآن.. لغة علمية (الجزء الثاني)

حسام البيطار

لغة القرآن.. لغة علمية (الجزء الثاني)

الدم والدمع سوائل في جسم الانسان يشتركان مع بعضهما في الاصل الثنائي حيث أن كليهما من الاصل (دم) أي الدال والميم، فماذا يعني هذا الأصل وما علاقته في الدم (أصلها الثلاثي دمي) والدمع (أصلها الثلاثي دمع)؟
الدم
الدم هو المائع أو السائل الموجود في جهاز الدوران الذي ينقل الطعام والأكسجين إلى كل أنحاء الجسم ويزيل ثاني أكسيد الكربون والفضلات من الأنسجة لطرحها خارج الجسم. وينقل الدم أيضاً الهرمونات إلى سائر الأعضاء والأنسجة كما ينقل الطعام المهضوم من المعي إلى الكبد. ويحتوي الدم أيضاً على خلايا الجهاز المناعي التي تمنع العدوى، بالإضافة إلى احتوائه على عوامل التجلط التي تساعد على وقف النزيف. كما يلعب الدم دوراً رئيسياً في ثبات درجة حموضة موانع الجسم وكذلك في توازن درجة حرارة الجسم.
 يتكون الدم من البلازما ومن خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والصفيحات الدموية. وتعيش الخلايا الحمراء في الجسم حوالي 120 يوماً فقط. أما خلايا الدم البيضاء فتعنى بالدفاع عن الجسم عند اصابته بالعدوى. أما الصفيحات الدموية فتعيش حوالي 8 أيام وهي تساعد في المراحل الأولية لتجلط الدم.
 هذه بإختصار معلومات أولية عن الدم. فما معنى الأصل اللغوي للدم؟
 الدم من الأصل الثلاثي دمي، أي من الأصل الثنائي (دم) على اعتبار إننا نأخذ الأصل الثنائي من أول حرفين من الأصل الثلاثي. وهذا الأصل يعني التدمير. فما علاقة الدم بالتدمير؟
 من المعلومات التي ذكرناها عن الدم نلاحظ أن التدمير والهدم بارز فيها إن لم يكن التدمير أهم وظيفة من وظائف الدم. فالمناعة في جسم الإنسان، الموجودة في الدم، هي ببساطة تدمير ما يدخل جسم الإنسان من فيروسات وجراثيم وغيرها، كما أن الدم يهدم أو يدمر الهواء الداخل إلى الجسم ليجعل الجسم يستفيد من الأكسجين ويتخلص من ثاني أكسيد الكربون، كما أن حياة الإنسان تنتهي وتتدمر عندما ينزف الإنسان ولا يبقى في جسمه دم يكفي لإستمرار الحياة. كما أن حياة الإنسان تنتهي عندما يفقد الدم خاصية التدمير أما لزيادة قوة ما يهاجم الإنسان من مسببات العرض أو لضعف قوة الدم عن المقاومة والتدمير. كما أن مكونات الدم تتدمر وينشأ مكانها مكونات جديدة كل فترة من الزمن وهذا لأنها على ما يبدو تضعف من كثرة ما تقوم بتدميره مما يدخل الجسم من خارجه. وهكذا نجد أن التدمير من خصائص الدم الرئيسية وبالتالي لا عجب أن يكون الدم من التدمير وأن يشترك مع كلمة دمر في الأصل.
 أما مساهمة الدم في البناء وليس التدمير فهو أيضاً من أسرار هذه اللغة العظيمة حيث أن الأصل يحمل دائماً المعنى وعكسه، وعكس التدمير هو البناء وقد رأينا كيف أن الدم ينقل الطعام والأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم وبالتالي يسهم في بناء الجسم كما يسهم في تدمير كل ما يعرض له الجسم من مخاطر. وما نذكره هنا هو من إيحاءات معنى الأصل إذ ليس عندنا أي معلومات عن الدم إلا ما نقلناه في البداية من بعض المعاجم العلمية، وبالتالي فإن هذا يتيح المجال للمتخصصين أن يهدموا فكرة هذا الكتاب بسهولة إذا كان ما نستنتجه خاطئاً. و في المقابل يثبت الفكرة ويدعمها إذا كانت الإستنتجات صحيحة، مع العلم أن مثل هذه الامور بحاجة إلى دراسة أوسع.
