وهذه العملية لها جانبان رئيسيان:
- الأوّل: يعتمد على استراتيجيات رمزية تثير العاطفة لدى الفرد المستهدف.
- الثاني: يعتمد على استراتيجيات رمزية تستعمل لاستمالة العقل والمنطق لدى الفرد المستهدف.
فهناك نوع من الإقناع يعمل على استمالة العاطفة، ونوع آخر يستمد قوته من الاعتماد على استمالة العقل.
وهناك نوع ثالث من الإقناع يعتمد على الدمج بين النوعين المذكورين معاً في آن واحد، أي الاعتماد على استمالة العاطفة واستمالة العقل معاً. وقد حدد بينجوس Bettinghous الإقناع[1] على أنّه محاولة مقصودة من المرسل لتغيير معتقدات أو إتجاهات أو سلوكيات المستقبل من خلال نقل بعض الرسائل.
وأضاف بينجوس بأنّ إدراك الرسالة الإقناعية ليس بمثابة عملية سلبية، إذ أنّ المستقبل يكون نشطاً في عملية الاستقبال مثله مثل المصدر أثناء عملية الإرسال، حيث أنّ معتقدات وإتجاهات المستقبل تكون بمثابة عوامل وسيطة تتوسط الطريق الذي تُستقبل الرسالة من خلاله.
وأثبتت الدراسات أنّ عملية التأثير تتوقف على عناصر كثيرة بعضها تستطيع وسائل الإعلام أن تسيطر عليه، وبعضها لا يخضع لسيطرتها.
وأظهرت الدراسات أنّ اتجاهات الفرد السابقة والجماعية التي ينتمي إليها تؤثر من البداية على تعرض الفرد لوسائل الإعلام واختياراته فيما بينها، وتفسيره لما يقرأه ويسمعه أو يشاهده.
وتتم العملية الاتصالية من خلال المكونات الرئيسية لها التي بدورها تؤدي إلى العملية الإقناعية. هذه المكونات هي المصدر والرسالة الإعلامية ووسيلة الإعلام والجمهور المستهدف.
أما المصدر فيمثل القائمون بالاتصال الشخصي، أي الذين يقومون بالعملية الإقناعية بالاتصال الشخصي المباشر. والقائمون بالاتصال الجماهيري، أي العاملين في حقل وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وكتب ودوريات وإذاعة وتلفزيون وفضائيات، ومجالات الاتصال والإقناع الأخرى، مثل الدعاية سواء السياسية أو التجارية والإعلان الإعلامي والتجاري والتسويق والترويج بواسطة وسائل الدعاية والإعلان والترويج المعروفة وهكذا يتم الإعلام الدولي.
ووسائل الإعلام الدولي التي تنقل وجهة نظر المصدر الأولي الذي يستهدف جمهور معيّن في أن يوصل إليه رسالة إعلامية معيّنة قد تكون سياسة أو اقتصادية تجاه موقف معيّن أو قضية محددة تؤثر في الجمهور بمقدار ما يتعلّق الجمهور بهذه الوسائل وبالمصدر. وبمقدار ما يوفره المصدر من دلالات مصداقية وأمان وطمأنينة للجمهور حتى يستطيع المصدر أن يحقق هدفه من الرسالة الإعلامية. وتتم العملية الإقناعية. ووسائل الإعلام الدولي الغربية استطاعت أن تحقق هذه النظرية الإعلامية.
والرسالة الإعلامية يجب أن تكون سهلة وبسيطة وواضحة ومؤثرة، وأن يحاول المصدر فيها أن يستميل العقل والعاطفة معاً للجمهور المستهدف. وأن يستخدم الدلائل وإظهار الحقائق للجمهور ويبدد مخاوف الجمهور أيضاً. وأن تكون الرسالة منظمة ومرتبة، وأن يحاول تكرار الرسالة الإعلامية وبيان الهدف منها لسهولة استخلاص الجمهور لنتائجها بدلاً من التأخر في تحليلها. وتقديم أيضاً الحجج التي تؤيدها، والحجج التي تعارضها، وتقييد الحجج المعارضة وإدحاضها.
