• ١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المخاطرة (Risk)

المخاطرة (Risk)

تعد المخاطرة موضوعة شائعة في المجتمع المعاصر. وغالباً ما يغض قلق العامة النظر عن الحسابات العلمية للمخاطرة، وهي احتمالية حدثٍ ما مضروبة في شدته. وهكذا، فإن العلوم الإجتماعية والطبيعية غالباً ما تقوم بتحليل وفهم المخاطرة بطرق مختلفة.
وتتناول المعالجات التقليدية حول فهم العامة للمخاطرة حقيقة أنهم يعتبرون المخاطر الإرادية مقبولة أكثر من المخاطر القسرية. فمثلاً قلق العامة حيال مخاطر التدخين – وهو نشاط إرادي – يقل مقارنة بقلقهم حيال المخاطر الناتجة من تلوث الهواء، لأنها من أنواع المخاطر التي لا يتحكمون في إمكانية التعرض لها.
يحلل الأكاديميون مثل ماري دوغلاس (Douglas and Wildavsky, 1982) المخاطرة من منظور اجتماعي ثقافي، حيث يؤكدون السياقات الإجتماعية والثقافية التي تحكم فهم المخاطرة ومناقشتها. تحاول دوغلاس أن تبرهن على أن الثقافات أو المجتمعات تشترك في مفاهيم المخاطرة، وأن تلك المفاهيم ليست نتاجاً للمعرفة والإدراك الحسي الفردي. وقد جذبت نظريات عالم الاجتماع الألماني أرليش بيك (Urilch Beck) وعالم الاجتماع البريطاني أنتوني غيدنز (Giddnes, 1990) حول مجتمع المخاطرة انتباهاً كبيراً لدى المجالات الأكاديمية المختلفة ولدى أفراد المجتمع العريض، بما في ذلك السياسيون. تركز أطروحة غيدنز على تأثير مخاطرة المجتمع في الطبيعة المتغيرة لمفهوم الثقة، حيث يحاول أن يبرهن على أن أشكال المعرفة التقليدية هجرت في المجتمعات المعاصرة وأن هذا بضمّه إلى المجتمعات التي أصبحت معقدة أكثر، قد أدى إلى إجبار العامة على الاعتماد أكثر فأكثر على ثقتهم بالآخرين، مثل الخبراء والمؤسسات.
نشر بيك كتاب مجتمع المخاطرة (Risk Society) لأول مرة في ألمانيا عام 1986 ثم نشر ثانية في عام (Beck, 1992)، وحظي بكثير من الاهتمام. يناقش بيك في كتابه نتائج التصنيع "الجوانب السلبية للتقدم" مثل مشكلة الاحتباس الحراري العالمي أو التلوث، لم يكن ينظر إليها أثناء الثورة الصناعية ولكنها الآن تسود ساحة الجدال الاجتماعي. وفي مجتمع المخاطرة تتسبب تأثيرات هذا التقدم في انتشار القلق والمشاكل. يؤمن بيك بأن القابلية للتأمل تحدث عندما يفكر المجتمع ملياً في الأحداث حوله ثم يستجيب بفعالية لتلك الأحداث باحثاً عن الأسباب أو التأثيرات. وينتج عن هذا التفكير إدراك مخاطر جديدة وشكل جديد من الحداثة يخلقه مجتمع المخاطرة.
ينتقد بيك العلم بسبب اعتماده على "نموذج مثالي للمخاطر" يفترض العلماء بموجبه أنهم قادرون على التحكم في متغيرات المخاطر. ففي مجتمع المخاطرة تواجه الحسابات العلمية للمخاطر تحديات تفرضها مجموعات سياسية أفراد أو سياسيون (انظر على سبيل المثال الجدال الدائر في المملكة المتحدة حول لقاح الوقاية من ثلاثة أمراض: النكاف والحصبة والحصبة الألمانية (MMR) والجدال حول الاحتباس الحراري العالمي في الولايات المتحدة) مما ينتج عنه فقدان العلماء بعضاً من سلطتهم.
في نظرية بيك، المخاطر غير مرئية (مثل البطالة) وتحمل إمكان أن تكون كارثية يتعذر عكس تأثيراتها (مثل الحوادث النووية). ويفترض أن العامة ليس لديهم المعرفة ويحتاجون إلى توعيتهم بالمخاطر بواسطة أهل المعرفة وهم العلماء والمؤسسات. وبناءً عليه، فهم معتمدون على المعرفة الخبيرة لتوعيتهم وتحذيرهم ضد المخاطر، ويشعر بيك بالتفاؤل حيال تلك النقطة لأنها تعني أن العامة أنفسهم يصبحون حَسَني الاطلاع. وترتبط فكرة اعتماد العامة على أنفسهم في تحصيل المعرفة والخبرة بفكرته عن "الأعراض الجانبية". وفي فكرة يُستشهد بها كثيراً، يعتبر بيك العامة – وليس العلم والمؤسسات الأخرى – هم مَن يعتمد عليهم ليكونوا "الأصوات والوجوه والعيون والدموع" في مجتمع المخاطرة، وهم مَن يرون "الأطفال المصابين بالسعال.. والأبقار الفلاحين االمصابة بالهزال" (Beck, 1992: 61). ويحاول المثقفون أن يبرهنوا على ترسخ الاعتقاد بأن الأعراض الجانبية للاكتشافات العلمية الجديدة تفوق منافعها في الثقافة الغربية.
وجّه العديد من الباحثين المتخصصين في الدراسات الإعلامية مثل كيتزنغر (Kitzinger, 1990) النقد لبيك لأن كتابته حول دور الإعلام في مجتمع المخاطرة اتسمت بالغموض ولم تقدم جديداً حيث إنها لم تعتمد على أبحاث قائمة على البحث التجريبي ولم تهتم بعمليات الإنتاج الإعلامي.

ارسال التعليق

Top