 الدم في اللغة الإنجليزية يسمى blood وفي اللغة الفرنسية يسمى sang فهل هناك علاقة بين هاتين الكلمتين وكلمة دم العربية؟
 لم يرَ معجم وبستر أي علاقة بين الكلمتين وهذا غريب وخاصة مع وجود كلمات في اللغة الإنجليزية تشبه الكلمة الفرنسية ومنها كلمة sanguine الـتي تعني أحمر قاني، دموي، وذو علاقة في الدم أو مؤلف منه... الخ. فهل هناك علاقة بين blood الإنجيليزية وsang الفرنسية؟ وهل هما من كلمة دم العربية؟
 إن كلمة sang الفرنسية قريبة إلى دم العربية بتبديل الدال العربية إلى s والميم إلى n لقرب المخرج. أما حرف g فسيظهر أصله عند تحليل الكلمة الإنجليزية sanguine.
 تترجم كلمة sanguine، الإنجليزية، إلى أحمر قانٍ وإلى معانٍ أخرى لها علاقة في الدم. وهذه الكلمة هي في الحقيقة دم قاني حرفياً، وليس أحمر قانٍ حيث رأينا أن san الفرنسية هي دم. أما اللاحقة guine في الكلمة فهي قاني العربية تماماً بابدال القاف إلى جيم. لعدم وجود القاف في اللغة الإنجيليزية أو الفرنسية. ويبدو أن هذه القاف التي تحولت إلى g هي التي التصقت في كلمة دم الفرنسية لتصبح الكلمة sang مع أن هذه الجيم لا تلفظ في الفرنسية على ما اذكر، لأنه لم يتبعها حرف علة.
 أما كلمة blood الإنجليزية فهناك احتمالان في أصلها: الإحتمال الأول: أن تكون الكلمة هي كلمة دم العربية مقلوبة أو معكوسة بعد تبدل الميم العربية إلى حرف L لقرب المخرج وبعد إعتبار الباء في أول الكلمة زائدة، ومثل هذه الزيادات كثيرة في اللغة الإنجليزية. وعلى كل حال لا نميل إلى هذا الإحتمال مع وجاهته. أما الإحتمال الثاني فهو يظهر في أصل كلمة blood الإنجليزية حيث أنها من كلمة bledan وهي كلمة دم في الإنجيليزية القديمة. أما في الإنجيليزية المتوسطة فقد كانت كلمة دم هي bleden وواضح من هاتين الكلمتين كلمة دم العربية في المقطع الأخير dan بعد تبديل الميم إلى نون، لقرب المخرج. أما الحرفان le فهما ال التعريف العربية وحرف b يبقى زائداً. وفي هذا الإحتمال تتفق الكلمة الفرنسية مع الإنجليزية في المقطعين dan و san ويظهر أصل حرف ال s الفرنسي الذي هو الدال العربية والذي ظهر في اللغة الإنجليزية بشكل أوضح من الفرنسية. وكل ما نستطيع قوله هنا أنه إذا ظهرت في المستقبل علاقة بين blood الإنجليزية وsang الفرنسية فإننا سنعتبر هذا التحليل صحيحاًُ وأن الكلمة العربية هي التي بينت هذه العلاقة.
الدمع
 رأينا أن الدم من التدمير وحيث أن الدمع يشترك مع الدم في الأصل الثنائي فإن الدمع لابد أن يكون من التدمير أيضاً فما علاقة الدمع بالتدمير؟
 إن من مهمات الدمع، الذي تنتجه الغدد الدمعية بإستمرار، تنظيف العين أي تدمير ما يدخل العين من دقائق الأشياء، كما أن من مهماته تزليق القسم الأعلى من داخل الأنف أي هدم وتدمير ما يلتزق بالقسم الأعلى من الأنف من المواد التي تدخل الأنف عن طريق التنفس ولا يستبعد أن يكون للدمع دور في قتل الجراثيم والفيروسات التي تدخل الجسم عن طريق الأنف.