ومع تطور وسائل الإعلام وتنوعها، أصبح لكلِّ وسيلة من هذه الوسائل مقدرة إقناعية تختلف إيجاباً أو سلباً عن باقي الوسائل الأخرى.
وتعتمد قوة الإقناع في الإعلام الدولي حسب وسيلة الإعلام المستخدمة والخبرة والتقنية والقدرة على مخاطبة عقل وعاطفة الجمهور، والتأثير في الرأي العام للناس، ويرجع ذلك أيضاً إلى طبيعة الجمهور وثقافته وإهتماماته.
ووسائل الإعلام الدولي متعددة ومتنوعة سواء في الصحف أو الإذاعة أو التلفزيون والفضائيات والإنترنت، ويبقى نوع الجمهور العامل المهم.
أما الصحف فهي من أقدم وسائل الإعلام الجماهيري، وسبقت الإذاعة والتلفزيون. وتأثيرها يقع أكثر في وسط المتعلمين. وتتميز بكون الجمهور يقرأها إذا شاء أكثر من مرة. وأنّ الجماهير المتخصصة والتي تركز على الرسوم البيانية والجداول، تناسبها هذه الوسيلة وتكاليفها أقل.
أما الإذاعة فجاءت في الظهور بعد الصحف، وتمتاز بانتشارها من ناحية المساحات الجغرافية الواسعة التي تغعطيها، كما يمكن الاستماع إليها في أي حالة سواء في النوم أو المشي أو قيادة السيارة، لأنّ الراديو متحرك. وتعتبر محطات الراديو المحلية وسيلة مهمة في نقل الرسائل الإعلامية، حيث أنّها تغطي أماكن خاصة ومناطق أقليمية. أمّا المحطات الدويلة فانتشارها أكبر. كما أنّ الإذاعة تصل إلى جميع الأعمال من الناس، وجميع الفئات والأجناس، والأميين والمتعلمين، وتسمع في المكتب وفي العمل وفي المصنع وفي المتجر وفي الشارع، والاستماع إلى الراديو يكون مجاناً ليس كالصحف التي تشترى أو المجلات المطبوعة. أو الاشتراك في الإنترنت أو قنوات فضائية تلفزيونية. بل يسمع مجاناً.
أما التلفزيون فهو يجمع بين الصوت والصورة والحركة والألوان، مما يعطي صورة عن حدث أو خبر وكأنّه مشهد عادي، وغالباً ما يتم نقل الأحداث أثناء وقوعها وبثها مباشرة قبل الحوادث السياسية والعسكرية والرياضية، وبالتالي فإنّ تأثيره الإقناعي أكثر من الصحف والمطبوعات والإذاعة والإنترنت. وهذا ما دعا الإعلام الدولي ووكالات الأنباء الدولية للتركيز على هذه الوسيلة.
وتشير الأبحاث إلى أنّ الجماهير تستجيب لإقناع وسائل الإعلام المختلفة وفقاً لمستويات تعليمهم وثقافاتهم، فالأفراد الأكثر تعليماً وثقافة يميلون إلى المطبوعات كالصحف والمجلات والكتب والدوريات أكثر من أي وسيلة أخرى. أما من هم أقل تعليماً وثقافة غالباً ما يعتمدون أكثر على وسائل الراديو والتلفزيون والفضائيات بسبب أنّ هذه الوسائل لا تحتاج إلى مجهودات شخصية في تلقي الرسائل الإعلامية وتحليلها وإدراكها وفهمها.
أمّا النخبة من أهل الفكر والثقافة والمعرفة، فيعتمدون أكثر على شبكات المعلومات الإنترنت والمواقع الألكترونية في هذا الزمن الذي دخلت فيه وسائل الإتصال التكنولوجيا. حيث يذكر حول هذا الموضوع كلابر Clapper أنّه في التجارب المعملية تحت نفس الظروف، فإنّ الإتصال الشخصي يكون أكثر فاعلية من الراديو من حيث مقدرته الإقناعية، وأنّ الراديو بدوره أكثر قدرة على الإقناع من المطبوعات، وفي مواقف الحياة الواقعية يبدو أنّ التأثير الشخصي بشكل عام أكثر قدرة على الإقناع من أي وسيلة من وسائل الإعلام.
ويمكن القول أنّ القدرة الإقناعية لكلِّ وسيلة تختلف طبقاً لعدد من المتغيرات الرئيسية أو العناصر الهامة وهي:
1- طبيعة الموضوعات: فبعضها يحسن تقديمه شفوياً، والبعض الآخر قد يحتاج إلى أن يكون مرئي، والآخر مشاهد، أو جميع الحالات معاً.
2- الجهد المستهدف من ناحية خصائصه وقدراته الإتصالية، وأنماط وعادات تعرضه لوسائل الاتصال، حيث يعتبر الجمهور الهدف الرئيسي في عملية الإعلام.
3- المهارات والقدرات الشخصية المطلوبة لاستخدام الوسيلة الملائمة لتوصيل الرسالة الإعلامية.
4- مقدرة وسيلة الإعلام المستخدمة على جعل محتوى الرسالة الإعلامية حيوي وجذاب وواقعي.
كما أنّ الجمهور المتلقي لرسائل إعلامية بواسطة الإعلام الدولي، فإنّ هذه الرسائل الإعلامية مهما كانت مصممة تصميماً جيداً ومناسباً، فإنّها لابدّ وأن تراعي عدد من المتغيرات حتى تستطيع هذه الرسالة تحقيق الإقناع للجمهور، ويكون لها قدرة إقناعية.
من هذه المتغيرات التي تتعلق بالجمهور طريقة التفكير والعواطف والتعليم والفئة العمرية والميول الشخصي والثقافة، وطبيعة شخصية الفرد في الجمهور، فبالنسبة للتعليم مثلاً فإنّ هناك ارتباط بين درجة التعليم والثقافة واختيار وسيلة الإعلام الإقناعية، فالمتعلم يميل إلى الصحف والمطبوعات، وعلى العكس غير المتعلم يعتمد على التلفزيون والفضائيات.
وقد أوضح الباحث الأمريكي هوفلاند Hovland أنّ هناك ارتباط بين مقدرة الفرد الذهنية ودرجة استيعابه[2] للرسالة الإعلامية، أنّ أي استيعاب الأفراد للمعلومات أكبر دائماً بين الذين حصلوا على نصيب أكبر من التعليم من غيرهم من ذوي الأقل حظاً في التعليم والثقافة.
أما بالنسبة للإعلام بالنسبة للسن، فإنّ المرء يمر بمراحل مختلفة في حياته. فمرحلة الطفولة تختلف عن مرحلة المراهقة، وهذه تختلف عن مرحلة ما بعد سن الأربعين.
ففي مرحلة الطفولة: تسيطر وسائل الإعلام المسموعة أو المسموعة المرئية على إهتمام الأطفال من أجل مهارات التعلم، ويقبل الأطفال في الفئات العمرية الصغيرة على مشاهدة برامج الأطفال في التلفزيون، وهذا ينمي مهاراتهم التعليمية وينمي ذكاءهم، وبالتالي خلق قاعدة الولاء والمواطنة.
بينما في مرحلة المراهقة: يصبح هناك انتقال في وسيلة الإعلام، حيث يبدأ المراهقين بالتردد على دور السينما والمكتبات العامة ليجدوا فيها ما يزيد من سعة إطلاعهم ويشبع غرائزهم. وهنا يلعب الإعلام الدولي دوراً بارزاً في توجيه ما يريده لهذه الفئة من خلال الأفلام والكتب.
أما في سن الأربعين وما بعدها: تكون قراءة الصحف قد وصلت إلى ذروتها، ثمّ تبدأ بالانحسار تدريجياً بسبب ضعف البصر والحاجة إلى نظارات قراءة وجهد في المطالعة، فيكون التركيز على التلفزيون والفضائيات. أما الإنترنت فتشتمل المراهقين وكبار السن الذين ما يزالون يعملون في الإطلاع والبحث ولديهم الرغبة في ذلك.