 أما مهمة البكاء والدمع في هدم الحالات النفسية السيئة التي يمر بها الإنسان والهموم الناتجة عن المرض أو التعذيب أو التعب بأشكاله وألوانه كافة... الخ فهي من الامور المعروفة حيث أن البكاء يشكل راحة للإنسان في مثل هذه الامور.
 ويلعب البكاء والدمع دوراً كبيراً في هدم الضلال وقسوة القلب في أحوال كثيرة وخاصة عند رؤية آيات الله تبارك وتعالى أو قراءتها والتفكر بها. وكل ذلك بحاجة إلى دراسات أوسع في ضوء هذا الأصل للدمع والدم.
 الدمع في اللغة الإنجليزية يسمى tear وفي اللغة الفرنسية و اللاتينية lacrima، ومن حسن الحظ أن معجم وبستر يقول أنهما من أصل واحد مع أن المتمعن في الكلمتين لا يجد مشتركاً بينهما إلا حرف a فكيف يكونان من أصل واحد، وهذا صحيح، وما علاقتهما في كلمة دمع العربية؟
أول حرف في كلمة tear هو t وهذا الحرف مبدل من حرف دال العربي والدليل على ذلك أن معجم وبستر يقول أن أصل كلمة tear هو dakry اليونانية بمعنى دمع. والكلمة اليونانية هي الأصل اللاتيني القديم dacrima التي تحولت إلى lacrima في الفرنسية واللاتينية الأخيرة.
 لاحظ أن ميم دمع موجودة في اللاتينية القديمة dacrima، فإذا حذفنا من هذه الكلمة التي هي أصل كلمة tear الإنجليزية و lacrima الفرنسية، المقطع cri يبقى لدينا dama التي يمكن أن تقرأ دمع أو دمعة على اعتبار عدم وجود حرف العين في اللغات المذكوره. أما الحروف التي تم حذفها cri فيبدو أنها على الغالب من cry بمعنى بكى. وهذا يعني أنهم خلطوا الدمع مع البكاء ربما ليميزوا دمع البكاء عن دمع أخر مثل دمع الماء على الكوب مثلاً.
 وهنا نقترح على أخواننا الإنجليز والفرنسيين إستبدال كلمة tear و lacrimaبالكلمة اللاتينية القديمة dacrima أو التقدم خطوة أخرى وحذف الحشو في هذه الكلمة أي cri لتبقى dama وهي كلمة دمع العربية، وبهذا نقرب اللغات إلى بعضها ويتم تصحيح الخلل الذي أصاب بعض اللغات على مرّ الزمن. كما أنه يتم في مثل هذا التعديل إعادة أسرار اللغة إلى اللغات التي فقدت هذه الأسرار بسبب التغيرات التي حصلت على الكلمة.
 وحتى تكتمل دراسة أسرار كلمة دم ودمع لابد من دراسة الكلمات القرآنية الأخرى التي تشترك معهما في الأصل وهذه الكلمات هي: دمر ودمغ ودمدم. حيث نجد معنى التدمير واضح في هذه الكلمات.
 أما كلمات عكس الأصل أي من الأصل الثنائي (مدّ) فهي: مدّ من الأصل الثلاثي مدد، وفيه كلمات منها مدّ بمعنى وسع. والمدة كمقدار من الزمن. والمداد الذي هو الحبر. وكذلك منه الأصل الثلاثي مدن الذي منه المدينة. ومدين وهم قوم شعيب (عليه السلام).وكل هذه الكلمات تشير إلى الإمتداد والبناء وهو عكس التدمير. ولو ذهبنا لإستخراج العلاقات بين هذه الكلمات مع الدم و الدمع لطال الحديث، ولكننا أوردنا بعض الامور ونترك بعضها للدراسة والبحث من قبل المهتمين من القرّاء، وخاصة العلماء منهم.
المصدر: إعجاز الكلمة في القرآن الكريم

ارسال التعليق

Top