ويستطيع الإعلام الدولي أن يستهدف الشباب وكبار السن من خلال التلفزيون والإنترنت. كما أنّ الجنس بين رجل وامرأة له دور في الجمهور المستهدف للرسالة الإعلامية، فالنساء أقل إهتماماً بالشؤون العامة من الرجال، ويملن إلى القصص الخيالية في المجلات أكثر من الرجال، وهذا ما يدركه الإعلام الدولي.
وبالنسبة للمتغيرات التي تؤثر على فعالية الإتصال الإقناعي، وبالتالي يقوم الإعلام الدولي بالتركيز على هذه المتغيرات، ووسائل الإعلام المناسبة لإقناع الجماهير. فقد وضع عدد من الباحثين نماذج حول عملية الإقناع وتأثير الإتصال في الجمهور يمكن الاسترشاد بها عند الضرورة لتصميم الرسالة الإعلامية واقناع الأفراد.
ولعل أهم هذه النماذج نموذج يل Yale communication Research Program وإهتم الباحث يل بالمتغيرات المستقلة، وهي المصدر أي موجه الرسالة الإعلامية، وهو هنا القائم بالإعلام الدولي، حيث أنّ مقدرة القائم بالإعلام الدولي وخبرته ستساعده في توصيل رسالته الإعلامية وإقناع الجمهور وجعلهم يتجهون نحو رأي عام معيّن.
فكلما كان المصدر أكثر ثقة وخبرة، ومركز مرموق ويتمتع بمصداقية وحب الناس لهم، كلما كان أكثر إقناعاً.
ومن المتغيرات المستقلة الرسالة الإعلامية نفسها، بحيث تكوو واضحة وتشير إلى مصدر المعلومات وتبدد الخوف لدى المستمع أو المشاهد، وترتب الحجج المؤيدة والمعارضة.
ومن المتغيرات المستقلة أيضاً الجمهور، بحيث يجب أن تصل الرسالة الإعلامية إلى الجمهور المستهدف بعد دراسة المتغيرات الخاصة بالجمهور، والعمل على مسايرتها، وهي قدرة الجمهور على الإقتناع، وآراء الجمهور المبدئية وذكاء الجمهور واحترامه لذاته وقيمه ومعتقداته وتقاليده وصفات الشخصية التي تميزه.
ثمّ يأتي بعد ذلك دور العمليات الوسطية، حيث أنّ تأثير الإتصال يعتمد على مدى إهتمام الناس بالرسالة الإعلامية، ومدى جذب هذه الرسالة والجمهور على تغيير الإتجاهات وتكوين رأي عام أو رأي جديد حول موضوع أو قضية ما من المفروض أن يتوسطهم جذب الانتباه والفهم والقبول لهذا البرنامج الذي تبثه وسائل الإعلام الدولي على الجماهير.
ويتم مخاطبة العقل والعاطفة ودحض الخوف وعرض وجهات النظر المؤيدة والمخالفة، والدفاع عن المؤيدة ودحض وجهات النظر المخالفة وتفنيدها، وبالتالي فإنّ نموذج يل يبيّن أنّ إتجاه الجمهور يتأثر ويتغير طبقاً لتغيير الآراء والمعتقدات التي يعتقد بها الجمهور. حيث أنّ الأخطار والأخبار والمعلومات الجديدة سوف تكون إقناعية بالنسبة للجمهور، ويمكن من الإطلاع على نموذج يل معرفة ذلك، ويؤيده أيضاً هوفلاند.
الهامش:
[1]- الإعلام والمجتمع: أ. د. منى سعيد الحديدي، أ. د. سلوى إمام علي. الدار المصرية اللبنانية – القاهرة، ص70.
[2]- نفس المصدر، ص94.
المصدر: كتاب الإعلام الدولي والعولمة الجديدة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق